Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 196-199)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } ، إلى قوله : { عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } . قرأ الجَحْدَري : " إِنَّ وَلِيَّ اللهِ " ، بياء مفتوحة شديدة ، وخفض الاسم . يعني به جبريل ، عليه السلام . ومعنى الآية على قراءة الجماعة : قل ، يا محمد ، لعبدة الأوثان ، { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ } ، أي : ( إنَّ ) نصيري عليكم ، { ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ } عَلَيَّ بِالحَقَّ ، { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } ، أي : يَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ فِيهِ . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ / لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ } . [ أي : وقل لهم بعد إخبارك أن الله ، تعالى ، ينصرك : والذين تدعون من دون الله ، لا يستطيعون نصركم ] كما نصرني الله ، ولا يستطيعون نصر أنفسهم . فأي هذين أولى بالعبادة ؟ من نَصَرَ نَفْسَهُ ، وَنَصَرَ مَنْ عَبَدَهُ ، أو من لا يستطيع نصر نفسه ولا نصر من عبده ؟ ثم قال تعالى : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ } . أي : وإن تدعوا ، أيُّها المشركون ، آلهتكم { إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ } دعاءكم . { وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } ، يعني : آلهتكم ، { وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ، يعني : الآلهة . { وَتَرَٰهُمْ } في هذا بمعنى : الظن والحِسْبَان ، لا من النَّظَر . وقد تَأوَّلهُ بمعنى : " النَّظَرِ " المُعْتَزِلَةُ ، وغَلِطُوا فيه . وقال السدي : يعني بذلك المشركين ، لا يسمعون الهدى ، { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ما تدعوهم إليه . وقيل معنى : { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } هنا : يُوَاجِهُونَك ولا يَرَوْنَكَ . وحكى الكسائي : " الحَائِطُ يَنْظُرَ إِلَيْكَ " . أي : يواجهك ، إذا كان قريباً منك . وحكى : " دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلاَنَ " ، أي تواجه وتحاذي وتقابل . ودَلَّ قوله { وَتَرَٰهُمْ } على أن المراد المُشْرِكُونَ ، إذ لو كان للآلهة لقال : " وتراها " . وقيل : هي للآلهة ؛ لأنها مثل بني آدم في صورها التي مَثَّلُوها ؛ ولأنهم يعظمونها ويخاطبونها بمخاطبة من يعقل ، فَخُوطِبُوا هُمْ كَذَلِكَ . فمن جعله للمشركين ، كان " ترى " على بابه ، من رؤية العين . ثم قال تعالى : { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } . قال بعض أهل المعاني : في هذه الآية بيان قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : " أُوتيتُ جَوَامِعَ الكَلاَمِ " . فهذه الآية قد جمعت معاني كثيرة ، وفوائد عظيمة ، وجمعت كل خُلُقٍ حسن ؛ لأن في " أخذ العفو " : صلة القاطعين ، والصفح عن الظالمين ، وإعطاء المانعين . وفي " الأمر بالمعروف " : تقوى الله ( عز وجل ) ، وطاعته ، ( جلت عظمته ) ، وصلة الرحم ، وصون اللسان عن الكذب ، وغض الطرف عن الحُرُمات . وسُمِّيَ ذلك وَنَحْوَهُ " عُرْفاً " ؛ لأن كل نفس تعرفه وتركن إليه . وفي " الإعراض عن الجاهلين " : الصبر ، والحلم ، وتنزيه النفس عن مخالطة السفيه ، ومنازعة اللَّجُوج ، وغير ذلك من الأفعال المَرْضَيَّةِ . وقال أهل التفسير في قوله { خُذِ ٱلْعَفْوَ } ، أي : خذ فضل أموالهم ، وهو حق في المال نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ . وهو قول : ابن عباس ، والسدي ، وغيرهما . وقيل : هو الزكاة . وهو قول مجاهد . وقيل : هو أمْرٌ بالاحتمال وترك الغِلْظة ، ثم نسخ بالأمر بالغلظة والأمر بالقتال . وهو قول ابن زيد . وقال القاسم ، وسالم : هو حق في المال سوى الزكاة . وقال عبد الله ، وعروة بن الزبير : روى هشام بن عروة عن أبيه { خُذِ ٱلْعَفْوَ } ، أي : من أخلاق الناس ، أي : السَّهْلَ مِنْهَا . { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } . قال عروة ، والسدي : " العُرْفُ " : المعروف . وفي الحديث معنى الآية : " أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ، وتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ ، وتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ " . قال سفيان بن عيينة : بلغني أن جبريل ، عليه السلام ، نزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : يا محمد ، جئتك بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ في الدنيا والآخرة { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } ، وهو يا محمد أن تصل من قطعك ، وأن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك . وروى ابن عيينة عن الشعبي أنه قال : " إن جبريل ، عليه السلام ، ( لما ) نزل بهذه الآية على النبي عليه السلام ، قال له النبي ( عليه السلام ) ، : ما هذا يا جبريل ؟ قال جبريل : لا أدري حتى أسأل العَالمِ ، فذهب فمكث شيئاً ، ثم رجع فقال : إن الله ( عز وجل ) ، يأمرك أن تعفو / عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك " . وقوله : { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } . قال ابن زيد : هذا منسُوخٌ بالقتل . وقيل : هي مُحْكَمةٌ ، إنما أُمر بالاحتمال واللِّين . وذكر سفيان بن عيينة أن جبريل ، ( عليه السلام ) ، فسر هذا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : يا محمد ، إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك . قال قتادة : هذه أخلاق أمر الله ، ( عز وجل ) ، نبيه ، ( عليه السلام ) ( بها ) وَدَلَّهُ عليها . ورُويَ : أن جبريل ، عليه السلام ، نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا محمد ، أتيتك بمكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } ، وذلك يا محمد ، أن تصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتَحْلُمَ عمن هو دونك . ورُوِيَ أن " العُرْفَ " ، قول : لا إله إلا الله ، أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يأمر الناس بقولها .