Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 12-20)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله : { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً … } إلى آخر السورة . أي : إن عندنا لهؤلاء المكذبين قيوداً [ وناراً ] تسعر وطعاماً يُغَصُّ آكِلُهُ به ، فلا هو نازل من حلقه ولا هو خارج منه . - { وَعَذَاباً أَلِيماً } . أي : وصنوفاً من العذاب [ مؤلمة ] موجعة . وواحد الأنكال نِكل . قال حماد { أَنكَالاً } قيوداً سوداً من نار جهنم " . قال ابن عباس : { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } قال : " هو شوك يَأْخُذُ بالحلق فلا يدخل ولا يخرج " . وقال مجاهد : هو " شجرة الزقوم " . وروى حمزة [ الزيات ] أن [ حُمْرَانَ بن أَعْيَنَ ] قال : قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذة الآية فصعق - صلى الله عليه وسلم - . - ثم قال تعالى : { يَوْمَ ( تَرْجُفُ ) ٱلأَرْضُ ( وَٱلْجِبَالُ ) … } . أي : أعتدنا هذا العذاب في يوم تضطرب فيه الأرض والجبال ، وذلك يوم القيامة . - ثم قال : { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } . أي : وصارت الجبال ذلك اليوم رملاً سائلاً . ( متناثراً ) . يقال : هِلْتُ التراب إذا [ حركت أسفله ] ( فسقط أعلاه ) . قاله الفراء . وقال أبو عبيدة : يقال لكل شيء [ أرسلته ] إرسالاً من رمل أو تراب أو طعام أو نحو ذلك قد هلته [ أهيله ] هيلا فهو مهيل . قال ابن عباس : { كَثِيباً مَّهِيلاً } : رملاً سائلاً . والأصل في مهيل [ مهيول ] فألقيت حركت الياء [ على الهاء وبقيت ] الياء ساكنة وبعدها الواو ساكنة . فمذهب الخليل وسيبويه أن الواو حذفت لأنها زائدة وكسرت الهاء لمجاورتها الياء فصار مَهِيلاً . ومذهب الكسائي والفراء والأخفش أن الياء هي المحذوفة لأن الواو جاءت لمعنى فلا تحذف ، ولكن الهاء لما جاورت الياء كسرت ، فلما حذفت الياء لالتقاء الساكنين انقلبت الواو ( ياء ) [ لانكسار ] ما قبلها وسكونها . وكلهم يجيز أن يأتي على الأصل فيقال : مهيول . ولا يجيز البصريون ذلك في ذوات الواو ولا يجيزون : " كلام مقول " لثقل ذلك . وكلهم أجاز : " رجل مهول " و " ثوب مبوع " على لغة من قال : بوع الثوب . - ثم قال : { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ / إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ } . يعني محمداً ، والخطاب لجميع الخلق أي يشهد لمن آمن به وعلى من كذبه في الآخرة . - ثم قال : { كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } . أي : أرسلنا محمداً [ إرسالاً ( كما ) أي ] : مثلما أرسلنا موسى إلى فرعون . - { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ … } موسى { فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } . أي : شديداً ، فغرَّقناه ومن معه في البحر وأقررناه في عذاب مستقر حتى يصير إلى النار يوم القيامة ، فكذلك يأخذكم بالعذاب أيها الخلق إن عصيتم رسولكم . ودخلت الألف واللام في لفظ " رسول " الثاني لتقدم ذكره ، وعلى هذا يختار في أول الكتب : " سَلاَمٌ عَلَيْكَ " وفي آخرها : والسْلاَمُ عَلَيْكَ . وعلى هذا اختار بعض العلماء ( في التسليم ) ، في التسليمة الأولى : سْلاَمٌ عَلَيْكَم ، وفي الثانية : السْلاَمُ عَلَيْكَم . فأَعْلَمَ الله قريشاً أنه أرسل إليهم محمداً رسولاً كما أرسل موسى إلى فرعون رسولاً . وقد كان أمرُ موسى ورسالاته مشهورة عندهم ولذلك قال الشاعر في النبي - صلى الله عليه وسلم - . @ شَهِدْتُ بِإذْنِ اللهِْ أَنَّ مُحَمَداً رَسُولٌ كَمُوسَى ( أُوتِيَ ) الصُحْفَ والْكُتْبَا لَهُ دَعْوَةٌ مَيْمُونَةٌ رِيحُها الصِّبَا بِهَا يُنْبِتُ اللهَ [ الحَصِيدَةَ ] وَالأَبَّا @@ - ثم قال : { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } . أي : كيف ( لا ) تخافون أيها الناس يوماً يجعل الولدان الصغار أصحاب شيب من هَوْلِهِ وصعوبته إن كفرتم بالله ولم تصدقوا رسولكم ؟ ! . قال قتادة : معناه : كيف تتقون يوماً هذه صعوبته وأنتم قد كفرتم به . - { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ … } . قال ابن عباس تشقق السماء حين ينزل الرحمن جل ذكره . وقال مجاهد : السماء مثقلة به أي بيوم القيامة . وقال الحسن : مثقلة . أي : محزونة بيوم القيامة . وقال عكرمة : ممتلئة [ به ] . وقيل : ( به ) بمعنى " فيه " ، ( أي ) : السماء منفطرة في يوم القيامة ، والضمير في ( يجعل ) ليوم القيامة ، ويجوز أن يكون لله جل ذكره . - ثم قال : { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } . أي : ليس لوعده خُلْفٌ . قال ابن مسعود : إذا كان يوم القيامة دعا ربُّنَا المَلِكُ آدمَ عليه السلام فيقول : يا آدم ، قم فابعث ( بعث ) النار ، فيقول : ( أي ) رب ! لا علم لي إلا ما علمتني ، فيقول