Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 5-19)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله : { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } إلى قوله : { لِبَداً } . أي : وإنّا حسبنا وتوهمنا أن أحداً لا يقول على الله الكذب . وذلك أنهم كانوا يحسبون أَ ( نّ ) إبليس كان صادقاً فيما [ يدعوهم ] إليه من صنوف الكفر . فما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذباً في كل ذلك وسَمّوه سفيها . [ ثم قال ] : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } . هذا أيضاً من قول النفر من الجن . ذكروا أن رجالاً من الإنس [ كانوا ] [ يستجيرون ] برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا ، فزاد الجنّ باستجارتهم ( لهم ) جرأة عليهم وازداد الإنس إِثْماً . قال ابن عباس : [ فزادوهم ] إثماً . وهو قول قتادة . فازداد الإنس بفعلهم ذلك إثماً ، وازداد الجن على الإنس جرأة . وقال مجاهد : ازداد الإنس بذلك طغياناً . وقال الربيع بن أنس : فازداد الإنس لذلك فَرقاَ من الجن . وهو قول ابن زيد . وقال أبو عبيدة : رهقاً : سفهاً وظلماً . والرهق في كلام العرب : الإثم والعيب وإتيان المحارم . ومنه : فلان يرهق بكذا ، أي : يعاب به . فيكون التقدير : فزاد الجنّ الإنسَ إِثماً لمّا [ استعاذوا ] بهم . وكان ذلك من فعل المشركين . قال ابن عباس وغيره : كان رجال من الإنس يَبِيتُ أحدهم في الوادي في الجاهلية ، فيقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي فزادهم ذلك إثماً . وقال الحسن : كان الرجل إذا نزل في الوادي يقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه . وقال النخعي : كان الرجل إذا نزل [ الوادي ] يقول : نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ( ما ) فيه ، فتقول الجن : ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضراً ولا نفعاً . وقال مجاهد : كانوا يقولون إذا هبطوا وادياً : نعوذ بعظماء هذا الوادي وهو قول قتادة وغيره . - ثم قال : { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } . أي : وإن الرجال من الجن ظنوا كما ظن الرجال من الإنس أن الله لا يبعث أحداً ، أي : رسولاً إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده . قاله الكلبي . وقال غيره ، معناه : وأن الجن ظنوا كما ظن الكفار من الإنس أن الله لا يبعث أحداً يوم القيامة . - ثم قال : { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً / } . [ وقال النفر من الجن إنا طلبنا خبر السماء فوجدناها قد ملئت حفظاً مانعاً ] [ وشهباً ] نُرْجَم بها إذا أردنا الاستماع . والشُّهب : النُّجُوم . وقال ابن جبير : كانت الجن [ تستمع ] ، فلما رُجموا قالوا : إن هذا الذي حدث في السماء إنما هو لشيء حدث في الأرض . قال : فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً من سوق عُكَاظٍ يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فذهبوا إلى أصحابهم منذرين . - ثم قال { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ . … } . أي : وقالوا إنا كنا نقعد من السماء في مقاعد نستمع الأخبار . - { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } . أي : من أتي يستمع الساعة يرمي بشهاب يرمد به إذا دنا فَيُرمى به ، قال قتادة : لما بعث الله نبيه مُنِعُوا الاستماع [ فَتَفَقَّدَتِ ] الجن ذلك من أنفسها ، قال : وذُكِرَ لنا أن أشراف الجن كانوا [ بنصيبين ] ( فطلبوا ذلك ) وضربوا إليه حتى سقطوا على نبي الله وهو يصلي بأصحابه عامداً الى عكاظ . قال ابن زيد : قالوا كنا نستمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً ، فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس ، فقالوا مُنِع ( منَّا ) السمع . فقال : إن السماء لم تحرس إلا على [ أمرين ] : [ إما العذاب ] يريد الله عز وجل أن ينزله بغتة على أهل الأرض ، وإما نبي مرسل مرشد فذلك قول الله تعالى حكاية عن قولهم { وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ ( رَبُّهُمْ ) رَشَداً } . ( أي ) قال إبليس لا ندري أعذاب ينزل على من في الأرض بغتة ، فمُنِعْتُم من أجله الاستماع ؟ أم نبي أرسله الله ليرشد من في الأرض إلى الطريق المستقيم ؟ هذا معنى قول ابن زيد . وقال الكلبي : معناه : أنهم قالوا : لا ندري أهذا المنع الذي منعنا ، أراد بهم ربهم أن يطيعوا الرسول فَيَرْشُدُوا أم يعصوه فيهلكهم وهذا كله من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . - ثم قال : { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ … } . أي : قال النفر : وإنا منا المسلمون العاملون بطاعة الله ، ومنا من هو دون ذلك في الصلاح والعمل . - { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } . أي : كنا أهواء مختلفة وفرقاً شتى ، الصّالِح والذي هُوَ دُونَه ، والكافِر . قال ابن عباس : { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } ( أي ) أهواء شتى مِنّا المُسلم ومنا المُشرك . وقال عكرمة : " أهواء مختلفة " . وقال قتادة : " أهواء شتى " . وقال مجاهد : " مسلمين وكافرين " وهو قول سفيان . والقِدَد جمع قدة ، وهي الضُّروبُ والأَجناس المختلفة . والطرائق جمع طريقة الرجل أي مذهبه . - ثم قال { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ … } . أي : وإنّا علمنا وأَيْقَنّا أن لن نفوت