Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 70-71)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ } ، إلى قوله : { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } ، ثم قال : { فِيۤ أَيْدِيكُمْ } ، إنما ذلك ؛ لأن المعنى : قل لمن في يديك ، ويدي أصحابك من الأسرى . وقيل المعنى : يا أيها النبي قل لأصحابك : قولوا لمن في أيديكم من الأسرى . وقيل : المخاطبة له مخاطبة لأمته . والمعنى : يا محمد ، قل لمن في يديك ويدي أصحابك من الأسرى الذين أخذ منهم الفداء : { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } ، أي : إسلاماً ، { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } ، في الفداء ، ويغفر لكم ذنوبكم التي سلفت منكم ، وقتالكم نبيكم ، أي : يسترها عليكم ، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } ، أي : ساتر لذنوب عباده إذا تابوا ، { رَّحِيمٌ } ، بهم ، أن يعاقبهم بعد التوبة . قال العباس بن عبد المطلب : فيَّ نزلت هذه الآية . وكان العباس فدى نفسه يوم بدر بأربعين أوقية من الذهب ، قال العباس : فأعطاني الله أربعين عبداً ، كلهم تاجر ، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله عز وجل ، بها . قال الضحاك : نزلت في العباس وأصحابه أُسروا يوم بدر ، وهم سبعون . وروى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما قدم بالأسارى المدينة ، قال لعمه العباس : افد نفسك يا عم ، وافد ابني أخويك ، يعني : عقيل بن أبي طالب . ونوفل بن الحارث ، وافد حليفك ، يعني : عتبة بن عمرو من بني فهر ، كان حليفاً للعباس . قال له العباس : يا رسول الله إني كنت مسلماً ولكن القوم استكرهوني ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أعلم بإسلامك ، أما ظاهرك فقد كان علينا " . وكان النبي عليه السلام ، قد وجد مع العباس أربعين أُوقِيَّةً من ذهب ، كل أوقية أربعون مثقالاً ، فقال العباس : احسبها لي يا رسول الله في فدائي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ذلك مال أفاءه الله علينا ، ولست أحسبه لك " ، فقال له العباس : مالي مال غيره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عم ، أنت سيد قريش وتكذب ! فأين المال الذي دفنته بمكة عند أم الفضل بنت الحارث ، ثم قلت لها : ما أدري ما يكون ، فإن أُصبت في سفري فللفضل كذا وكذا ، ولعبد الله كذا وكذا ، فقال العباس : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، والله ما حضر ذلك أحد إلا الله وأم الفضل . ففدى العباس نفسه ، وابنَيْ أخويه ، وحليفه ، ففي ذلك نزل : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ، الآية . فلما سمعها العباس ، قال : قد أنصفني ربي : مَنَّ علي / بالإسلام ، وغفر لي ، ويعطيني خيراً مما أخذ مني . فأعطاه الله عز وجل ، يوم خيبر أكثر مما أخذ منه في الفداء ، وغفر له ، ورحمه . قال ابن وهب : لما رجع المشركون من بدر إلى مكة ، جلس عُمير بن وهب إلى صفوان بن أمية ، فقال له صفوان : قبح العيش بعد قتلى بدر ! فقال عُمير : أجل ، ما في العيش خير بعدهم ، ولولا دَيْنٌ عليّ وعيالي ، لرحلت إلى محمد فلنقتلنه إن ملأت عيني منه ، فإن لهم عندي عِلّة أقول : قدمت لتفادوني في أسيرٍ لي ، ففرح صفوان بقوله ، وقال له : عليّ دَيْنُكَ ، وعيالك أسوة عيالي في النفقة ، لن يسعني شيء ويعجز عنهم . فحمله صفوان وجهزه ، وأمر بسيف عمير فسُم وصقل . وقال عمير لصفوان : اكتمني ليالٍ . وأقبل عُمير حتى وصل المدينة ، فنزل بباب المسجد ، وعَقَلَ راحلته وأخذ السيف ، وعمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليه عمر وهو في نفر من الأنصار ، ففزع عمر من عُمير ، وقال لأصحابه : هذا عدو الله الذي حرَّش بيننا وحزرنا للقوم ، ثم قام عمر ودخل على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، وقال : هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد ، ومعه السلاح ، وهو الفاجر الغادر ، يا رسول الله لا تأمنه ! فقال صلى الله عليه وسلم : أدخله عليّ فدخل ، وأمر عمر أصحابه أن يحْتَرزوا منه ، ويدخلوا بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم : فقال النبي عليه السلام : يا عمر ، تأخر عنه ، فلما دنا عُمير من النبي عليه السلام قال : أنْعِمُوا صباحاً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : قد أكرمنا الله عن تحيتك ، وجعل تحيتنا السلام ، وهي تحية أهل الجنة ، فما أقدمك يا عُمير ؟ قال : قدمت تفادوني في أسيري ؛ فإنكم العشيرة والأهل . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ وما شَرَطْتَ لصفوان بن أمية في الحِجْرِ ؟ ففزع عُمير ، وقال ] : وما شرطت له ؟ قال : تحمّلت له قتلي على أن يعول بنيك ، ويقضي دَيْنَكَ ، والله حائل بينك وبين ذلك ، قال عمير : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي وبما يأتيك من خبر السماء ، وأنّ هذا الحديث الذي كان بيني وبين صفوان في الحِجْرِ كما قلت يا رسول الله ، لم يطلع عليه أحد غيري وغيره ، ثم أخبرك الله عز وجل ، به فآمنتُ بالله ورسوله ، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق ، ففرح المسلمون حين هَدَاه الله ، فقال عمر : والله لخنزير كان أحب إليّ منه حين أتى ، ولَهُوَ اليوم أحب إلي من بعض بني . فقال له النبي عليه السلام : " اجلس نواسك . وقال [ لأصحابه ] : عَلِّمُوا أخاكم القرآن . وأطلق له أسيره ، فقال له عُمير : يا رسول الله ، قد كنت جاهداً ما استطعت في إطفاء نور الله سبحانه ، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق ، فأْذن لي ألحق بقريش فأدعوهم إلى الإسلام ، لعل الله يهديهم ويَسْتَنْقِذَهُم من الهلكة ، فأذن له النبي عليه السلام ، فلحق بمكة ، وجعل صفوان بن أمية يقول لقريش : أبشروا بفتح ينسيكم وقعة بدر ، وجعل يسأل كل راكب قدم من المدينة : هل كان [ بها ] من حدث ؟ وكان يرجو قتل النبي ، عليه السلام ، على يد عُمير ، حتى قدم عليه رجل من المدينة ، فسأله صفوان عن عمير ، فقال : قد أسلم ، فقال المشركون : صبأ / عُمير . وقال صفوان : إن لله علي ألا أنفعه بنافعه أبداً ، ولا أكلمه بكلمة أبداً ، وقدم عليهم عُمير ، فدعاهم إلى الإسلام ، ونصح لهم ، فأسلم بشر كثير . ونذر أبو سفيان بن حرب بعد وقعة بدر أن لا يمسَّ رأسه ذُهْنٌ ، ولا يقرب أهله حتى يغزو محمداً صلى الله عليه وسلم فغزاه إلى أُحد ، فكانت وقعة أُحد بعد بدر بسنة . ثم قال تعالى : { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } . يعني الأسارى الذين افتدوا وأسلموا في ظاهر أمرهم ، { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } ، أي : من قبل وقعة بدر ، { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } ، يعني ببدر . قال قتادة : هو عبد الله بن أبي سَرْح كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نافق ، وسار إلى المشركين بمكة وقال لهم : ما كان محمد يكتب إلا ما شِئْتُ فَنَذَر رجل من الأنصار لئن أمكنه الله به ليضربنه بالسيف . فلما كان يوم الفتح أمّن النبي صلى الله عليه وسلم ، الناس إلا عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح [ ومِقْيَس بن صُبَابة ] ، وابن خطل ، وامرأة كانت تدعو على النبي عليه السلام ، كل صباح . فجاءه عثمان بابن أبي سَرْح ، وكان رضيع عبد الله ، فقال : يا نبي الله ، هذا فلان أقبل تائباً نادماً ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع به الأنصاري ، أقبل متقلداً سيفه ، فأطاف به ، وجعل ينظر إلى النبي عليه السلام ، رجاء أن يومئ إليه . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قدم يده فبايعه ، فقال : " أما والله لقد تَلُومَنَّكَ فيه لتوفي نذرك " ، فقال : يا نبي الله ، إني هبتك ، فلولا أَوْمَضَتَ إليّ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه لا ينبغي لنبيٍ أن يُومِضَ " . ومعنى { خَانُواْ ٱللَّهَ } : خانوا أولياءه .