Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 29-30)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } ، إلى قوله : { خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } . والمعنى : إن تتقوا الله في أداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، وترك خيانته وخيانة رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } ، أي : فَصْلاً . وفرْقاً بين حقكم وباطل مَنْ يبغيكم السوء ، { وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } ، أي : يمحها ، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } . أي : يستتر لكم على ذنوبكم ، { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ، عليكم وعلى غيركم . وقيل : { فُرْقَاناً } : مخرجاً . وقيل : نجاةً . وقيل : نصراً . وقال ابن زيد معناه : يفرق في قلوبكم بين الحق والباطل حتى تعرفوه . وقال مجاهد : مخرجاً من الضيق إلى السعة ، ومن الباطل إلى الحق . قوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، الآية . المعنى : واذكر ، يا محمد ، إذ يمكر . وهذه الآية تذكير للنبي صلى الله عليه وسلم ، بنعم الله عز وجل عليه ، و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : هم مشركو قريش . قال [ ابن عباس ] معنى { لِيُثْبِتُوكَ } ، أي : ليُوثِقُوك وليثقفوك . وكذلك قال مجاهد : وقتادة . وذلك بمكة . وقال السدي : { لِيُثْبِتُوكَ } : ليحبسوك ويوثقوك . وقال ابن زيد ، وابن جريج : ليحبسوك . وقال ابن عباس : اجتمع نَفَرٌ من قريش من أشرافهم ، في دار الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأَوْهُ قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نَجْد ، سمعت أنكم اجتمعتم ، فأردت أن أحضركم ، ولَنْ يَعْدَمَكم منِّي رأيٌ ونُصْحٌ . قالوا : أجَل ، ادخل ، فدخل معهم ، فقال : انظروا في أمر هذا الرجل ، والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره . فقال قائل منهم : احبسوه في وثَاق . ثم تربصوا به ريب المنون ، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء . فصرخ عدو الله الشيخ النَّجدي وقال : والله ، ما هذا لكم بِرأْي ، والله ليخرجنه رأيه من محبسه إلى أصحابه ، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم ، / فما آمنُ أنْ يخرجوكم من بلادكم ، فقال قائل : أخرجوه من بين أظهركم فتستريحوا منه . فقال الشيخ النجدي : والله ما هذا برأي ، ألمْ تروا حلاوةَ قوله ولطافةَ لسانه ، وأخْذَ القلوب لما يُسْمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ليستعرضن وليجمعن عليكم ، ثم ليأتينَّ إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ، قالوا : صدق ، قال أبو جهل : والله لأشيرنَّ عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه ، قالوا : وما هو ؟ قال : تأخذون من كل قبيلة غلاماً وسيطاً شاباً ، ثم نعطي كل غلام منهم سيفاً صارماً ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل ، فلا أظُنّ هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش ، وإنَّهم إذا رأوا ذلك قَبِلوا العقل واسترحنا . فقال الشيخ النجدي : هذا والله هو الرأيُ ، القول ما قال الفتى ، فتفرقوا على ذلك ، وأتى جبريل ( النبيَّ ) صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأخبره بمكر القوم ، ثم أمره بالخروج ، فأنزل الله عليه بالمدينة : " الأنفال " يذكره نِعَمه عليه في قوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ } ، الآية . فأنزل في قولهم " نتربص به حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء " : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] . وكان يسمى ذلك اليوم الذي اجتمعوا فيه " يوم الزحمة " . ولما أجمعوا على ذلك باتوا يحرسونه ليوقعوا به بالغداة . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر إلى الغار ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، عليّاً أنْ يبيت في موضعه ، فتوهم المشركون أنه [ النبي ] صلى الله عليه وسلم ، فباتوا يحرسونه ، فلما أصبح وجَدوا عليًّا ، فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري ، فركبوا وراءه كل صعب وذلول يطلبونه ، ومَرُّوا بالغار قد نسج على فمه العنكبوت ، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه ثلاثاً . " ويُرْوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لعليّ : نَمْ على فراشي وتَسَجَّ بِبُرْدي هذا الحَضْرَمي ؛ فإنه لن يخلص إليك شيءٌ تكرهه ، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو جهل وأصحابه على الباب ، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ، حَفْنَة من تُراب ، وأخذ الله بأبصارهم فلا يرونه ، فجعل يثير التراب على رؤوسهم ، وهو يقرأ : { يسۤ } ، إلى قوله : { فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } فلم يبق منهم رجلٌ إلا وضع النبي صلى الله عليه وسلم ، على رأسه تراباً ، وانصرف إلى حيث أراد ، فآتاهم آتٍ فأعلمهم بحالهم ، فوضع كُلُّ رجل منهم يده على رأسه فوجد تُراباً ، فانصرفوا بِخِزْي وَذُلٍّ " .