Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-36)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } إلى قوله : { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } . أي : يا أيها المدثر بثيابه عند نومه . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم [ قيل له ذلك ] وهو متدثر بقطيفة . ذكره النخعي . وروي أن هذا أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم . رواه جابر بن عبد الله قال : " حَدَّثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : جَاوَرْتُ فِي حِرَاءَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ [ جِوَارِي ] هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ [ الوَادِيَ ] ، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَخَلْفِي ( وَقُدَّامِي ) فَلَمْ أَرَ شَيْئاً ، فَنَظَرْتُ فَوْقَ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ - يَعْنِي المَلَكَ - جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ [ فَجُثِثْتُ ] مِنْهُ . فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ : دَثِّرُونِي ، ( دَثِّرُونِي ) ، وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً . وَأُنْزِلَ عَلَيَّ { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } " . وقال الزهري : كان أول شيء أنزل عليه : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [ العلق : 1 ] حتى بلغ { ( عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ ) مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ العلق : 5 ] . قال ابن عباس : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } : " يأ أيها النائم " . وقال قتادة : المدثر في ثيابه . وقال عكرمة : معناه : " دُثرت هذا الأَمر فقم به " ، يعني النبوة . - وقوله : { قُمْ فَأَنذِرْ } . أي : قم من نومك فأنذر قومك عذاب الله على شركهم بالله . - { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } . أي : فعظم . - { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } . أي : لا تلبسها على معصية ولا [ غدرة ] . قاله ابن عباس . وعنه أيضاً : فطَهِّرْها من الإثم . وقال النخعي : فطهرها من الذنوب . والعرب تقول لرجل إذا نكث ولم يف بعهده : إنه لدنس الثياب ، وإذا أوفى بعهده وأصلح : إنه لمُطَهَّر الثياب . وقال الضحاك : معناه : " لا تلبس ثيابك على معصية " . وقال ابن زيد : معناه : " وعملك فأصلحه " ، قال : والعرب تقول للرجل الخبيث العمل : فلان خبيث الثياب . وإذا كان حسن العمل ( قالوا : فلان طاهر الثياب . وعن ابن عباس أيضاً أن معناه : " لا تلبس ثيابك ) من [ مكسب ] غير طيب . وعن مجاهد أن معناه : " لست بكاهن ولا ساحر ، فأَعْرِض عما قالوا " . ( وقال ) ابن سيرين : معناه : اغسل ثيابك من النجاسة . وهو قول ابن زيد ، وبهذا احتج الشافعي في وجوب طهارة الثوب ( وأنه فرض . ومذهب مالك أن طهارة الثوب ليس بفرض ، وهو قول أهل المدينة وإنما طهارة الثوب ) سنة . ولذلك ، من صلى بثوب نجس ولا يعلم أعاد في الوقت . ولو كانت طهارة الثوب / فرضاً لأعاد أبداً . وكذلك البدن تقع فيه النجاسة ليست طهارته فرضاً . يدل على ذلك إجماع المسلمين على أن صلاة من استجمر بالحجارة من الغائط جائزة ، مع أن موضع خروج الأذى لم يغسل بالماء . - ثم قال { وَٱلرُّجْزَ [ فَٱهْجُرْ ] } . أي : والأَوْثَانَ فاهجر عبادتها . والضم والكسر في الراء لغتان عند الفراء . وقيل : الكسر معناه العَذاب . فتكون الأوثان سميت بالعذاب . لأنها سببه . والضم معناه الأوثان . وأول من فرق بينهما الكسائي . وأكثر الناس على أنه لا فرق بينهما وأنه يراد به الأوثان ، [ ضَمَمْتَ ] الراءَ أو كَسَرْتَهَا . قال ابن عباس : الرجز : " السخط ، وهو الأصنام " . وقال مجاهد وعكرمة : الرجز : " الأوثان . وقاله الزهري . وقال قتادة : " الرجز : صنمان كانا عند البيت : [ إساف ونائلة ] ، يَمْسَحُ وُجُوهَهُمَا من أتى عليهما ، فأمر الله نبيه أن [ يجتنبهما ] ويعتزلهما " . قال ابن