Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 13-17)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، إلى قوله : { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . والمعنى : هذا الفعل الذي فُعل بهم من ضرب الأعناق وغير ذلك ، { بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ، أي : خالفوه ، كأنهم صاروا فِي شِقٍّ آخر بمخالفتهم له . { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } . أي : يخالفه . أَجْمَعَ القراء على الإظهار ، إذ هو في الخَطِّ بقافين . والإظهَارُ لغة أهل الحجاز ، وغيرهم يُدْغِمُ ، وعليه أُجْمِعَ في : " الحشر " . ويحسن " الرَّوْمُ " ، في الوقف في : " الحشر " / ؛ لأن الساكن الذي حرك من أجله الثاني لازم في الوقت ، وهو " القاف " الأولى المُدْغَمة في الثانية ، ولا يحسن " الرّوْمُ " في الوقوف [ في الأفعال ؛ لأن الساكن الذي حرك من أجله " القاف " الثانية غير لازم في الوقف ] وهو " اللام " من اسم الله ، جل ذكره ، فقس عليه ما كان مثله . وقوله : { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ } . { وَأَنَّ } : في موضع رفع عطف على : { ذٰلِكَ } . وقيل المعنى : وذلك وأن للكافرين ، و { ذٰلِكُمْ } : في موضع رفع على معنى : الأمر ذلكم ، أو : ذلكم الأمر . وقيل : { أَنَّ } في موضع نصب على معنى : واعلموا أن للكافرين ، كما قال . @ يَا لَيْتَ زَوْجَكَ قَدْ غَدَا مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً @@ أي : وحاملاً رُمحاً . ويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى : وأن للكافرين . ومعنى الكلام : هذا الذي عُجَّلَ لكم من ضرب الأعناق وضرب كلِّ بنان في الدنيا ذوقوه ، أيها الكافرون ، واعلموا أن لكم في الآخرة عذاب النار . ثم قال تعالى : { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ } الآية . والمعنى : إن الله أمر المؤمنين ألا يَفِرُّوا من الكفار إذا تدانى بعضهم من بعض عند القتال . وقيل : المعنى : إذا وَاقفَتْمُوهُم فلا تفروا منهم ، ولكن أثبتوا فإنّ الله معكم . ثم توعد من يتولى أنه يرجع بغضب من الله ، وأنَّ مأواهم جهنم ، وأرخص لهم أن يتحرف الرجل لتمكنه عودة إلى الظفر ، لا ليولي هارباً ، وأرخص أن ينحاز الرجل إلى فئة من المؤمنين ليكون معهم . يقال : تحوَّزت وتحيّزتُ . قال الضحاك : " المُتَحَرِّفُ " : المتقدم من أصحابه ليظفر بعودة للعدو ، و " المُتَحَيَزُ " : الذي يرجع إلى أميره وأصحابه . قال عطاء : هذا مَنْسُوخٌ ، نسخه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } [ الأنفال : 65 ] الآية ، فأُمِروا أن يَفِرُّوا ممن هو أكثر من مِثْلَيْهم . وقال الحسن : الآية مخصوصة في أهل بدر خاصة ، وليس الفرار من الكبائر . وقال أبو سعيد الخدري : نَزَلَتْ في أهل بدر ، يعني : { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } . ودليل أنها مخصوصة يوم بدر قوله : { يَوْمَئِذٍ } ، فعلق الحكم بيوم معلوم . وقال ابن عباس : الآية محكمة ، وحكمها باق إلى اليوم ، والفرار من الكبائر . ومعنى : { بَآءَ بِغَضَبٍ } . أي : رجع به . وقوله : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } . أي : لم تقتلوا أيها المسلمون المشركين . { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } . أضاف ذلك إلى نفسه ، تعالى ، إذ كان هو المسبِّب قتلهم ، والمعين عليه ، وعن أمره كان ، وبنصره تَمَّ . رُوِيَ أن جبريل عليه السلام ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم ، عند الزحف : خُذْ قبضة من تراب فَارْمِهِم بها ، ففعل ، فلم يبق أحد من المشركين