Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-11)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَآقَّةُ } إلى قوله : { فِي ٱلْجَارِيَةِ } . كأن الأصل : الحاقة ، ما هي ؟ لتقدم ذكرها ، إلا أن إعادة الاسم بلفظه أفخم إذا لم يُشْكِل المعنى . و " الحاقة " ابتداء ، و " ما " ابتداء ثان ، و " الحاقة " : خبر " ما " ، و " ما " وخبرها خبر عن " الحاقة " الأولى ، ومثله : { ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } . ومعنى الكلام أنه على التعظيم ، والتقدير : الساعة الحاقة : أي شيء هي ! ، أي : ما أعظمها وأجلها وأشدها . ومعنى الحاقة : التي تحق فيها الأمور ويجب فيها الجزاء على الأعمال . قال ابن عباس : " الحاقة اسم من أسماء القيامة ، عظمه الله وحذره عباده " . وقال قتادة : الحاقة : القيامة حقت لكل عامل ما عمله . - ثم قال تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } . أي : وأي شيء يدريك ويعرفك أي شيء الحاقة ؟ ! [ وهذا ] كله تعظيم ليوم القيامة . - ثم قال تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } . أي : كذبت ثمود قوم صالح ، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد بهجومها عليهم . قال ابن عباس : { بِٱلْقَارِعَةِ } : بيوم القيامة . وقال قتادة : بالساعة . - ثم قال تعالى : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } . أي : بطغيانهم وكفرهم بالله وباليوم الآخر . قال مجاهد : { بِٱلطَّاغِيَةِ } بالذنوب . قال ابن زيد : { بِٱلطَّاغِيَةِ } بطغيانهم ، واستدل على ذلك بقوله : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } [ الشمس : 11 ] بالصيحة ، كأنها صيحة تجاوزت مقادير الصياح فطغت عليهم . وهو اختيار الطبري ؛ لأن الله إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكوا به لا الذي أهلكوا من أجله ( ودليل ذلك / إخباره تعالى عن عاد بالمعنى الذي أهلكوا به وهو الريح ولم يخبر بالذي هلكوا من أجله ) . وقيل : المعنى : بالفئة الطاغية . ( وقيل ) : بالفعلة الطاغية . وقيل : بالجماعة الطاغية . وقيل : المعنى : بالأخذة الطاغية . وسميت الآخذة طاغية لأنها جاوزت القدر في الشدّة . فالمعنى : فأهلكوا بالأخذة التي جاوزت القدر [ فطغت عليهم ] . دليله : قوله في عاد : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } ، فذكر الشيء [ الذي ] أهلكوا به ، فكذلك الأول . وإنما ذكر الشيء الذي أهلكوا به لا الذي أهلكوا من أجله ، فإنما وصف العذاب الذي أُهْلِكَ به الطائفتان ، فهو ظاهر اللفظ وكُلٌّ قَدْ قِيل . - وقوله : { عَاتِيَةٍ } . ليس ( هو ) من العتو الذي هو العصيان ، إنما هو من العتو الذي هو بلوغ الشيء وانتهاؤه في قوته وقدره ، من قولهم : عتا : إذا بلغ منتهاه ، ومنه قوله : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [ مريم : 8 ] . ثم قال تعالى : { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } . أي : بريح شديدة العصوف مع شدة بردها . قال ابن عباس : { عَاتِيَةٍ } : أي : " مهلكة باردة عنت عليهم بغير رحمة ولا بركة ( دائمة ) لا تفتر " . قال قتادة : " الصرصر : الباردة ، عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم . قال ابن عباس : ما أرسل الله من ريح قط إلا بمكيال ، ولا أنزل قطرة إلا بمثقال إلا يوم نوح ويوم عاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على خَزّانه فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } ، قال : وإن الريح عتت على خَزّانها فلم يكن [ لهم ] [ عليها ] من سبيل ، وقرأ : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } . وقال علي بن أبي طالب : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي مَلك ، فلما كان يوم نوح أذِنَ للماء دون الخزَّان ، فطغى الماء على الجبال فخرج ، فذلك قوله : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } ، ولم ينزل شيء من الريح إلا بمكيال على يَدَيْ مَلَك إِلاَّ يومَ عاد ، فإنه أُذِنَ لَهَا دون الخُزَّان ، فخرجت فذلك قوله : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } عتت على الخزان . قال ابن زيد : " الصرصر [ الشديدة ] ، والعاتية : القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم " . قال الضحاك : { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } يعني : باردة ، { عَاتِيَةٍ } يعني : عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة . - ثم قال تعالى : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً … } . أي : سخر تلك الريح على عاد { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } . قال ابن عباس : { حُسُوماً } : " تباعاً " . وقال مجاهد : متتابعة ، [ وقاله ] عكرمة وقتادة . ( وعن قتادة ) ؛ متتابعات . وهو قول سفيان . وقال ابن زيد : { حُسُوماً } : تحسم كل شيء فلا تُبْقِي من عاد أحداً . وذكر ابن زيد عن عاد أنه كان فيهم ثمانية رجال لهم خلق عظيم ، فلما جاءتهم الريح قال بعضهم : قوموا بنا نرد هذا العذاب عن قومنا . قال : فقاموا وَصَفُّوا في الوادي ، فأوحى الله إلى تلك الريح أن تقلع كل يوم منهم واحداً وقرأ : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } حتى بلغ { خَاوِيَةٍ } . قال ابن زيد : وإن كانت الريح لتمر بالظعينة فتستدير بها وبحمولتها ثم [ تذهب ] بهم في السماء ثم تكبهم على الرؤوس ، ثم قرأ : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [ الأحقاف : 24 ] . قال : وكان قد أَمسك عنهم المطر ، فقرأ حتى بلغ { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [ الأحقاف : 25 ] الآية . قال : وما كانت الريح تقلع كل يوم من الثمانية إلا واحداً . [ قال ] : فلما عذب الله قوم [ هود ] أبقى واحداً ينذر الناس . والعرب تقول : حسمت الداء أي : قطعته ( بمتابعة ) العلاج ( عليه ) ، وسيفٌ حسامٌ : أي : قاطعٌ . وقيل : { حُسُوماً } جمع : حاسم ، كجالس وجلوس . وقيل : هو مصدر [ أي : ذات ] حسوم . - ثم قال تعالى : { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ … } . أي : فترى يا محمد قوم هود في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد أهلكوا . - { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } . أي : كأنهم أصول نخل قد خَوت وتآكَلَتْ . - ثم قال تعالى : { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } . أي : فهل ترى - يا محمد - لهم من جماعة باقية . وقيل : من بقاء . وقيل : ( من ) بقية . - ثم قال تعالى : { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ } . أي وجاء فرعون ومن قبله من الأمم الماضية المكذبة بالفعلة الخاطئة . ومن قرأ بكسر القاف وفتح الباء فمعناه : ومن معه من القِبْطِ . وقد رد أبو عبيد هذه القراءة لأنه قد كان فيهم مؤمنون . وهذا لا يلزم ، لأنه لفظ / عام معناه الخصوص ، أي : ومَن قِبَلَهُ من أهل دينه . - وقوله { وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ } يعني قوم لوط الذين ائتفكت عليهم مدائِنُهم إذْ أُهْلِكُوا أي : انقلبت عليهم . قال مجاهد : { بِالْخَاطِئَةِ } : " بالخطايا " . - ثم قال تعالى : { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } . أي : فعصى فرعون وقوم لوط رسول ربهم إليهم ، والمعنى : فعصى كل قوم رسول ربهم إليهم . وقيل : " رسول " هنا بمعنى " رسالة " . قال ابن عباس : { أَخْذَةً رَّابِيَةً } أي : " شديدة " . قال ابن زيد : رابية في الشر أي زائدة . ومنه الربا ، ومنه : أربى فلان عَليك إذا أخذ أكثر من حقه . - ثم قال تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } . أي : لما طغى الماء على الخزنة - بإذن الله له فخرج أكثر مما تقدر عليه الخزنة وتجاوز حده . والطغيان مجاوزة الحد . فقيل : إنه طغى على خزنته فلم يعرفوا له قدراً ، وذلك بأمر الله له . حملنا آباءكم في السفينة الجارية . روي أنه زاد [ فَعَلاَ كلّ شي ] بقدر خمس عشرة [ ذراعاً ] قاله قتادة . قال ابن جبير : طغى الماء وزاد غضباً لغضب الله .