زيد : " الرجز آلهتهم التي كانوا يعبدون ، ( أمره الله ) أن يهجرها [ فلا يأتيها ولا يقربها ] " . وقال النَّخعي : المعنى : والمعصية [ فاهجر ] . - ثم قال تعالى { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } . قال ابن عباس : معناه : ولا تعط يا محمد عطية لتعطى أكثر منها . وهو ( معنى ) قول أكثر [ المفسرين ] . وهذا خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مباح لأمته إلا أنه لا أجر [ لهم ] في ذلك . وهو قوله تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } [ الروم : 39 ] وقد قال الضحاك : هو الربا ( في ) الحلال [ قال ] : وهما ربوان : حرام وحلال . فأما الحلال فالهدايا . وأما الحرام فالربا بعينه . وقال الحسن : معناه : لا تستكثر عملك الصالح . وهو اختيار الطبري . وقال الربيع بن أنس : معناه : " لاَ يَكْثُرَنْ عملُك في عينك ، فإنه فيما أنعم الله [ عليك ] وأعطاك قليل " . وعن مجاهد أن معناه : لا تضعف أن تستكثر من الخير من قولهم : " حبل منين " إذا كان ضعيفاً . وفي قراءة ابن مسعود : " وَلاَ تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ " . قال الكسائي : فإذا حذف " أن " رفع ، وهو حال ( عند ) البصريين . وقال ابن زيد : معناه : لا تمنن بالقرآن والنبوة فتستكثرهم به ، تأخذ على ذلك عوضاً من الدنيا . - ثم قال تعالى : { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } . أي : اصبر على ما تَلْقَى من قومك لربك [ واحتمل ] أذاهم . وقال ابن زيد : معناه ، اصبر على محاربة العرب والعجم ، قال : " حُمِّلَ أمراً عظيماً ، مُحَارَبَةَ العرب ثم العجم من بعد العرب في الله " . وقال النخعي : معناه : ولربك فاصبر على عطيتك ، ولا تعطها لتأخذ أكثر منها ، بل احتسبها الله . - ثم قال تعالى : { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } . يقال : [ عَسُرَ ] الأمرُ إذا صَعُبَ فهو عَسِيرٌ ، [ وعَسِرَ ] فهو عَسِرٌِ . والمعنى : فإذا نفخ في الصور فذلك [ يوم ] شديد صعب غير سهل على الكافرين . روى ابن عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنُ [ وَحَنَى ] جَبْهَتَهُ لِيَسْتَمِعَ مَتَى يُؤْمَرُ ، يَنْفُخُ فِيهِ . قَالَ : فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلى أَصْحَابِهِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولُوا { حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } { عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } " . قال عكرمة : الناقور : الصور . قال مجاهد : ( هو ) شَيْءٌ كَهَيْئَةِ [ البُوقِ ] . - ثم قال : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } . أي : كِلْ - يا محمد - أَمْرَ هذا الذي خلقته في بطن أمه وحيداً لا شيء له من مال ولا ولد ، يعني بذلك الوليد بن المغيرة المخزومي . قال ابن عباس : " أَنْزَلَ اللهُ فِي الوَليدِ بِنْ المُغِيرَةِ { ذَرْنِي } { وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } . [ وقوله : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ … } [ الحجر : 92 ] إلى آخرها " . وقيل : معناه : دعني يا محمد ومجازاة من خلقته وحده ، فيكون " وحيداً " ] على القول الأول حالاً من الهاء المحذوفة في " خلقته " . وعلى ( هذا ) القول الآخر حالاً من التاء في " خلقته " . وفي هذا الكلام تهدد عظيم ووعيد . والعرب تقول : ذرني وزيداً ، أي : كِلْ عقوبته ومُطالَبَتَهُ إلي . فالمعنى : كِلْ - يا محمد - عقوبة هؤلاء إلي ، فلست أحتاج [ في ذلك ] إلى معين ولا ظهير . ويُرْوى أنه كان يقول : أنا الواحد بن الوحيد ، ليس لي من العرب نظير ولا لأبي المغيرة نظير . - ثم قال تعالى : { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } . قال مجاهد وابن جبير : هو ألف دينار . وقال سفيان : ( بلغني ) أنه أربعة آلاف دينار . وقيل : هو الأرض يزرع فيها . قاله النعمان بن سالم . