Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 12-34)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

[ قوله ] { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً … } إلى [ قوله ] { عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } . أي : فعلنا ذلك لنجعل السفينة لكم عبرة وعظة وآية . قال قتادة : أبقى الله السفينة تذكرة وعظة وآية حتى نظر إليها أول هذه [ الأُمة ] ، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رِمْدداً . - قال { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } … [ أي ] : [ ولتعي ] هذه التذكرة أذن حافظة عقلت عن الله ما سمعت . " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى عَلِيِّ رضي الله عنه فقال : سَاَلْتُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَهَا أُذُنَكَ . قال علَيٌّ : فَمَا سَمِعْتُ شَيْئاً مِنْ رَسُولِ اللهِ قَطّ فَنَسِيتُهُ . " وقال [ بريدة ] : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : [ يا علي ] ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ [ أُدْنِيْكَ ] ولاَ أُقْصِيَكَ ، [ وَأنْ أُعَلِّمكَ ] وَأَنْ تَعِيَ . وَحَق عَلَى الله أن [ تَعِي ] . قال : ونزلت : { وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } " . وقال أبو عمران الجَوْنِي : { أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [ يعني ] : أذن عقلت عن الله . - ثم قال : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } . ( أي : فإذا نفخ إسرافيل في الصور نفخة واحدة ) ، وهي النفخة الأولى . - { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } . أي [ زلزلتا ] زلزلة واحدة . قال ابن زيد : دكتا دكة واحدة : " صارت غباراً " . - ثم قال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } . أي : قامت القيامة . - ثم قال تعالى : { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } . أي : وانصدعت السماء فهي متشققة يومئذ . قال الضحاك : إذا كان يوم القيامة أمر الله جل ثناؤه السماء بأهلها ونزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ثم الثانية ثم [ الثالثة ] إلى السابعة ، فصفوا صفاً بين يدي صف ثم نزل الملِك الأعلى على مجنبته جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض نَدُّوا فلا يأتون قُطُراً من أقطار الأرض إلا وَجدوا سعبة صفوف من الملائكة فيه ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } [ غافر : 32 - 33 ] . وذلك قوله : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] . - وهو قوله : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ [ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ ] إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] ( أي ) بحجة ، وهو قوله : { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } . إلى { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ … } . أي : على نواحيها وأطرافها حين تشقق . قال ابن عباس : على حافاتها ، وذلك حين تشقق . وعن ابن جبير : { عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } : على حافات الدنيا . وواحد الأرجاء [ رجا ] مقصور ، وهو الناحية ، يثنى بالواو . والرجاء : الأملُ ، مَمْدُودُ . - ثم قال : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } . قال ابن عباس هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ، وهو قول الضحاك وعكرمة . وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه قال ) : " يحمِلهُ اليَوْمَ أَرْبَعَةٌ ، وَيَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَمَانِيَةٌ " ، وأنه قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَقْدَامَهُمْ لَفِي الأَرْضِ السَّابِعَةِ ، وإِنَّ مَنَاكِبَهُمْ لَخَارِجَةٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ عَلَيْهَا العَرِشُ " ، قال ابن زيد : يريد الأربعة . قال ابن زيد : وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لمَّا خَلَقَهُمُ الله قال : تَدرون لِمَ خلقتكم ؟ قالوا : خلقتنا ربنا لما شاء ، قال لهم : تحملون عرشي ، ثم قال : سَلوني من القوة ما شئتم أَجْعَلُهَا فِيكُم ، فقال أحدهم : قد كان / عرش ربنا على الماء فاجعلني في قوة الماء ، قال : قد جعلت فيك قوة الماء ، وقال آخر : اجعل في قوة السماوات ، ( قال : قد جعلت فيك قوة السماوات . وقال الآخر : اجعل في قوة الأرض والجبال ، قال : قد جعلت فيك قوة الأرض والجبال . وقال آخر : اجعل في قوة الرياح ) ، قال : قد جعلت فيك قوة الرياح . ( ثم ) قال : احملوا . قال : فوضعوا العرش على كواهلهم فلم يزولوا . قال : فجاء عِلْمٌ آخر ، وإنما كان عِلْمُهُم الذي [ سألوه ] القوة . فقال لهم : قولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] . فقالوها ، وجعل فيهم من الحول والقوة ما لم يبلغوه بعلمهم فحملوا " . وروى ابن وهب عن أبيه أنه قال : أربعة من الملائكة يحملون العرش على أكتافهم ، لكل واحد منهم أربعة أوجه : وجه ثور ، ووجه [ أسد ] ، ووجه نسر ، ووجه إنسان . ولكل واحد منهم أربعة أجنحة : جناحان على وجهه من أن ينظر إلى العرش فيصعق ، وجناحان يقف [ بهما ] . ليس لهم كلام إلا ( أن ) يقولوا : قدسوا الله القوي الذي ملأت عظمته السماوات والأرض . وقال عطاء عن مَيْسَرَة [ في قوله ] { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } ، قال : " أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور " . قال أبو محمد [ مؤلفه رضي الله عنه ] : ما جاء في القرآن وهذه الأحاديث من النزول والمجيء وشِبْهِ ذلك مضافاً إلى الله جل ذكره [ فلا يجب ] أن يُتَأَوَّلَ فيه انتقال " ولا حركة " على الله ، إذ لا يجوز عليه ذلك ، إذ الحركةُ والنقلةُ إنما هما من صفات المخلوقين . وكل ما جاء من هذا فإنما هو صفة من صفات الله لا كما هي من المخلوقين ، فأجرها على ما أتت ولا تعتقد ولا تتوهم في ذلك أمراً مما شَهِدْتَهُ في الخلق ، إذ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . وقد قال جماعة من العلماء في وصف الله جل ذكره بالمجيء والإتيان والتنزل : إنها أفعال يحدثها الله متى شاء ، سماها بذلك ، فلا تَتَقَدَّمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ولاَ تُكَيِّفْ وَلاَ تُشَبِّهْ ، وَتَقُولُ كَمَا قَالَ وتَنْفِي ( عنه ) - جل ذكره - التَّشْبِيهَ ، ولا تَعْتَرِضْ في شيء مما أَتَى في كتابه من ذلك وما روي عن نبيه ( منه ) صلى الله عليه وسلم . - ثم قال تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } . [ أي ] : ذلك اليوم تعرضون أيها الناس على ربكم فلا يخفى عنه من أعمالكم شيء . وروي أنهم [ يعرضون ] ثلاث عرضات : قاله أبو موسى الأشعري وابن مسعود ، قالا : فعرضتان فيه الخصومات والمقادير ، والثالثة [ تطاير ] الصحف . قال أبو موسى : " فأخذ بيمينه ، وأخذ بشماله " . وروى مثل ذلك قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم . - ثم قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } . أي : فأما من أعطي كتاب عمله بيمينه فيقول : تعالوا { ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ } . وقال بعض [ أهل اللغة ] : أصل " هَاؤُمْ " " هاكم " ، ثم أبدل من الكاف واو . - ثم قال تعالى : { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } . هذا من الظن الذي هو يقين ، قوم ظنوا ظناً : فازوا به ، وقوم ظنوا ظناً : شقوا [ به ] ، وهو الظن الذي بمعنى الشك . والمعنى أن المؤمن يقول يوم القيامة حين آَخْذِ كتابه ( بيمينه : أيقنت في الدنيا أني ملاق ما عملت إذا وردت يوم القيامة ) على ربي . قال ابن عباس : ظننت : " أيقنت " . قال قتادة : ظَنَّ ظَنّاً يَقِيناً فنفعه الله به ، وقال : " ما كان من ظن الآخرة فهو علم " [ يريد ] من المؤمنين . - ثم قال : { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } . أي : عيش مرضي ، وهو عيش الجنة . وجعلت " مرضية " نعتاً [ للعيشة ] ؛ لأن ذلك مدح [ للعيشة ] ، كما يقال : " ليل نائم " " وسرٌّ كاتم " و " ماء دافق " ، بمعنى " مفعول " ؛ لأنه فيه بمعنى المدح ، فكان نقله من بناء إلى بناء يدل على المدح أو [ الذم ] ، ولو قلت : " رجل ضارب " بمعنى " مضروب " لم يجز ؛ لأنه لا مدح فيه ولا [ ذم ] ، فلا يقع بناء في موقع بناء إلا لمعنى زائد . - ثم قال تعالى : { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } . أي : رفيعة المقدار والمكان . - ثم قال تعالى : { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } . أي : ما يقطف من ثمارها دان ، أي : قريب من قاطفه ( يقطفه ) ، فكيف شاء - في حال قيام أو قعود أو اضطجاع - لا يمنعه منه بُعْدٌ ، ولا يحول بينه [ وبينه ] [ شوك ] . - ثم قال تعالى : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } . أي : كلوا / من ثمرات الجنات غير مُكَدَّرٍ ولا منقص عليكم بما تقدم ( لكم ) من الأعمال الصالحات في الأيام الماضية في الدنيا لأخراكم . قال قتادة : هذه هي الأيام الخالية فانية تؤدي إلى أيام باقية ، فاعملوا في هذه الأيام وقَدِّموا فيها خيراً إن استطعتم ، ولا قوة إلا بالله . ويقال : من عمل في الزمان الذي لا بقاء فيه أَوْصَلَهُ إلى نَعِيمِ الزمان الذي لا زَوَالَ لَهُ . ويقال : إنه الصيام في أيام الدنيا . روي أنه يوضع يوم القيامة للصوام في الدنيا مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب ، فيقولون يا رب : نحن في الحساب وهؤلاء يأكلون ؟ فيقول : إنهم طالما صاموا في الدنيا وأكلتم ، وقاموا ونمتم . - ثم قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ … } . أي : كتاب عمله ، { فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } . أي : ولم أدر أي شيء حسابي ؟ ! - ثم قال : { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } . أي : يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت هي الفراغ من كل ما بعدها ولم يكن بعد ذلك حياة . قال قتادة : تمنى الموت ولم يكن في الدنيا شيء أكره إليه من الموت . - ثم قال : { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ } . أي : لم ينفعني [ مالي ] ولا دفع عني من العذاب شيئاً ، فتكون " ما " نافية . ويجوز أن تكون استفهاماً في موضع نصب والتقدير ، أي بشيء أغنى عني مالي . - ثم قال تعالى : { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } . قال [ ابن عباس ] : ضلت عني كل [ بينة ] لي ( فلم ) تغن عني شيئاً . قال عكرمة ومجاهد : سلطاني : حجتي . وقال ابن زيد : { هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } أي : " سلطان الدنيا " وملكها . - ثم قال تعالى : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } . هذا أمر من الله لِخُزَّانِ جهنم من الملائكة ، أي : خذوا هذا الكافر فغلوا يده إلى عنقه ، ثم الجحيم فألقوه وأوردوه ( فيها ) . { ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } . أي : ثم اسلكوه في سلسلة طولها سبعون ذراعا . وذلك أن تدخل في دبره وتخرج من منخريه . وقيل : تدخل في فِيهِ وتخرج من دبره . وقال محمد بن المنكدر : لو جمع حديدُ الدنيا ما مضى منها وما بقي ما عَدَلَ حلقة من حلق السلسلة . قال نوف البكالي : الذراع سبعون باعاً أبعد ما بينك وبين مكة وهو يومئذ بالكوفة . قال ابن عباس : { سَبْعُونَ ذِرَاعاً } " بذراع الملك { فَاسْلُكُوهُ } تسلك في دُبره حتى تخرج من منخريه حتى لا يقوم على رجليه " . وروى عبد الله بن عمر وابن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لَوْ أَنَّ رَصَاصَة مثل هذا - وأشار إلى مثل جمجمة - أُرْسِلَتْ من السماء إلى الأرض - وهي مسيرةُ خَمْسِ مِائَةِ سنة - لبلغت الأرضَ قبل الليل . ولو أنها أُرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً - الليلَ والنهارَ - قبل أن [ تبلغ ] أصلها أو قعرها " . وقيل : فاسلكوه ، وإنما تسلك السلسلة فيه لأن المعنى مفهوم ، مثل قولهم : أدخلت رأسي في القلنسوة ، وإنما تدخل [ القلنسوة ] في الرأس ، وشبهه كثير في الكلام . وقال الفراء : التقدير : فاسلكوه فيها . وروى نعيم بن حماد عن كعب أنه قال : ينظر الله إلى عبده يوم القيامة فيقول : " خذوه " ، فيأخذه مائة ألف ملك حتى يتفتت في أيديهم ، فيقول : أما ترحموننا ؟ ! فيقولون : وكيف نرحمك ولم يرحمك أرحم الراحمين ؟ ! . - ثم قال تعالى : { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } . أي : لا يصدق بتوحيد بالله . { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } . ولا يرغب هو ولا يُرَغَّبُ غيرهُ في إطعام أهل المسكنة والحاجة .