Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 37-56)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ … } ، إلى آخر السورة . أي : نذيراً للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم في طاعة الله { أَوْ يَتَأَخَّرَ } في معصيته . قاله قتادة . وهو معنى قول ابن عباس . - ثم قال : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } . أي : كل نفس بما عملت من معصية الله في الدنيا رهينة في جهنم . - { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } . فإنهم غير مرتهنين ، ولكنهم { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } . قال ابن عباس : { رَهِينَةٌ } أي : " مأخوذة [ بعملها ] " . وقاله قتادة . قال مجاهد : { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } " لا يحاسبون " . [ وقال ] ابن زيد : أصحاب اليمين لا يرتهنون بذنوبهم ، ولكن يغفرها الله عز وجل . وقال الضحاك : ( معناه ) : كل نفس سبقت لها كلمة العذاب يرتهنها الله عز وجل في النار ، ولا يرتهن أحدا من أهل الجنة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } : هم " أطفال المسلمين " . وقال ابن عباس : " [ هم ] الملائكة " . فمن قال : هم الأطفال [ أو هم الملائكة ] استدل بقولهم للمجرمين { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } ، وذلك أنهم لم يقترفوا ذنوباً في الدنيا . ولو اقترفوها ما سألوا عن ذلك ، وكل من دخل الجنة غير الأطفال فقد كانت لهم ذنوب . وقال الضحاك : هم { ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأنبياء : 101 ] . ومعنى { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } : [ ما ] أدخلكم في سقر ؟ ! وقرأ ابن الزبير : " يتساءلون عن المجرمين ، يا فلان : مَا سَلَكَكم في سقر " . [ وهذه ] قراءة على التفسير . وقيل : معناه / أن المؤمنين يسألون الملائكة عن قراباتهم من المشركين ، ( فتسأل الملائكة المشركين ) تقول لهم : ما سلككم في سقر ؟ ! فيقول [ المشركون ] ما حكى الله من قولهم ، وإقرارهم على أنفسهم بالجحود والكفر . ومعنى : { مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } : من الموحدين . - ثم قال تعالى حكاية عن جواب المشركين : { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } . أي : لم نكن - في الدنيا - من المصلين لله . - { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } . أي : نخوض في الباطل مع كل من يخوض فيه . قال قتادة : نخوض مع الخائضين ، أي : ( كلما غوى غاو غووا معه ) . - { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } . أي : نقول : لا بعث ولا جزاء ولا جنة ولا نار . - { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } ؟ أي : الموت . - { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } . أي : فما يشفع لهم الذين يشفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد فتنفعهم شفاعتهم . ففي هذا دليل بين أن الله يشفع بعض خلقه في بعض . قال ابن مسعود في قصة طويلة في الشفاعة ( قال ) : ثم تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون ، ويشفعهم الله فيقول : أنا أرحم الراحمين . قال ابن مسعود : لا يبقى في النار إلا أربعة . ثم يتلو : { [ لَمْ ] نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } إلى : { … ٱلدِّينِ } . قال أنس بن مالك : " إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة [ والرجل ] " . وقال : أبو قلابة : " يدخل الله بشفاعة رجل من هذه الأمة ( الجنة ) مثل بني تميم - أو قال : أكثر من بني تميم - " . وقال الحسن : " مثل ربيعة ومضر " . - ثم قال : { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } . فما لهؤلاء المشركين عن تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين لا يستمعون ولا يتعظون ؟ ! - ثم قال : { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } . أي : كأنهم في نفارهم عن القرآن حُمُرٌ مذعورة خائفة من الرماة [ قد ] نفرت . ومن قرأ { مُّسْتَنفِرَةٌ } - بالكسر - فمعناه : نافرة ، ومن فتح [ فمعناه ] : مذعورة خائفة . قال ابن عباس وعكرمة وقتادة : القسورة : الرماة . وقال معمر : هي [ النبل ] . وقال ابن جبير : هي رجال القنص . وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس . [ وعنه ] أيضاً : هي جماعة الرجال ، وعنه أيضاً : هي أصوات الرجال . وقال أبو هريرة : هي الأسد ، روي ذلك أيضاً عن ابن عباس . والقسورة مشتقة من القسر ، وهي الغلبة . - ثم قال : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } . أي : ما بهم في إعراضهم عن الإيمان والقرآن إلا أن يُعْطَى كل إنسان منهم كتاباً من السماء ينزل عليه . - { كَلاَّ } ، أي : لا يكون ذلك . قال قتادة : قال قائلون من الناس : يا محمد ، إن سَرَّكَ أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان ( يؤمر ) فيه باتباعك . وقال مجاهد : يريدون أن ينزل عليهم كتاباً إلى فلان من رب العالمين . وقيل : المعنى : بل يريد كل إنسان منهم أن يذكر بذكر جميل ، فجعلت الصحف في موضع الذكر على المجاز . وقيل : قالوا : إن كان الإنسان إذا أذنب كتب عليه ، فما بالنا لا نؤتى ذلك ؟ ! . - ثم قال : { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } . أي : لكنهم لا يخافون عقاب الله ، ولا يرجون ثوابه ، فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله ، وهَوَّنَ عليهم ترك الاستماع لوحي الله وتنزيله . قال قتادة : " إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة ، ولا يخافونها " . - ثم قال : { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } . أي : ليس الأمر كما يقول هؤلاء المشركون في القرآن : إنه سحر يؤثر وإنه قول البشر ، ولكنه تذكرة من الله خلقه . - ثم قال : { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } . أي : فمن شاء من عباد الله - الذين ذكرهم بهذا القرآن - ذكره فاتعظ به [ واستعمل ] ما فيه . ( ويحسن أن يكون { كَلاَّ } في هذين الموضعين بمعنى " أَلاَ " فيبتدأ بها ) ، ويحسن أن يكونا بمعنى " حقاً " . - ثم قال : { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ . … } . أي : وما تذكرون هذا القرآن فتتعظون به [ وتستعملون ] ما فيه إلا أن يشاء الله ذلك ، لأنه لا أحد يقدر على شيء إلا بمشيئة الله وبقدرته . والتاء في { يَذْكُرُونَ } للخطاب . والياء على لفظ الغيبة . - ثم قال : { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } . أي : الله أهل أن يَتَّقِي عبادُه عقوبتَه / على معصيتهم إياه فيسارعوا إلى طاعته واجتناب معصيته ، والله أهل أن يغفر لمن تاب من ذنوبه وسارع إلى طاعته ( ونزع ) عن معصيته . روى أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله : { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } ، قال : " يَقُولُ رَبُّكُمْ . أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى أَنْ يُجْعَلَ مَعِي إِلَهٌ غَيْرِي ، وَمَنْ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلَهاً ( غَيْرِي ) فَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ " " . قال قتادة : معناه : " هو أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب " . وسئل طلق بن حبيب عن التقوى فقال : اعمل بطاعة الله ابتغاء وجه الله على نور من الله ، وتجنب معصية الله مخافة عذاب الله على نور من الله . وروى أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية : { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } فقال : " إِنَّ اللهَ يقول : أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلاَ يُجْعَلَ مَعِي شَرِيكٌ . وَأَنَا أَهْلُ المَغْفِرَةُ لِمَنْ لَمْ يَجْعَلْ مَعِي شَرِيكاً " " . قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا الحديث خير من الدنيا وما فيها ، [ وهو ] من رواية ابن عباس ، حديث صحيح .