Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ * قُمِ ٱلَّيلَ } إلى قوله { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } . معناه : يا أيها الملتف بثيابه ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأصله : المتزمل ثم أدغمت التاء في [ الزاي ] . قال قتادة : إنما قيل له : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } ؛ لأنه كان متزملاً في ثيابه ، كأنه متأهب للصلاة ؛ ودل على ذلك قوله : { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } . قال ابن عباس : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَفْرقَ من جبريل فيتزمل بالثياب في أول ما جاءه حتى أنس به . وقال عكرمة : زمل هذا الأمر ، يعني : النبوة والرسالة . قال : الزهري : التف النبي - صلى الله عليه وسلم - بثيابه من [ فزع ] أصابه أول ما رأى الملك فنودي بصفة فعله . وقيل : كان يتزمل بالثياب ، من شدة ما يلقى من قريش من تكذيبهم له [ وتخويفهم ] وأَذاَهُم . قال [ النخعي ] كان متزملاً في قطيفة . - وقوله : { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً / } . أي : قم الليل كله للصلاة إلا قليلاً ثم أبدل من الليل بدل البعض من الكل فقال : - { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } . أي : قم نصفه أو أقل من النصف . - { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ … } . [ أي ] : أو زد على النصف . فهذا كله تخيير من الله لرسوله بين أن يفعل ما شاء من هذه الثلاث المنازل : يقوم النصف أو أقل أو أكثر . وكان هذا فرضاً عليه وعلى المؤمنين فكانوا يقومون ثم خففه عنهم الآيتين في آخر السورة فَفَسَخَتَا هَذَا ، وهو قول أكثر العلماء . وقيل : إن ذلك كان ندباً ولم يكن فَرِْضاً . وقيل : بل كان فرضاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده . قال ابن عباس : كان بين أولها وآخرها سنة . وقالت عائشة رضي الله عنها : لما نزل { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } كان الرجل يربط الحبل ويتعلق به فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردهم إلى الفريضة وترك قيام الليل . وقال ابن جبير : مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليل كما أمره ( الله ) عشر سنين ثم خفف عنهم بعد ذلك . قال عكرمة : { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً … } الآية نسختها الآية التي في آخرها { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } [ المزمل : 20 ] . وقال قتادة : قاموا حولاً أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم ، فأنزل الله تخفيفها في آخر السورة . قال الحسن : لما نزلت : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } " قام المسلمون حولاً ، فمنهم من أطاقه ومنهم من لم يطقه ، حتى نزلت الرخصة " . قال ابن زيد : أول ما افترض الله على رسوله والمؤمنين صلاة الليل وقرأ أول هذه السورة . - قوله : { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً … } . أي : وبيّن القرآن إذا قرأته في صلاتك تبييناً ( وترسل فيه ترسلاً ) ، قاله قتادة . قال الحسن : معناه ( اقرأه ) قراءة بينة ) . وقال مجاهد : " اقرأه بعضه على إثر بعض على تؤدة " . والرتل في اللغة : الضعف واللين ، فالمعنى : لين القراءة ، ولا تستعجل بانكماش . والرتل في [ الأسنان ] أن يكون بينها الفرج ولا يركب بعضها بعضاً ، يقال : " ثغر ورتل " إذا كان كذلك . - ثم قال : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } . أي : ثقيلاً العمل به وبحدود ( ه ) فرائضه أي : صعباً . قال الحسن : إن الرجل ليعد السورة ، ولكن العمل بها ثقيل . وقال قتادة : " ثقيل والله فرائض القرآن وحدوده " . وقيل : معناه : إن القوْل بعيْنِه ثقيل . وروى عروة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ كان ] إذا أُوحِيَ إليه وهو على ناقته وَضَعَتْ جِرَانَهَا - يعني صدرها - فما تستطيع أن تحرك حتى يسرى عنه " . وقال ابن زيد : " هو - والله - ثقيل مبارك كما ثقل في الدنيا ثقل في الموازين يوم القيامة " . - ثم قال : { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً … } . قال ابن عمر وأنس بن مالك وعلي بن الحسين ، ناشئة الليل : ما بين المغرب والعشاء . وقال الحسن والحكم : ناشئة الليل من العشاء الآخرة إلى الصبح ، وقال ابن عباس و ( ابن ) الزبير : الليل كله ناشئة . وهو قول ابن جبير ومجاهد . وأصله من نشأ إذا ابتدأ . فعلى هذا بناه من قال إنه من المغرب إلى العشاء الآخرة . وقد قال الكسائي : ناشئة الليل أوله . - قوله : { أَشَدُّ وَطْأً … } . معناه : أثبت قياماً . قال المفسرون : هي أثبت في الخير وأحفظ للقلب ، لأن النهار يضطرب فيه الناس لمعاشهم ، والليل أخلى وأثبته في القيام . وقيل : معناه : إن صلاة ناشئة الليل هي أشد ( وطئاً ) على المصلى من صلاة النهار لأن الليل للنوم ، فهي وإن كانت أصعب [ فهي ] أقوم قيلاً [ أي ] : أصوب قولا لأن القارئ لا يشغله عن قراءته في الليل شيء ويشغله في النهار ما يرى من التصرف وما [ يعرض ] له من الأمور . وقيل : معنى { أَشَدُّ وَطْأً } : أشد أمراً وأشد [ مكابدة ] واحتمالاً ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم اشدد وطأتك على مضر " ، وَطِئْتَ وَطْأً ، مثل شَرِبت شُرْبًا ولَقِمْتُ لَقْمًا . فأما من قرأ " وِطَاءَ " فإنه جعله مصدر مواطأة ووطاء . ومعناه : أشد مواطأة للسمع والقلب ، أي : يواطئ فيه السمع القلب فلا يشتعل القلب بشيء عن فهم ما يقرأ وسماعه . وقيل : معناه : أشد علاجاً . قال ابن عباس : { أَشَدُّ وَطْأً } أي : أجدر أن يحصوا ما فرض الله عليهم من القيام . قال : وكانت صلاتهم أول الليل . وقال الضحاك : معناه : قراءة القرآن بالليل أثبت منها في النهار . وقال مجاهد : { أَشَدُّ وَطْأً } أي يتواطأ قلبك وسمعك وبصرك بعضه بعضا . - وقوله : { وَأَقْوَمُ قِيلاً } . أي : وأصوب قراءة . قال / مجاهد : وأثبت قراءة . وقال ابن عباس : معناه : يقول : أدنى أن يفقهوا في القول . وقال قتادة : " [ أحفظ ] للقراءة " . وقال ابن زيد : " وقوم قراءة لفراغه من الدنيا " . - ثم قال : { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } . أي : فراغاً طويلاً ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . وقال ابن زيد : ( سبحاً لحوائجك ) فَأَفْرِغْ أذنك بالليل . وقرأ يحيى بن يعمر : " سَبْخاً " بالخاء المعجمة ، ومعناه راحة [ نوماً ] . - ثم قال : { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } . أي : واذكر ربك يا محمد فادعه وانقطع إليه انقطاعاً لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره . يقال : بتلت هذا الأمر قطعته . ومنه قيل لمريم البتول لانقطاعها إلى الله جل ذكره . قال ابن عباس : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } أي : أُخْلِص له إخلاصاً " وهو قول مجاهد والضحاك . وقال الحسن : أَبْتِلْ إليه نفسك واجتهد . وقال قتادة : " أخلص له العبادة والدعوة " . وقال ابن زيد : تفرغ لعبادته ، [ تَعَبّدْ ] بالتبتل ] إلى الله . - ثم قال : { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } . أي : هو رب ذلك لا معبود تصلح له العبادة غيره . - { فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } . أي : فوض ( إليه أسبابك ) والمعنى : اتخذه كافياً لك . وقيل معناه : اتخده كفيلاً لك بأمورك كلها . وقيل : المعنى : اتخده رباً . فالوكيل يكون بمعنى الكافي وبمعنى الكافل وبمعنى الرب . - ثم قال : { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ … } . أي : واصبر على ما يقول هؤلاء المشركون من قومك واحتمل أذاهم . - { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } . ( أي : اهجرهم في الله هجراً جميلاً ) . قال قتادة : كان هذا قبل أن يؤمر بالقتال ، ثم أُمِرَ بقتالهم ( وقتلهم ) فنَسخت آيةُ القتال ما كان قبلها من الترك . ثم قال : { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ … } . هذا وعيد وتَهَدُّدٌ من الله جل ذكره للمشركين أي : ودعني يا محمد والمكذبين بآياتي أصحاب التنعم في الدنيا . - { وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } . أي : أمهلهم بالعذاب حتى يبلغ الكتاب أجله . وكان بين نزول هذه الآية وَبَدْرٍ يسير [ قالته ] عائشة رضي الله عنها .