Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 172-174)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } ، الآية . حجة من قرأ " ذُرَّيَّات " بالجمع ، أنها الأعقاب المتناسبة الكثيرة . ومن قرأ { ذُرِّيَّتَهُمْ } ، بالتوحيد ، قال : إنها قد أُجْمِعَ عليها في قوله : { مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ } [ مريم : 58 ] ، ولا شيء أكثر من ذريته ( صلى الله عليه وسلم ) ، فدلت على الكثير بنفسها . ومعنى الآية : واذكر ، يا محمد ، { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } ، أي : استخرج الأبناء من أصلاب الآباء ، فقررهم بتوحيده ، وأشهدهم على أنفسهم بإقرارهم ، أي : أشهد بعضاً على بعضٍ بالإقرار بالتوحيد . قال ابن عباس : أخذ الله ، ( عز وجل ) ، الميثاق من ظهر آدم ( عليه السلام ) ، بنَعْمَان يعني : عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذريته ، فَنَثَرهُم بين يديه كالذَّرِّ ، ثم كلمهم قَبَلاً ، فقال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } ، فأشهد بَعْضَهُمْ على بعضٍ بذلك الإقرار . وقال الضحاك : إن الله ( سبحانه ) ، مسح صلب آدم ، ( عليه السلام ) ، فاستخرج منه كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق : أن يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شيئاً ، وتكفَّل لهم بالأَرْزاق ، ثم أعادهم في صلبه ، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذٍ ، فمن أدرك منهم الميثاق ( الآخر ) فَوَفَى به ، نفعه الميثاق الأول ، ومن أدرك ( الميثاق ) الآخر فلم يفِ به ، لم ينفعه الأول ، ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر ، مات على الميثاق الأول على الفطرة . رَوَى ذلك عن ابن عباس . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ مَوْلُودٍ يُوْلَدُ عَلَى الفِطْرَةِ حتَّى يكُونَ أَبَوَاهُ اللَّذَانِ يُهوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ " . والميثاق الأول ، هو : ما أخذه الله ، ( عز وجل ) ، عليهم إذ أخرجهم من ظهر آدم ، ( عليه السلام ) . والميثاق الآخر ، هو : قبول فرائض الله ، ( سبحانه ) ، والإيمان به ، وبرسالة النبي عليه السلام ، وبما جاءت به الرسل . وروى ابن عمر عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " أُخذوا من ظهره ، كما يُؤْخذ بالمشط من الرأس ، فقال لهم : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } ، قالت الملائكة : { شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } " . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إن الله جلّ وعزّ ، خلق آدم ( عليه السلام ) ، ثم مسح ظهره بيمينه ، ( سبحانه ) ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : " خلَقْتُ هَؤلاَءِ لِلْجَنَّة ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَعْمَلُونَ " . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : " [ خَلَقْتُ ] هَؤُلاَءِ لِلنّارِ ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ " . فقال / رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ فقال : إن الله ( تعالى ) ، إِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْل الجَنَّةِ ، فَيَدْخِلُهُ الجَنَّةَ . وَإِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلْنَّارِ ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُدْخِلُهُ النَّارِ " . وقيل معنى : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } ، دلهم على توحيده ؛ لأن كل بالغٍ سالمٍ من العاهات ، يَعْلَمُ ضرورةً أنَّ لَهُ رَبّاً واحِداً . وقيل : إنَّ الآية مَخْصُوصَةٌ ؛ لأنه قال : { مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } ، فخرج من هذا من كان من ولد آدم ( عليه السلام ) ، لصلبه وقال ( الله ) عز وجل : { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ } ، فخرج منها كل من له آباء مشركون . وقال أُبَيُّ بن كعب : جمعهم جميعاً ، فجعلهم أَزْوَاجاً ، ثم صوَّرهم ، ثم استنطقهم ، فقال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } ؛ أنَّكَ رَبَّنَا وإلهَنَا ، لا رب لنا غيرك ، ثم أخبرهم بما ينزل عليهم من كتاب وما يرسل إليهم من الرسل ، وأمرهم أن يؤمنوا بذلك . ومن قرأ بـ : " الياء " في : { [ أَن ] تَقُولُواْ } ، { أَوْ تَقُولُوۤاْ } ، رده على : { ظُهُورِهِمْ } ، و : { ذُرِّيَّتَهُمْ } و { وَأَشْهَدَهُمْ } ، وبعدها ، { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . فلما جرى الكلام قَبْلُ وَبَعْدُ على لفظ الغَيْبَة ، أجرى وسطه على ذلك . ومعنى الكلام : أنهم لما أقروا ، قال الله عزّ وجل ، للملائكة : " اشْهَدُوا " ، قالت الملائكة : { شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } . ومن قرأ : بـ : " التاء " ردّه على المخاطبة في قوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } ، وهي أقرب من لفظ الغَيْبة إلى : { تَقُولُواْ } . قال أُبيُّ بن كعب : ولما أخرج الله ( عز وجل ) ، الذرية ، كانت الأنبياء ، ( صلوات الله عليهم ) ، فهم مِثْلُ السُّرُج ، عليهم النور ، فخصوا بميثاق آخر : الرِّسَالَةِ والنُّبوَّةِ ، قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : 7 ] ، الآية . فكان في علمه من يكذّب الأنبياءَ ومن يصدِّق . قال : وكان روح عيسى ابن مريم ، ( عليه السلام ) ، في تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد ، فأرسل الله ، ( عز وجل ) ، إلى مريم حين انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً . قال الله جلّ وعزّ . { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [ مريم : 17 ] . قال : فحملت الذي خاطبها ، وهو روح عيسى ، ( عليه السلام ) . قال ابن جبير : فكانوا يُرَوْنَ أن القلم يومئذٍ جَفَّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ . قال ابن جبير : فكانوا يُرَوْن أن القلم يومئذٍ جفّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ . ومعنى : { شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ } ، عند السدي : أنه خبر من الله ، ( عز وجل ) ، عن نفسه ( تعالى ) ، وملائكته ، بالشهادة على بني آدم ، كيلا { تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } . والوقف على هذا القول { بَلَىٰ } . وقال ابن عباس : المعنى ، إن بعضهم شهد على بعض . فالمعنى : { قَالُواْ بَلَىٰ } شهد بعضنا على بعض كيلا { تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } ، أي : كل بعض يقول : شهدنا على البعض الباقي ، كيلا يقولوا : كذا . { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ } : واتبعناهم ، { أَفَتُهْلِكُنَا } ، بإشراك آبائنا واتباعنا منهاجهم على جهل منا ؟ فالوقف على قول ابن عباس : { ٱلْمُبْطِلُونَ } . و { بَلَىٰ } وقف عند نافع ، والأخفش ، وأبي حاتم ، وغيرهم . وهذا يدل على أنَّ الشهادة كانت من الله ( عز وجل ) ، وملائكته على المُقِرِّينَ . وهو قول مجاهد ، والضحاك ، والسدي . وهذا حسنٌ على قراءة [ من قرأ ] بـ : " التاء " ، فيكون { شَهِدْنَآ } ، ليس من كلام الذين قالوا : { بَلَىٰ } . ومن قرأ : بـ : " الياء " فأكثر أهل العربية يقولون : [ { أَن تَقُولُواْ } متعلقة بـ : { وَأَشْهَدَهُمْ } ، والمعنى : وأشهدهم على أنفسهم كراهة ] { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا / غَافِلِينَ } ، فالتمام ( على هذا ) : { ٱلْمُبْطِلُونَ } . وقال ابن الأنباري والسجستاني { بَلَىٰ شَهِدْنَآ } ، التمام ، وهو غلط ؛ لأنّ { أَن } متعلقة بـ : { أَشْهَدَهُمْ } أو بـ : { شَهِدْنَآ } على قراءة من قرأ بـ : " الياء " . فأما على تفسير ابن عباس : أن المعنى : [ و ] شهد بعضهم على بعض ، فالتمام : { ٱلْمُبْطِلُونَ } لأن { شَهِدْنَآ } ، من قول الذين قالوا : { بَلَىٰ } . ومعنى : { أَفَتُهْلِكُنَا } ، أي : لست تفعل ذلك . ( وقوله ) : { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ [ ٱلآيَاتِ ] } . " الكاف " : في موضع نصب . والمعنى : وكما فصلنا ، لقومك ، يا محمد ، آيات هذه السورة ، كذلك نفصل الآيات غيرها فنبيِّنها لقومك ، { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، إلى الإيمان .