الله بالهروب في الأرض ولا بغيره ، وَصَفوهُ - جل ذِكره - بالقدرة عليهم . - ثم قال : { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ … } . أي : لما سمعنا القرآن [ يؤدي ] من آمن به إلى الهدى صدقنا به . - { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً } . [ أي : ومن يصدق بربه فلا يخاف بخساً ) أي : أن ينقص من حسناته وثوابه ] . - { وَلاَ رَهَقاً } . ( أي ) : لا يُحمل من سيئات غيره عليه . قال ابن عباس : { بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } ، أي : " لا يخاف نقصاً من حسناته ، ولا زيادة في سيئاته " . قال قتادة : { بَخْساً } : ظلما ، { وَلاَ رَهَقاً } : أن يعمل عليه ذنب غيره . - ثم قال : { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ … } . أي : الجائرون عن الهدى . - { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } . أي : [ تعمدوا الرشد ] وأصابوه . - ثم قال { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } . أي : وأما العادلون الجائرون عن الهدى فكانوا حطباً يوم القيامة لجهنم . - ثم قال : { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ … } . كل ما تقدم من إخبار الله هو من قول الجن إلا هذا ، فإنه من قول الله ، أي : لو استقام القاسطون [ على ] طريقة الحق [ أي ] : طريقة الإسلام وهي [ الطاعة ] لله ، لَوَسّعْنا عليهم في الرزق لنختبرهم فيه فننظر عملهم وشكرهم . قاله ابن جبير وقتادة ومجاهد [ قاله مجاهد : الطريقة : الإسلام ، والماء : المال ، والغدق : الكثير ] . والغَدَق : الماء الظاهر ، والرَّغَد : الكَثِير ، والماء يُراد به العيش والرزق . وقيل : معناه : لو استقاموا على طريقة الضلال لَوَسَّعنا عليهم في الرزق استدراجاً ، ذكره الضاحك وقاله الفراء . ( و ) القول الأول أصح كما قال : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ … } [ الأعراف : 96 ] الآية . - ثم قال : { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ … } . أي : عن القرآن [ وقبوله ] . { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } . أي : ندخله عذاباً شديداً قال ابن عباس { عَذَاباً صَعَداً } ، أي : مشقة من العذاب وقال قتادة { صَعَداً } أي : صعوداً من عذاب الله / لا راحة فيه وقال أبو سعيد الخدري : { عَذَاباً صَعَداً } : هو جبل في النار ، كلما جعلوا أيديهم [ عليه ] ذابت ، وإذا رفعوها عادت ويقال : تَصَعّدني الشّيء أي : شقّ عَلَيّ . وقرأ مسلم بن جندب : نُسلِكه ، جعله رباعياً . يقال : سَلَكه وأَسلَكه . ويقال : سَلَكَ ، هو وسَلَكْتُهُ مثل رَجَعَ ورَجَعْتُهُ . - ثم قال : { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } . أي : وأوحي الى أن المساجد لله { فَلاَ تَدْعُواْ } أيها الناس { مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } أي : لا تشركوا به قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعَهُم اشركوا ، فأمر الله نبيه أن يوحدوا الله وحده إذا دخلوا المساجد . قال ابن جبير : قالت الجن للنبي : كيف لنا أن نأتي المساجد ونحن [ ناءون ] عنك ، وكيف نشهد الصلاة ، فنزلت { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } الآية والمساجد جمع مسجد . ومسجد بمعنى السجود ، فكأنه قال : وأن السجود لله لا لغيره . ويجوز أن يكون جمع مسجد هو موضع السجود . وقال الفراء ( يقال ) { [ وَ ] أَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } ، يراد به مساجد الرجل ، ما يسجد عليه من جبهته ويديه وركبتيه وصدور قدميه . وأنكر ذلك النحاس وغيره . وقوله : { فَلاَ تَدْعُواْ } خطاب للجماعة . والنون حذفت للنهي . - ثم قال : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } . أي : لما قام ( محمد يدعو الله ) يقول : لا إله إلا الله ، كاد الجن يكونون على محمد لبداً ، أي جماعات بعضها فوق بعض . وواحد لِبَد : لِبْدة . ويقال : لُبد - بضم اللام - واحدها لُبْدة . فمن كسر [ { وَأَنَّهُ } ] جعله من قول الجن إخباراً من الله لنا عن قولهم ذلك ، ويكون المعنى على ما قال ابن جبير أن الجن رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأصحابه يصلون بصلاته فعجبوا من طوعهم له فقالوا لقومهم : وإنه لما قام عبد الله يدعو الله كاد أصحابه يكونون عليه لِبَداً . ويجوز الكسر ، وهو من كلام الله ، لا حكاية عن الجن ويكون المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام يدعو إلى الله كاد الجن يكونون عليه لِبَداً . فأما من فتح فهو من كلام الله أيضاً على هذا المعنى ، أي : كاد الجن [ يركبون محمد من الحرص ] لما سمعوه يتلو القرآن فدنوا منه حتى كادوا يركبونه ، هذا معنى قول ابن عباس والضحاك ، فيكون الضميران في ( كادوا يكونون ) للجن . وعن ابن عباس أيضاً أن معناه ( أن ) الجن قالوا لقومهم ، إن محمد لمّا قام يدعو الله كاد أصحابه يركبونه لتقربهم منه وطوعهم له ، فيكون الضّميرانِ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول ابن جبير . [ وعن ابن عباس { لِبَداً } : أعواناً ] . وقال قتادة : معناه أن الله أعلم نبيه أن الجن والإنس يتظاهرون عليه ليبطلوا ما جاءهم ( به ) لمّا دَعا إلى الله ، والله ناصِرُه عليهم . وقيل : إن ذلك للعرب خاصة أرادوا أن يطفئوا النور الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو اختيار الطبري .