الله جل ذكره : أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين : فيساقون إلى النار سوداً مقرنين زُرْقاً فيشيب هنالك كل وليد . قال ابن زيد : يشيب الصغار من كرب ذلك اليوم . - ثم قال : { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ … } . أي : هذه الآيات - في ذكر هول القيامة - عبرة وعظة لمن اتعظ . - { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً … } . هذا تهدد ، والمعنى : فمن شاء اتخذ إلى ( رحمة ) ربه طريقا بتركه العصيان وقبوله للإيمانِ ، ومن لم يشاء ذلك فالله له بالمرصاد . - ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ … } . هذا حين فرض الله عليهم قيام الليل بقوله : { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } . فالمعنى على قراءة من خفض { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } : إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم للصلاة أحيانا أدنى من ثلثي الليل [ وأحيانا أدنى ] من نصفه وأحيانا أدنى من ثلثه ، فأَعْلَمَهُ أنه [ لا ] علم له بالمقدار وأن الله هو العالم بمقدار الوقت الذي يقوم فيه . ودل على ذلك { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أي : علم الله أنك لا تعرف مقدار قيامك . فأما من قرأ بنصب ( نصفه وثلثه ) فمعناه : إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم للصلاة أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفَه وتقوم ثلثَه ، فيكون المعنى أن النبي قد أصاب المقدار في قيامه النصِّفَ : ( و ) الثُّلَثَ ، ويكون قوله { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } هو أدنى من الثلثين ، { نِّصْفَهُ } هو النصف المذكور هنا ، { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } هو الثلث المذكور هنا ، { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } هو أدنى من الثلثين أيضا المذكور هنا . ويكون على هذا التأويل معنى { أَن لَّن تُحْصُوهُ } أي تطيقوه . وعلى القول الأول معناه : [ أن ] لن تعرفوا مقداره . - وقوله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ … } . أي تاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم وضعفتم عنه أي : رجع لكم إلى التخفيف عنكم . هذا كله ناسخ لفرض القيام في أول السورة . - ثم قال : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ … } . أي : ما خف عليكم مما هو دون الثلث . - ثم قال : { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ … } . أي : أنه سيكون منكم مرضى ( فلا يقدرون ) على القيام فخفف عنكم ذلك . ثم قال / : { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ … } . أي : وعلم أنه سيكون منكم مسافرون للتجارة فيَشِقَّ عليهم القيام [ لشغلهم ] مع تعبهم من سفرهم ، وعلم أنه سيكون منكم آخرون يجاهدون العدو فيشق عليهم القيام لشغلهم مع عدوهم فخفف عنهم القيام لذلك . - ثم قال : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ … } . أي : من القرآن ، أي ما خف عليكم . قال الحسن وابن سيرين : صلاة الليل فرض على كل مسلم لو قَدْرَ حَلْبَ شاةٍ بقوله { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } قال الحسن : ولو خمسين آية . وسئل الحسن عن رجل استظهر القرآن ولا يقوم به فقال : يتوسد القرآن ، لعن الله ذلك . وقال السدي { مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } : " مائة آية " . وقال الحسن : ( من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن ) . قال كعب : من قرأ مائة في ليلة كتب من القانتين . وقيل : الآية منسوخة لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا فرض إلا خمس صلوات ، وعلى ذلك أجمع المسلمون وهو الصواب إن شاء الله . - ثم قال : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ } . يعني الفرض من ذلك ، أي : أقيموا ذلك بحدوده وفروضه في أوقاته . - ثم قال : { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } . أي : أنفقوا في سبيله من أموالكم . قال ابن زيد : القرض هنا : النواف سوى الزكاة . - ثم قال : { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ … } . أي : ما تقدموا في الدنيا من صدقة أو نفقة في سبيل الله أو غير ذلك من فعل الخير لطلب ما عند الله تجدوه في [ معادكم ] يجازيكم به الله . - ثم قال : { هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } . أي : هو [ خير ] مما عملتم في الدنيا للدنيا ، وأعظم ثوابا عند الله . - ثم قال : { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . أي : واسألوا الله المغفرة ، إنه ( غفور ) ، أي : ذو غفران لذنوب المؤمنين وستر عليهم ( رحيم ) بهم أن يعذبهم [ على ذنوبهم ] بعد توبتهم منها وغفرانه لهم .