Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 12-33)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله تعالى : { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ } إلى قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . أي : [ بخيل ] بالمال عن إخراجه في الحقوق ، معتد على الناس في معاملته إياهم { أَثِيمٍ } : مأثوم في أعماله لمخالفته أمرَ رَبِّه . وقيل : { أَثِيمٍ } : ذي إثم . - قال تعالى : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } . - ثم قال تعالى : { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . أي : ( أَلأَِنْ ) كان صاحب مال وبنين تطيعه / على وجه التوبيخ لمن أطاعه ، ثم أخبر عنه أنه يقول : إذا قرئت عليه آيات الله - : هي أساطير الأولين استهزاءً أو إنكاراً لها أن تكون من عند الله . " فَأَنْ " مفعول من أجله متعلقة بما بعدها أي : من أجل أنه ذو مال وبنين يقول : - { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . ويجوز أن ( تكون ) أن " في موضع نصب متعلقة بقوله " : { مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } ، ( أي ) : يفعل ذلك لأنْ كان ذا مال وبنين ، فهي أيضاً مفعول من أجله . هذا على قراءة من قرأ : " أن كان " بغير استفهام ، ومن قرأه بالاستفهام فهو إنكار وتوبيخ " لمن يطيعه أيضاً ، والمعنى : أَلأَِنْ كان هذا الحلاّف المهين ( الهماز ) المشاء بنميم القناع للخير ، [ المعتدي ] الأثيم ذا مال وبنين ، تطيعه ؟ ! ويحتمل أن يكون توبيخاً وتقريعاً لهذا الحلاف المهين . والمعنى : أَلأَِنْ كان هذا الحلاف ذا مال وبنين يقول - إذا تتلى عليه آياتنا - : هي أساطير الأولين : فيحسن الابتداء بالاستفهام على هذا الوجه ، ولا يحسن الابتداء : " بأن كان ذا مال " في الوجهين الأولين ؛ لأنه متعلق بالمخاطب . ومعنى { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } : أي : كتبهم وأخبارهم وهو جمع أسطورة . - ثم قال تعالى : { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ * إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ … } . قال ابن عباس : معناه : سنخطمه بالسيف فنجعل ذلك فيه سمة ، أي : علامة ، قال : وقد قاتل الذي نزلت فيه هذه الآية يوم بدر فخُطِم بالسيف في القتال . وقال قتادة : هو شين لا يفارقه . وروي عنه : شين على أنفه . قال المبرد : الخرطوم من الإنسان الأنف . ومن السباع موضع الشفة . والمعنى عنده : سَنَسِمُه على أنفه يوم القيامة بما يشوه خلفه وَيَعْرِفهُ بِهِ من شَهِدَه في القيامة أنه من أهل النار . وقيل : معناه : سنعلق به عاراً وسبة حتى يكون ( بمنزلة من وسم على أنفه ) . وقيل : المعنى : سَنُسَوّد وجهه ، فاستعير الأنف في موضع الوجه لأنه منه . وقيل : الخرطوم هنا : الخمر . - ثم قال تعالى : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } . أي : إنا بلونا قريشاً ، أي : امتحناهم كما امتحنا أصحاب الجنة ، إذ حلفوا ليصرمن ثمرها إذا أصبحوا ولا يقولون : إن شاء الله . قال عكرمة : هم أناس من الحبشة ، كانت لأبيهم جنة ، وكان يطعم المساكين ( منها ، فلما مات أبوهم قال بنوه : والله ما كان أبونا إلا أحمق حين يطعم المساكين ) ، فأقسموا لَيَصْرِمُنَّها مصبحين ولا يطعمون مسكيناً . قال قتادة : كان أََبُوهُم يتصدق ، وكان بنوه ينهونه عن الصدقة وكان يمسك قوت سنة ، وينفق ويتصدق بالفضل ، فلما مات أبوهم ، غدوا عليها وقالوا : لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين . [ وقال ] ابن عباس : كانوا ( أهل ) كتاب . والصَّرْم في اللغة : القطع ، وهو الجَذَاذ . - ثم قال تعالى : { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } . أي : فطرق جنتهم ليلاً أمر من الله فأصبحت الجنة كالليل المظلم . قاله ابن عباس . وروي أن الله أرسل عليها ناراً فأحرقت الزرع . وقيل : الصريم أرض باليمن يقال [ لها ] [ ضروان ] من صنعاء ، على ستة أميال . وقيل : ( كالصريم ) كالزرع الذي حُصِد . ويقال : لِلَّيْلِ صَرِيمٌ ، وللنهار صريم ، لأن كل واحد ينصرم عن الآخر . - ثم قال : { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ * أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } . ( أي ) : فنادى بعضهم بعضاً بعد الصباح أن اغدوا لحصاد زرعكم إن كنتم حاصدين له . { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } . أي : فمضوا إلى حرثهم وهم يَتَسَارُّون بينهم في الخفاء ، يقول بعضهم لبعض : لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين . - ثم قال تعالى : { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } . أي : وغدوا إلى جنتهم على قدرة في أنفسهم [ وَجِدٍ ] . قاله مجاهد . قال قتادة : غدا القوم وهم محردون إلى جنتهم قادرين عليها في أنفسهم . قال ابن زيد : " على جد قادرين في أنفسهم " . وقيل : المعنى : { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } [ على ] أمر أسَّسوه بينهم . وقال الحسن : { عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } أي : على حاجة وفاقة . وقال سفيان { عَلَىٰ حَرْدٍ } " على حَنَقٍ " . وقال أبو عبيدة : { عَلَىٰ حَرْدٍ } : على منع . وقيل " على قصد " . ومعنى " قادرين " عند الفراء : أي : قد قدَّروا هذا [ وبنوا ] عليه . وقيل : قادرين عند أنفسهم على ما دبروا من حصادها ومنع المساكين منها . - ثم قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } . ( أي ) : فلما رأوا جنتهم محترقاً حرثها أنكروها وظنوا أنهم غلطوا ، فقال بعضهم لبعض : إنا لضالون الطريق إلى جنتنا ، فقال من علم أنها جنتهم : بل نحن أيها القوم محرومون . قال قتادة : { إِنَّا لَضَآلُّونَ } قد أخطأنا الطريق ، ما هذه / جنتنا ، فقال بعضهم ممن عرفها : { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } أي : قد حرمنا نفعها . - ثم قال تعالى : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } . أي : قال لهم [ أعدلهم ] ألم أقل لكم ، هلا تستثنون إذ قلتم لنصرمنها مصبحين ، فتقولون إن شاء الله ؟ ! قال مجاهد : لولا تسبحون ، أي : تستثنون ، وكان التسبيح فيهم الاستثناء . وأصل التسبيح في اللغة : التنزيه ، فجعل قولهم " إن شاء الله " معناه تنزيه لله أن يكون شيء إلا بمشيئته . وظاهر [ الآية ] [ يدل ] على التسبيح بعينه ، إذ بعده { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } . أي : ( ظالمين ) في منعنا المساكين أن يأخذوا ما يجب علينا . - ثم قال تعالى : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } . أي : فأقبل بعضهم يلوم بعضاً على تفريطهم في الاستثناء وإطعام المساكين . - { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } . قالوا : [ تعال ] يا ويل إلينا ، فهذا وقت حضورك . وهذا شيء تقوله العرب عند الأمر العظيم : احضر يا ويل ، فهذا من إبَّانك ووقتك . - { إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } . أي معتدين مخالفين أمر الله . فندموا على ما فعلوا فأبدلهم الله خيراً منها . ( يقال ) : إن التي أبدلوا الطائف اقتلعها جبريل عليه السلام من الأردن ، وطاف بها حول البيت ، ثم أنزلها في وادي ثقيف . - ثم قال { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ … } . أي : عسى ( ربنا ) أن يعطينا بتوبتنا خيراً من جنتنا . - { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } . في ذلك . - ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ … } . أي : كفعلنا بجنة هؤلاء فعلنا بمن كفر وخالف أمرنا في عاجل الدنيا . - { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ … } . عقوبة لمن عصى الله . { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } . ( أي لو كانوا يعلمون ) أن عقوبة الآخرة أعظم من عقوبة الدنيا .