Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 188-190)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } ، إلى قوله : { عَمَّا يُشْرِكُونَ } . والمعنى : قل يا محمد ، لسائليك عن الساعة : { لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } أن يملكنيه ، بأن يُقوِّيني عليه ، ويعينني ، { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } ، أي : أعلم ما هو كائن { لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } ، أي : من العمل الصالح . وقال ابن جريج : { لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } أي : هدى ولا ضلالة ، { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } ، أي : متى أموت ، لاستكثرت من العمل الصالح . وقال مجاهد مثله . وقال ابن عباس : { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } ، أي : أعلم السَّنَةَ الجَدْبَة من الخصبة ، لاستكثرت من الرُّخْصِ . وقيل : { [ وَ ] لَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } ، أي : مَا كَتَبَ الله . وقيل : لو كنت أعلم ما تسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه أن تجيبوني إلى ما أدعوكم { لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } ، أي : من إجابتكم إلى ما أدعوكم . { وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ } ، منكم بتكذيب أو عداوة . وقال الحسن { مِنَ ٱلْخَيْرِ } : من الوحي . وقيل : / المعنى : لو كنت أعلم النصر في الحرب لقاتلت فلم أُغلب . وقيل المعنى : لو كنت أعلم ما يريد الله مني من قبل أن يُعَرِّفَنِيه لفعلت . وهو اختيار النحاس . { وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ } ، أي : الضر . وقيل : { وَمَا [ مَسَّنِيَ ] } تكذيبكم وقولكم : مجنون . ثم قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } . يعني : آدم ، [ عليه السلام ] . { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } . يعني : حواء خلقت من ضِلْعٍ من ( أَضْلاَعِ ) آدَمَ . { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } . ليأوي إليها ، لقضاء حاجته ولذته . { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } . كناية عن الجِمَاعِ . { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } . يعني : الماء الذي حملته حواء في رحمِها من آدم ، عليهما السلام . { فَمَرَّتْ بِهِ } . أي : استمرت به ، قامت وقعدت ، وأتمت الحَمْلَ . وقيل : المعنى : { فَمَرَّتْ بِهِ } ، وجاءت لم يثقلها الحَمْلَ أولاً . قال قتادة : { فَمَرَّتْ بِهِ } ، استبان حَمْلُها . وقال مجاهد : [ استمر ] حَمْلُها . وقيل معنى " فَمَرَّتْ بِهِ " : فشكَّت ، أحملت أم لا ؟ رُوِيَ ذلك عن ابن عباس ، وقاله : يحيى بن يعمر . ورُوي : أن البطن الذي ثقل عليها حمله ، كان البطن التاسع ، وكانت البطون التي قبله خفيفة عليها ، فلما أثقلت بهذا البطن التاسع ، مرَّ بِهَا إبليسُ فشكت إليه ثِقْل حملها ، فقال لها ، عدو الله ، سَمِيّه : " عبد الحارث " يخف عليك . ففعلت . قال أبو حاتم المعنى : فاستمر بها الحمل ، فَقُلِبَ الكَلاَمُ . يقال : أدْخَلْتُ الخُفَّ رجلي . { فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ } . أي : صار حَمْلُها الخَفِيفَ ثَقِيلاً . وقال السدي { أَثْقَلَتْ } ، : كبر الولد . { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا } : يعني : آدم وحواء . { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } . أي : غلاماً . قاله الحسن ، ومعمر . وقيل : إنهما أشفقا أن يكون الحمل غَيْرَ إِنْسَانٍ ، فسألا أن يكون إنساناً . قال ابن عباس : إنهما أشفقا أن يكون بَهِيمَةً . { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } . أي : بشراً . { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } . قال ابن جبير : جاءها إبليس فَخَوَّفَهَا أن يكون حَمْلُهَا بهيمة . وقال : أطيعيني وَسَمِّيهِ : " عبد الحارث " تلدين شبَهكما ، فذكرت ذلك لآدم ، فقال : هو صاحبنا الذي علمت : فمات الولد ، ثم حملت أخرى ، فعاد إليها إبليس بمثل ذلك ، وكان الملعون اسمه في الملائكة : " الحارث " . وقال لها : أنا قتلت الأول ، فذكرت ذلك لآدم ( عليه السلام ) ، فأبى . ثم حملت ثالثاً ، وعاد إليها إبليس بمثل الأول ، فذكرت ذلك لآدم ، فكأنه لم يكرهه ، فسمَه : " عبد الحارث " . قال ابن جبير : لم يكن إلا أن أصابها آدم فحملت ، فليس إلا أن حملت تحرك في بطنها ولدها . وذلك كله بعد أن أُهْبِطَا إلى الأرض . وقول آدم : هو صاحبنا ، يعني : هو الذي أخرجنا من الجنة . قال السدي : لما حملت أتاها إبليس فخوفها أن يكون بهيمة ، فعند ذلك { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } . ومن قرأ { شُرَكَآءَ } ، فقد منعه الأخفش ، وقال : كان يجب أن يقرأ على هذه القراءة : جعلا لغيره شِرْكاً ، وهو إبليس ؛ لأن الأصل له ، والشرك لغيره ، فإنما جعلا لغيره الشرك . والقراءة عند غيره جائزة ، ومعناها : جَعَلاَ لَهُ ذَا شِرْكٍ ، ثم حذف ، مثل : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ، فالشرك على هذا لإبليس ، وهو المضاف المحذوف . و " الشرك " مصدر : شَرِكْتُهُ في الأمر . ومن قرأ { شُرَكَآءَ } : جعله جمع شريك . وإنَّما جاءت بالجمع وهو واحد ، إذ المراد به : إبليس ومعه تُّباعٌ ؛ لأن له جنوداً وشياطين معه ، فإذا جعل هو شريك ، فحكمهم حكمه ، فخرج الخبر عن جميعهم . / وقيل : إنما ذلك ؛ لأن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة ، إِذَا لَمْ تَقْصِدْ وَاحِداً بِعَيْنِهِ ، وَلَمْ تُسَمْهِ ، نحو قوله : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ } [ آل عمران : 173 ] ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ . روى سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " كانت حواء لا يعيش لها ولد ، فنذرت لئن عاش لها ولد لتسميه : " عبد الحارث " فعاش لها ولد ، فسمته " عبد الحارث " ، وإنما كان ذلك عن وحي الشيطان " . وقال بكر بن عبد الله : سمى آدم ولده عبد الشيطان . قال عكرمة : كان لا يعيش لهما ولد ، فأتاهما الشيطان وقال لهما : إِنْ سَرَّكُما أن يعيش لكما ولد فسمياه : " عبد الحارث " . ففعلا ، فذلك قوله : { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ } . قال ابن جبير : لما أثقلت حواء في أول ولد ولدته ، أتاها إبليس قبل أن تلد فقال : يا حواء ، ما هذا الذي في بطنك ؟ قالت : ما أدري ! قال : من أين يخرج ؟ من أنفك ، أو من عينك ، أو من أذنك ؟ قالت : لا أدري قال : أرأيت إن خرج سليماً ، أتطيعني أنت فيما آمرك به ؟ قالت : نعم ! قال : سَمِّيهِ " عبد الحارث " ، فأتت آدم فأعلمته ، فقال لها : ذلك الشيطان فاحذريه ، فإنه عدونا الذي أخرجنا من الجنة ! ثم أتاها إبليس ثانية فأعاد عليها ، فقالت : نعم فلما وضعته سمته : " عبد الحارث " . قال السدي : لما ولدت غلاماً أتاها إبليس فقال : سمّيه عبدي وإلا قتلته ! قال له آدم : قد أطعتك فأخرجتني من الجنة فأبى أن يطيعه ، فسمَّاه " عبد الرحمن " فَسُلِّط عليه إبليس فقتله . فحملت بآخر فعاد بمثل ذلك ، فلم يفعل ( ذلك ) آدم ، وسماه : " صالحاً " فسلط الله عليه إبليس فقتله . فلما كان الثالثة قال لهما : فإذ غلبتموني فسموه " : " عبد الحارث " وكان اسمه في الملائكة " الحارث " ، فسماه " عبد الحارث " . ورُوِيَ عن الحسن أنه قال : هذا كان في بعض الملل ولم يكن بآدم . يعني : " الشِّرْك " ، إنما كان في بعض الأمم . وقيل المعنى : جعل أولادهما لله شركاء ، يعني : اليهود والنصارى . وروى قتادة عن الحسن : أنه قال : هم اليهود والنصارى ، رزقهم الله الأولاد فَهَوَّدُوا ونصَّرُوْا . وَرُوِىَ عن عكرمة أنه قال : لم يخص بهذا آدم وحواء ؛ وإنما المراد بذلك الجنس . كأنه قال : خلق كل واحد منكم من نفس واحدة ، { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } ، أي : من جنسها ، { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } ، يعني : الجنس لا يخصُّ به واحد دون آخر ، { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا } ، يراد به الجنسان الكافران . ثُمَّ يُحْمَل قوله : { عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، على الجمع ؛ لأنهما جنسان .