إلا أصابت عينه وأنفه وفمه ، فولَّوا مُدْبِرِين . فلما أظْفَرَ الله المؤمنين بالمشركين ، جعل كل واحد يقول : فعلت كذا ، وصنعت كذا ، فأنزل الله ، عز وجل : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } . وهذا يدلُّ على خلاف قول من يقول : إنَّ العبد يفعل حقيقة . ثم قال : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } ، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } أي : الله المسبِّب للرمية ، وهذا حين حَصَبَ النبي صلى الله عليه وسلم ، الكفار فهزمهم الله . قال عكرمة : ما وقع منها شيء إلا عَيْنِ رجل . وقيل : " إن النبي صلى الله عليه وسلم ، أخذ قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم ، لما دنوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، وقال : " شاهت الوجوه ! " فدخلت في أعينهم كلهم ، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقتلونهم ويأسرونهم ، فكانت هزيمتهم من رَمْيَةٍ رسول الله / صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } الآية " . قال قتادة : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ، يوم بدر ثلاثة أحجار فرمى بها وجوه الكفار ، فهزموا عند الحجر الثالث . وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم ، رمى أُبَيَّ بن خلف الجمحي يوم بدر بحربة في يده فكسر له ضلعاً فمات منه ، وكان النبي ، عليه السلام ، قد أوْعَدَهُ أنه يقتله . وَيُرْوَى " أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان جالساً يوم بدر في عريش ، وأبو بكر عن يمينه ، والنبي صلى الله عليه وسلم ، يدعو ويقول : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ! اللهم النصر الذي وعدتني " ، فألح النبي صلى الله عليه وسلم ، في الدعاء ، فقال له أبو بكر ، رضي الله عنه : " خفض يا رسول الله ، دعاءك ، فإنَّ الله متممٌّ لك ما وعدك ، فَخَفَقَ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، من نعسة نعسها ، ثم ضرب بيمينه على فخذ أبي بكر ، فقال : " أبشر بنصر الله ، رأيت في منامي بقلبي جبريل عليه السلام ، يَقْدُمُ الخيل على ثنية النقع " . فلما التقى الجمعان خرج النبي صلى الله عليه وسلم من العريش ، فأخذ حَصْباً من الأرض فرمى بها في وجوههم ، ثم قال : " شاهت الوجوه ثم لا ينصرون ، لا ينبغي لهم أن يظهروا " فرمى مقابل وجوههم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ثلاث مرات فلم تقع تلك الحصباء على أحد إلا قتل وانهزم ، وصار في جسده خضرة " . قال أبو عبيدة معناه : ما ظفرت ولا أَصَبْتَ ، ولكن الله أظفرك ونصرك . يقال : رمى الله لك ، [ أي ] : نصرك . وحُكِى أن بعض العلماء قال في معناها : وما رميت قلوب المشركين إذ رميت وجوههم بالرمل والتراب ، ولكن الله رمى قلوبهم بالجزع فهزمهم عنك برميته لا برميتك . وقوله : { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً } . يريد به من استشهد ذلك اليوم ، وكان قد استشهد من المؤمنين ذلك اليوم أربعة عشر رجلاً ، ستة من المهاجرين ، وهم : عُبَيْدَة بن الحارث بن عبد المطلب ، توفي بـ : " الصَّفْرَاءِ " ، من ضَرْبَةٍ في سَاقِهِ . وعُمَيْرُ بن مالك بن وُهَيْب . وأبو سعيد بن مالك . وذو الشِّمَالَيْنِ : عمير بن عمرو بن نَضْلة . وغَافِلُ بن البُكَيْر ، سماه النبي : عاقل بن بكير وهو حليف لبني عَدِيٍّ . ومَهْجَع ، مولى عمر بن الخطاب ، ( رضي الله عنه ) ، وهو أول من قتل يوم بدر . وصفوان بن بَيْضاء ، من بني الحارث بن فِهر . وثمانية من الأنصار من الأوس ، وهم . سَعْد بن خيثمَةَ بن الحارث . وَمُبَشِّر بن عبد المنذر ، وهو أخو