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو غَلَّةٌ شهر [ بشهر ] . - ثم قال تعالى : { وَبَنِينَ شُهُوداً } . أي : وجعلت له بنين شهوداً ، أي : [ حضوراً ] . روي أنه كان له عشرة من الولد . وقد قاله / مجاهد وغيره . وروي أنه ما زاد بعد نزول هذه الآية إلا [ ارتكاساً ] في ماله وولده ونفسه . - ثم قال : { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } . أي : بسطت له في العيش بسطاً . قاله سفيان . وقال مجاهد : " من المال والولد " . - ثم قال : { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ … } . ثم يَأْمَلُ أن أزيده من المال والولد على ما أعطيته { كَلاَّ } : أي : ليس الأمر على ما يُؤَمِّلُ ، أي : لا يكون ذلك ] . - ثم قال : { إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } . أي : إنه كان لرد حجتنا وآياتنا معانداً ، مجانباً . يقال : عَنُدَ البَعيرُ [ يَعْنِدُ عُنُوداً ] ، [ وبَعِيرٌ عَنُودُ ] : إذَا مشى مجانباً للإبل لا يمشي معها . قال ابن عباس : { عَنِيداً } " جحوداً " . وهو قول قتادة . وقال مجاهد : " معانداً للحق ، مجانباً له " . وقال سفيان : { عَنِيداً } " مشاقاً لنا " . - ثم قال : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } . أي : سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة منها . وقيل : الصعود جبل من نار ( يكلفون ) أن يصعدوه ، فإذا وضع يده عليه ذابت ، فإذا رفعها عادت ، وإذا وضع رجله كذلك . وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصُّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَصْعَدُ فِيهِ سَبْعينَ خَرِيفاً ثُمَّ يَهْوِي كَذلِكَ أَبَدَاً " . قال مجاهد : { صَعُوداً } : " عذاباً لا راحة منه " . وقال قتادة : " مشقة من العذاب " . - ثم قال : { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * [ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ] } . أي : فكر فيما أنزل الله على نبيه من القرآن ، وَقَدَّرَ فيما يقول فيه ، فَلُعِنَ كيف قدَّر ما هو قائل ، ثم لعن كيف قَدَّرَ القولَ فيه . { ثُمَّ نَظَرَ } . أي : ثم تَأَنّى في ذلك . { ثُمَّ عَبَسَ … } . أي : قبض ما بين عينيه . { وَبَسَرَ } . أي : كلح وكَرَّهَ وجهه . قال عكرمة : " جَاءَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عليه النبي القرآنَ ، فكأنه رَقَّ لَهُ ، فبلغَ ذلك أبا جهل . فأتاه فقال : أيْ عَمِّ ، إِنَّ قومَكَ يُريدون أن يَجْمَعُوا لَكَ مَالاً . قَالَ : لِمَ ؟ قَالَ : يُعْطُونَكَ ! فإنك أتيت محمداً تَتَعَرَّضُ لِمَا قِبَلَهُ . قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالاً ! قال : فقل فيه قولاً يَعْلَمُ قومُكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ " [ لِمَا قَالَ ] ، وَأَنَّكَ كارِهٌ له ، قال : فماذا أقول فيه ؟ فوَالله مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ مِنِّي بِالأَشْعَارِ ولاَ أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ وَلاَ بِقَصدِهِ ، وَلاَ بِأَشْعَارِ الجِنِّ ، وَ ( اللهِ ) لاَ يُشْبِهُ الذِي يَقُولُ شَيْئاً مِنْ هَذَا ، وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الذِي يَقُولُ لَحَلاَوَةً ! وَإِنهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ ! وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى ! قَالَ أَبُو جَهْلٍ : وَاللهِ لاَ يَرْضَى قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ . قَالَ : فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ فِيهِ . ( فَلَمَّا فَكَّرَ فِيهِ ) قَالَ : هَذَا سِحْرٌ يَأْثُرُهُ [ عن ] غيره ، فنزلت { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } " . قال ابن عباس : " دَخَلَ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسُأَلُهُ عَنِ القُرآن ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَرَجَ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ : يَا عَحَبَاً لِمَا يقول ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ! فَوَاللهِ ، ما هُوَ بِشِعْرٍ وَلاَ بِسِحْرٍ وَلاَ [ بِهَذْيٍ ] مِنْ جُنُونٍ ، وَإِنهُ لَمِنْ كَلاَمِ اللهِ - جَلَّ وَعَز - فَلَمَّا سَمِعَ بِذلِكَ النَّفَرُ ( مِنْ قُرَيْشٍ ) [ ائْتَمَرُوا ] بَيْنَهُمْ ، وَقَالُوا : وَاللهِ لَئِنْ صَبَأَ الوَلِيْدُ لَتَصْبُؤَنَّ قُرَيْشٌ ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذلِكَ أَبُو جَهْلٍ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : أَنَا وَالله أَكْفِيكُمْ شَأْنَهُ . فَانْطَلَقَ حَتَى دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ ، فَقَالَ : [ أَلَمْ تَرَ ] قَوْمَكَ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الصَّدَقَةَ ؟ ! قَالَ : أَلَسْتُ أَكْثَرَهُمْ مَالاً وَوَلَداً ؟ ! فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ : يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِتُصِيبَ مِنْ طَعَامِهِ ! قَالَ الوَلِيدُ : [ أَقَدْ ] تَحَدَّثَتْ بِذَلِك عَشِيرَتِي ؟ ! فَلاَ وَأَيْمُ جَابِرِ بْنُ قُصَيَّ ، لاَ أَقْرَبُ أَبَا بَكْرٍ ( وَلاَ عُمَرَ ) وَلاَ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ ، [ وَمَا قَوْلُهُ إِلاَّ سِحْرٌ ] يُؤْثَرُ . فَأَنْزَلَ اللهُ { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً … } إلى { لاَ تُبْقِي ( وَلاَ ) تَذَرُ } " . قال قتادة : ذكر أنه قال : والله ، لقد نظرت [ فيما قال هذا الرجل ] ، [ فإذا ] هو ليس بشعر ، وإن له لحَلاَوَةً ، وإن عليه لَطُلاَوَةً ، وإنه لَيَعْلُو وما يُعْلَى ، ومَا أَشُكُّ أَنَّهُ سِحْرٌ . وقال الضحاك : دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال : حتى أنظر ! فَفَكَّرَ ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ واسْتَكبر ، فقال : إن هذا إلا سحر يؤثر ، فجعل الله له سقر . قال أبو رزين ( سحر ) ( أي ) : يَأْثُرُهُ من غيره . - { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } . أي : ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول بني آدم وما هو بكلام الله . [ فهذا أول من قال : القرآن مخلوق ، قاله الوليد بن المغيرة فأدخله الله سقر . قال بعض العلماء : فكذا يُفْعَلُ بكل من قال : القرآن مخلوقٌ ، قاله أحمد بن زيد ] . - ثم قال : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } . أي : [ سأورده ] سقر ، وهو باب من أبواب جهنم . يروى أنه الباب السادس منها ، نعوذ بالله منها . - { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ( سَقَرُ ) } . أي : وأي شيء أدراك ما سقر ؟ ، ثم بَيَّنَهُ وأَدْرَاهُ به [ فقال ] في صفة سقر . - { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } . أي : هي نارٌ لا تُبْقي من فيها حياً ، ولا تَذَرُ من فيها ميتاً ، لكنها تحرقهم ، كلما احترقوا جُدِّدَ خَلْقُهُمْ . قال مجاهد : { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } أي : لا تُحْيِي وَلاَ تُمِيتُ وقيل : { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } : لا تبقي الكافر حتى يصير فحمة ثم يُعاد خلقاً جديداً ثم لا تذره حتى يعود / عليه العذاب بِأَشَدِّ مِمَّا كان هكذا أبداً ، نعوذ بالله من ذلك . - ثم قال تعالى : { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } . أي : مغيرة لبشرة من فيها . قال مجاهد : { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } ، أي : مُغَيِّرَةٌ للجلد . وقال قتادة : " خَرَّاقَةٌ للجلد " . وقيل : معناه : تَلُوحُ لأَهْلِها من مسيرة خمسمائة عام . وعلى القول الأول أكثر الناس أنها تُغَيِّرُ البَشَرَةَ . قال [ أبو رزين ] : تلفح الجلد لفحة تَدَعُهُ أَشَدَّ سواداً من الليل . وقال ابن عباس : " تحرق بَشَرَةَ الإنسان " . - ثم قال : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } . أي : من الخزنة . ذكر ابن عباس أَنَّ هَذَا لما نَزَلَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ : ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ! أَسْمَعُ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ يُخْبِرُكُمْ أَنَّ خَزَنَةَ النَّارِ تِسْعَةَ عَشَرَ . وَأَنْتُمْ [ الدَّهْمُ ] أَفَتَعْجَزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ تَبْطِشَ بِرَجُلٍ مِنْ [ خَزَنَةِ ] جَهَنَّمَ ؟ ! فَأَوْحَى اللهُ إلى نَبِيِّهِ أَنْ يَأْتِيَ أَبَا جَهْلٍ فَيَأْخُذَ بِيَدِهِ فِي بَطْحَاءِ مَكَّةَ فَيقُولَ { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } [ القيامة : 34 - 35 ] . فَلَمَّا فَعَلَ بِهِ ذَلكَ رَسُولُ اللهِ قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ : وَاللهِ ، لاَ تَفْعَلُ أَنْتَ وَرَبُّكَ شَيْئا . فَأَخْزَاهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - يَوْمَ بَدْرٍ فَقُتِلَ . قال كعب الأحبار : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } : ما منهم ملك إلا ومعه عمود ذو شعبتين يدفع به الدفعة فيلقي في النار تسعين ألفاً . - ثم قال تعالى : { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً … } . أي : لم نجعل أصحاب النار رجالاً مثلكم فتطمعوا بالتغلب عليهم كما قال أبو جهل لقريش : أفلا يستطيع كل عشرة منكم أن يغلبوا منهم واحداً ؟ ! . فإذا كانت الخزنة ملائكة ، فمن ذا يطيق الملائكة ؟ ! . - ثم قال : { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } . أي : لم نجعلهم تسعة عشر فقط لقلة الملائكة ؛ ولكن جعلناهم كذلك ليفتتن الذين كفروا ويستقلوا عدتهم ويُحدثوا أنفسهم بالتغلب على الخزنة حتى قال [ أبو الأشد الجمحي ] : أنا [ أُجْهِضُهُمْ ] [ عن ] النار . وقيل : إن كَلَدَةَ بن أسيد بن خلف قال : أنا أكفيكم سبعة عشر ، واكفوني اثنين . - ثم قال تعالى : { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ } . أي : فعلنا ذلك ليفتتن الذين كفروا [ وليتيقن ] الذين أُوتوا التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدة خزنة جهنم ، لأنه كذلك عدتهم في التوراة ( والإنجيل ) . هذا معنى قول ابن عباس وغيره . وهو قول مجاهد . قال قتادة : يُصَدِّقُ القرآنُ الكُتُبَ التي كانت قبله ، فيها كُلِّها خَزَنَةُ النَّارِ تِسْعَةَ عَشَرَ . وهو قول الضحاك . وقال ابن زيد : { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ … } " أنك رسول الله " . ثم قال تعالى : { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً … } . أي : تصديقاً إلى تصديقهم بعدة خزنة جهنم . - ثم قال : { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ … } . أي : ولا يشك أهل الكتاب [ و ] المؤمنون في حقيقة ذلك . - ثم قال : { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ … } . أي : نفاق . { وَٱلْكَٰفِرُونَ … } . يعني : مشركي قريش . - { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } . أي : ماذا أراد الله بهذا حين يخوفنا بهؤلاء التسعة عشر . - قال الله : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } . أي : كما أضل هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين : أي شيء أراد الله بهذا مثلاً ؟ ! كذلك يضل الله من يشاء ] من خلقه فَيَخْذُلُهُ عن إصابة الحق ، ويهدي من يشاء فيوفقه للحق . - ثم قال تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ … } . أي : لا يعلم ( مقدار ) كثرة جنود ربك يا محمد إلا رَبُّكَ . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ لله مَلاَئِكَةٌ تَرْعَدُ فَرَائِصَهُمْ مَخَافَةً مِنْهُ ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لاَ تَقْطُرُ مِنْ عَيْنَيْهِ دَمْعَةً إِلاَّ وَقَعَتْ مَلَكاً يُسَبِّحُ ، وَمَلاَئِكَةٌ سُجُودٌ مِنْذُ خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ لَمْ يَرْفَعُوا رُؤوسَهِمْ وَلاَ يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَمِنْهُمْ [ مَلاَئِكَةٌ ] وُقُوفٌ لم يَنْصَرِفُوا وَلاَ يَنْصَرِفُونَ إلى يوم القيامة . فإذا كان يوم القيامة ، تَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ - جَلَّ ذِكْرُهُ - فَقَالوا : سُبْحَانَكَ ! مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ ! " . وقال كعب : إن لله عز وجل ملائكة من يوم خلقهم قياماً ، [ ما ] ثنوا أصلابهم ، وآخرين ركوعاً ما رفعوا أصلابهم ، وآخرين [ سجوداً ] ما رفعوا رؤوسهم حتى يُنْفَخَ في الصور النفخةَ الآخرة فيقولون جميعاً : سبحانك ! ما عبدناك كما ينبغي أن تُعْبَدَ . ثم قال كعب : والله ، لو أن رجلاً عَمِلَ عَمَلَ سبعين نبيّاً ، [ لاسْتَقَلَ ] عمله يوم القيامة من شدة ما يرى يومئذ . والله ، لو دلي من [ غسلين ] دلو واحد من مطلع الشمس ، لغلت / منه جماجم قوم في مغربها . والله ، [ لَتَزْفَرَنَّ ] جهنم زَفْرَةً لا يبقى ملك مقرب إلا خَرَّ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيهِ . وروى ابن المبارك حديثاً - رفعه - أن ملكاً سجد لما استوى الرب [ تعالى ] على عرشه ، فلم يرفع رأسه [ و ] لا يرفعه إلى يوم القيامة ، فيقول يوم القيامة : لم أعبدك حق عبادتك ، إلا أني لم أشرك بك شيئاً ، ولم أتخذ من دونك ولياً . وقد وصفهم الله في كتابه فقال : { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 20 ] . قال كعب : التسبيح للملائكة بمنزلة النَّفَسِ لبَنِي آدم ، أُلْهِمُوا التسبيح كما ألهمتم الطَّرْفَ والنَّفَسَ . - ثم قال تعالى : { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } . يعني النار التي وصفها . يقول : ليس ما وصفتها به من تغييرها للبشر وعدة خزنتها إلا عظةً وعبرة للناس يتعظون بها . - ثم قال : { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } . أجاز الطبري الوقف على " كَلاَّ " ، [ جعله ] رَدَّاً لِمَا قبلها . والمعنى عنده : ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم التسعة عشر حتى يجهضهم عنها . وقال الفراء : تقديره : " إي والقمر ، وقيل : تقديره : " حقاً " ( وقيل ) : " أَلاَ " . - { وَٱلْقَمَرِ … } . أي : ورب القمر ورب الليل إذا أدبر ، أي : ولى . - { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } . أي : أضاءَ وأقبل . يقال : أسفر الصبح إذا أضاء وانكشف . ومنه : سفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته . ومنه قيل : " سفر " للكتاب الذي فيه العلم ، لأنه يبين ويكشف . ومنه سفرت الريح الغمام : كشفته . ومنه : سفرت البيت : أي كنسته ، ومنه قيل : " سفير " للذي يسعى في الصلح ، لأنه يكشف المكروه ويزيله . وحكى بعض البصريين : دبرني إذا جاء خلفي . وأدبر إذا ولى . واختار [ أبو عبيد ] [ إِذَا اَدْبَرَ ] ، لأن بعده : { إِذَآ أَسْفَرَ } . وحكي : دبر وأدبر : لغتان بمعنى ، يقال : دبر النهار وأدبر . ودبر الصيف وأدبر ، وكذلك قبل وأقبل . فإذا قالوا : أقبل الراكب و " أدبر " لم يُقَلْ إلا بالألف . وقيل : معنى { إِذْ أَدْبَرَ } أي : إذ أدبر النهار ، وكان في آخره . وسأل رجل ابن عباس عن قوله : { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } فقال : امكث ، فلما سمع الأذان [ الأول ] قال : هذا حين دبر الليل . - ثم قال : { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } . يعني جهنم ، أي : هي إحدى الأمور العظام . و ( إحدى ) : فُعْلَى ، نَعْتٌ ، وهو قليل ، إنما تأتي هذه النعوت غير المصادر بضم الأول أو بفتحه . - ثم قال : { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } . قال أبو رزين : يقول الله جل ذكره : أنا نذير للبشر . وقال [ ابن زيد ] : معناه : محمد نذير للبشر . ونصبها على الحال من المضمر في " إنها " [ أَوْ مِنْ ] " إِحْدَى " . وهذان القولان يدلان على أن النار هي النذير ، وهو قول الحسن . ويجوز أن تكون حالاً من " هو " في قوله : { إِلاَّ هُوَ } ، أو على إضمار فعل تقديره : صَيَّرَهَا { نَذِيراً } ، وهذا على قول أبي رزين . وقال الكسائي : هي حال من المضمر في { قُمْ } أي : قم نذيراً ، من أول السورة . وهو يرجع إلى قول ابن زيد . وقيل : { نَذِيراً } بمعنى إنذار ، فنصبه على المصدر . ( وقيل : نصبه على المصدر ) [ وقيل : نصبه على أعني ] . ومن جعله للنار حذف [ الياء ] من " نذير " لأنه بمعنى النسب .