Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } ، إلى قوله : { شَطَطاً } . أي : قل يا محمد ( لأمتك ) أوحى الله إليّ أنه استمع نفر من الجن القرآن ومضوا إلى قومهم . - { فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } . أي : إلي ما فيه الرشد لمن قبله { فَآمَنَّا بِهِ … } أي : فصدقنا به . { وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } . أي : ولا نجعل لربنا شريكاً في عبادتنا إياه بل نعبده وحده . قال ابن عباس : كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِحَرَاء يتلو القُرآن فَمَرّ بِهِ نَفَرٌ منَ الجِنِّ فاستمعوا إلى قِراءَته وآمَنوا بِهِ وَمَضوا إلى قومِهم مُنذرين ، فَقَالوا ما حَكى الله عنهم . وروى جابر بن عبد الله ، وابن عمر " أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم سُورة الرّحمن ، [ فَكُلّما ] قَرَأ عليهم { فَبِأَيِّ [ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ] } قالت الجِنّ : لا بِشيءٍ من إنعامك نكذب ربّنا . ولمّا قرأها النبيّ على أصحابه ، قالَ : ما لي أراكم سُكُوتاً ، [ للجن ] كانوا أحْسَنَ مِنكُم رَداً " . ومن فتح " أن " في { وَأَنَّهُ } وما بعدها عَطَفَه على الهاء في " به " فصدقنا به وصدقنا أنه تعالى وكذلك ما بعده . وما لم يحسن فيه " صدقنا " " وآمنا " أضْمر له فعل يليق بالمعنى نحو قوله : { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } ، { وَأَنَّا ظَنَنَّآ } ، { وَأَنَّهُ كَانَ ( رِجَالٌ ) } ، { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ } وشبهه ، كأنه أضمر " شهدنا " ، لأن التصديق شهادة ، وأضمر [ أُلهِمنا ] ونحوه ، فإن في جميع ذلك في موضع نصب لأنه عطف على المعنى في : { فَآمَنَّا بِهِ } فأما من كسر ، فإنه ابتداء " إن " بعد القول في قوله : { إِنَّا سَمِعْنَا } ثم عطف ( ما ) بعدها عليها لأنه كله من قول الجن . ومما يدل على قراءة الفتح دخول " أنّ " في قوله { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ } ، لأن " أنّ " لا [ تدخل ] مع " لو " في الحكاية فلما دخلت أن مع " لو " عُلِم أن ما قبلها وما بعدها لم يحمل على الحكاية أيضاً ، وإذا لم يحمل على الحكاية لم يجب فيه الكسر ، وإذا لم يُكسر وجب فتحه . ولا يحسن أن يَعطِف من فتح على { أَنَّهُ ( ٱسْتَمَعَ } لأنه ليس كلّه يحسن فيه ذلك المعنى . لو قلت " وأوحى إليّ أنا ظننا " وأوحي إلي ) أنه كان ( يقول سفيهنا ) لم يحسن شيء من ذلك لأنه مما حكى الله جل ذكره لنا من قول الجن ، فلا يجوز أن يعطف كلام الجن على ما أوحي الى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه ليس منه . وعلة من كسر الجميع وفتح { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ } وهو [ أبو عمرو ] وابن كثير ، لأنه ليس من قول الجن فيحمل على الحكاية ، فَحَمَلَهُ على العطف على قوله : { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } ، فهو في موضع رفع عَطْفٌ على المفعول الذي لم يسم فاعله وهو { أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ } . فأما علة ( من ) فتح " أن " في قوله { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ } وإجماعهم على ذلك فلأنها بعد يمين مقدرة فانقطعت عن النسق ، والتقدير : والله أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً . وكان سبب استماع الجن للقرآن ( ما ) قال ابن عباس ، قال : " اِنْطَلَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ ( سُوقَ ) عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَأُرْسِلَتْ عَلَيهِمُ الشُّهُبُ ، فَرَجِعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا : حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ ، فَقَالُوا : مَا حالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَيْءٌ حَدَثَ ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا تَبْتَغُونَ مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ . ( فَانْصَرَفَ ) أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ [ تهَامَةَ ] إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِنَخْلَةٍ عَامِداً إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهَ صَلاَةَ الفَجْرِ ، / فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ ، وَقَالُوا : هَذَا وَالله الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ . فَهُنَاكَ حِينَ رَجِعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا ( أَحَداً ) ، فأنزل الله جل ذكره ذلك على نبيه " . قال زِرُّ : قدم رهط [ زوبعة ] وأصحابه إلى مكة على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعوا قراءته ثم انصرفوا فهو قوله : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ [ ٱلْقُرْآنَ } . قال ] : وكانوا تسعةً ، مِنْهُمْ [ زوبعةُ ] . قال الضحاك : قوله { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } ( هو قوله : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ ) } ثم ذكر من الخبر ( نحو ) ما تقدم . والنَّفَرُ في اللغة ثلاثة فأكثر . - ثم قال : { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا ( مَا ٱتَّخَذَ ) … } . أي : ( وآمنا أنه تعالى ، على قراءة من فتح . وعلى قراءة من كسر ، فتقديره : وقالوا إنه { تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } : أي ) أَمْرُ ربنا وسلطانُه وقدرتُه . قال ابن عباس : { جَدُّ رَبِّنَا } : " فعله وأمره وقدرته " . وهو قول قتادة والسدي وابن زيد . وقال عكرمة ومجاهد : { جَدُّ رَبِّنَا } جلاله وعظمته . وقال الحسن { جَدُّ رَبِّنَا } " غنى ربنا " . وذكر الطبري عن بعضهم أنه قال : جَهِلَ الجِنُّ فيما قالوا : والجَدّ [ أبو ] الأَبِ . وعن مجاهد أيضاً { جَدُّ رَبِّنَا } " ذكره " . وعنه وعن عكرمة وقتادة : { جَدُّ رَبِّنَا } عظمته . والجد في اللغة على وجوه ، منها : الجَدّ أبو الأب وأبو الأم والجَدّ : الحظّ ، وهو [ البَخْتُ ] بالفارسية والجَدّ : العَظَمَةُ . ( والجَدّ مصدر [ جَدَدْتُ ] الشيء جَدّا ، ولا يليق بهذا الموضع من كتاب الله من هذه الوجوه إلا العظمة . - ثم قال : { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } . أي : وشهدنا أنه ( كان على قراءة من فتح " أن " ، ومن كسر كان تقديره : " وقالوا إنه كان يقول " . وكذلك التقدير في جميعها في الفتح أو الكسر ، تقدر بالفتح : صدقنا أو آمنا أو شهدنا أو أُلْهِمنا ونحوه . وتقدر في الكسر " القول " لأنه معطوف على { فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا } . والمعنى أن الله أخبرنا عن [ قول ] النَّفَرِ واعترافهم الخطأ الذي كانوا عليه . من قبول قول إبليس اللعين فالمعنى : وإن إبليس كان يقول على الله شططاً والشطط : الغلو في الكذب . قال قتادة ومجاهد وابن جريج : السفيه هنا إبليس ورواه أبو بُرْدَة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال سفيان : سمعت أن الرجل إذا سجد جلس ( إبليس ) يبكي يا ويله ، أمرت بالسجود فعصيت [ فلي ] النار وأمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة . والسفه [ رقة ] الحلم . قال ابن زيد : { شَطَطاً } ظلماً كبيراً . وقيل : الشطط : البعد [ ومنه ] : شط المِزار أي : بعد .