أبي لُبابة ، وهو نقيب . وعُمَير بن الحُمام . وابنا عفراء : معاذ وعمرو . ورَافِعُ بن المُعَلّى . ويزيد بن الحارث ابن فُسْحُم . [ وحارثة ] بن عدي بن سُرَاقَة . " وكان حارثة صغير السن بعثته أمه مع عمر بن الخطاب يخدمه ، فكان يعجن ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليضحك إلى عبده يخرج [ متفضلاً في ثوبه شاهراً سيفه فيقاتل حتى يقتل " ، فترك العجين وخرج ] إلى القتال فاستشهد ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، المدينة ، أتت أمه وأخته إلى عمر فسألتاه عن حارثة ، فقال : استشهد ، ثم ذهبتا إلى أبي بكر فسألتاه عن حارثة ، فقال لأمه : ابنك في الجنة ، ثم ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ابني ، فقال : " ابنك في الرفيق / الأعلى " ، فحمدت الله ، وقالت : طوبى لمن كان منزله في الرفيق الأعلى ، فكان الناس يعدون ، وهي تهنأ " . وأم حارثة هذه هي بنت النضر ، عمة أنس بن مالك بن النضر . وروى ابن وهب : أنّ عبد الرحمن بن عوف ؛ قال : بينا أنا يوم بدر في الصَّفِّ إذا غلام عن يمين وآخر عن يساري ، يغمزني أحدهما سراً من الآخر ، فقال : يَا عَمَّ ، فقلت : ما تشاء ، قال : أين أبو جهل ؟ قال : قلت : فاعل ماذا ؟ قال : عاهدت الله لئن رأيته لأضربنه بسيفي هذا ؛ إنه بلغني أَنَّهُ يَسُبُّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، قال عبد الرحمن بن عوف : ( ثم غمزني ) الآخر سراً ، فقال : يا عم ، أين أبو جهل ؟ قال : قلت : فاعل ماذا ؟ قال : عاهدت الله لئن رأيته لأضربنه بسيفي هذا . قلت : بأبي أنتما وأمي ، وأشرت لهما إليه ، فبلغني أنه قتلهما ، وهما : ابنا عفراء ، وقطعا يده ورجله قبل أن يقتلهما . قال ابن مسعود : فجئت أبا جهل ، وهو فرعون هذه الأمة فوجدته مقطوع اليد والرجل ، فقلت : أخزاك الله ، فقال : رُوَيْع غنم ادْنُهْ فإن الفحل يحمي إبله وهو معقول . قال ابن مسعود : وكان معه سيف جيّد ، ومعي سيف رديء ، فأدرت به حتى أخذت سيفه ، ثم ضربته به حتى مات ، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته بقتلي لأبي جهل فقال : آلله ، قلت آلله ، فقال : آلله ، قلت : آلله ، مرتين أو ثلاثاً . وقتل يومئذ من المشركين أكثر من سبعين ، وأسر سبعون . وكان الأسود بن عبد الأسد المخزومي حلف قبل القتال بآلهته ليشربن من الحوض الذي صنع محمد ، وليهدمنّ منه ، فلما دنا من الحوض لقيه حمزة بن عبد المطلب . فضرب رجله فقطعها ، فأقبل يحبو حتى وقع في الحوض ، وهدم منه ، وأتبعه حمزة فقتله فكان أول من قتل من المشركين ، فاحتمى له المشركون ، فبرز منهم ثلاثة : عُتْبة بن ربيعة ، وشيبة [ بن ربيعة ] ، والوليد بن عتبة [ بن ربيعة ] ، ونادوا بالمبارزة فقام إليهم نفر من الأنصار . فاستحيى النبي صلى الله عليه وسلم وأحبَّ أن يَبْرَزَ إليهم من بني عمه ، فناداهم : أن ارجعوا إلى مصافكم . وليقم إليهم بنو عمهم ، فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب . وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، فبرز حمزة : لعتبة ، وعبيدة : لشيبة ، وعلي : للوليد فقتل حمزة : عتبة ، وقتل علي : الوليد ، وقتل عبيدة : شيبة ، بعد أن ضرب شيبةُ رِجْل عبيدة فقطعها ، فَحُمِل حتى توفي بـ : " الصَّفْراء " . فكان قتل هؤلاء النفر أن يلتقي الجمعان . وقيل معنى : { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . أي : وليُنعم عليهم نعمة حسن بالظفر والغنيمة والأجر . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . أي : { سَمِيعٌ } لدعاء نبيكم ، { عَلِيمٌ } بمصالحكم . وقيل معناه : وليختبر الله المؤمنين اختباراً حسناً .