Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-32)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله تعالى : { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } ، إلى قوله : { وَلأَنْعَامِكُمْ } . هذا عتاب من الله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم . قالت عائشة : أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ابنُ أمّ مكتوم وعند النبي عظماء قريش ، فجعل ( ابن ) أم مكتوم [ يقول ] : أرشدني ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعُرِض عنه [ ويُقبِل ] على الآخرين يقول لهم : أترون بما أقول بأساً ؟ فأنزل الله { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } في ذلك . قال ( ابن عباس ) : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعبّاس بن عبد المطلب ، وكان يتصدّاهم كثيراً رَجاء أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجلٌ أعمى يقال له : ابنُ أمّ مكتومٍ ، ( يمشي والنبي صلى الله عليه وسلم يناجيهم ، فَجَعل ابن أم مكتوم ) [ يستقرئ ] النبيّ صلى الله عليه وسلم آيةً من القرآن وهو يقول : يا رسول الله ، علّمني مما علمك الله . فأَعرضَ عنه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، وعَبَس ( في ) وجهه وتولى عنه وأقبل على الآخرين ، فما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نَجْواهُ وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره [ وخَفَقَ ] برأسه ، ثم أنزل الله : { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } … [ الآيات ] . فلما نزل فيه ما [ نزل ] ، أكرمه رسول الله [ وكلّمه ] وقال له : ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء " قال قتادة : اسم ابن أم مكتوم : عبد الله بن زائدة ، وقيل : اسمه [ عمرو بن قيس ] ، واسم أمه : أم مكتوم عاتكة . قال مجاهد ، هو من بني فهر . وذكر قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه في المدينة على الصلاة في غزوتين من غزواته . وروي أن الذي كان قد اشتغل النبي صلى الله عليه وسلم [ به ] ( عن ابن أم مكتوم هو شيبة ابن [ ربيعة ] ، طمع النبي صلى الله عليه وسلم ) بإسلامه . وقيل : هو أبي بن خلف ، كان النبي يُقْبل عليه ويكنيه ، ويقول له : أبا فلان ، هل ترى بما أقول بأساً ؟ طمعاً أن يسلم ، فيسلم بإسلامه خلق ، فأجابه المشرك فقال له : [ والدما ] ، ما أرى بِما تقول بأساً . فأقسم المشرك للنبي صلى الله عليه وسلم بالأصنام وترك أن يقسم بالله . [ والدما ] جمع دمية ، وهي الصورة من [ صور الأصنام ] . [ فعذل ] الله نبيه على ذلك . وقال ابن زيد : أقبل ابن أم مكتوم ومعه قائدُه ، فلما بصر به النبي صلى الله عليه وسلم - وكان مقبلاً على رجل من عظماء قريش قد طمع في إسلامه - أشار إلى قائده ( أن كُفَّهُ ) ، فدفعه ابن أم مكتوم ، فعند ذلك عبس النبي في وجهه ، فكان النبي عليه السلام يكرمه بعد ذلك . وقال سفيان : " كان النبي صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك - إذا رآه بسط له رداءه ، وقال مرحباً [ بمن ] عاتبني فيه ربي جل وعز " . قال ابن زيد : كان [ يقال ] : لو أن رسول الله كتم من الوحي شيئاً لكتم هذا على نفسه . - وقوله : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } . أي : وما يدريك - يا محمد - لعل هذا الأعمى الذي أعرضت عنه يتطهر من ذنوبه . - { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } . ( أي ) : [ أو ] يتعظ [ فينفعه ] الاتعاظ . - ثم قال تعالى : { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } . ( أي ) : أما من استغنى بماله ، فأنت تتعرض له رجاء أن يسلم . قال سفيان : " نزلت في العباس " . وقال مجاهد : " نزلت في عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة " . - ثم قال تعالى : { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } . أي : وأي شيء عليك - يا محمد - ألا يتطهر من ذنوبه وكفره بالإسلام ؟ ! - ثم قال تعالى : { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ * وَهُوَ يَخْشَىٰ } . أي : وأما الأعمى جاءك يسعى وهو يخشى الله [ ويتقيه ] . - { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } . ( أي ) : تُعْرِض وتتشاغل بغيره . - ثم قال تعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } . أي : ليس الأمر كما تفعل يا محمد . وقيل : المعنى : ألاّ إنها تذكرة . والوقف عند نافع ونصير على { كَلاَّ } على التأويل الأول . - وقوله : { ( إِنَّهَا ) تَذْكِرَةٌ } . قال الفراء : المعنى أن السورة تذكرة . وقيل : المعنى ( أن ) الأنباء والقصص تذكرة . ( وقيل : المعنى أن القصة التي عوتبت فيها يا محمد تذكرة ) وعظة . - { فَمَن شَآءَ / ذَكَرَهُ } . أي : فمن شاء من عباد الله ذكر تنزيل الله ووحيه فاتعظ به . فالهاء في { إِنَّهَا } للسورة أو للقصة ، والهاء في [ { ذَكَرَهُ } ] للتنزيل والوحي . - ثم قال تعالى : { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } . أي : هذه العظة والقصة في صحف قد كتبتها الملائكة في صحف مكرمة ، أي : عزيزة . - { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } . يعني : مرفوعة في اللوح المحفوظ عند الله . - وقوله : { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } . يعني : الملائكة . وواحد السفرة : سافر . قال ابن عباس وقتادة : سفرة : " كتبة " . وعن قتادة أن السفرة هم القراء . وعن ابن عباس . أيضاً هي " الملائكة " . قال ابن زيد : هم " الذين يحصون الأعمال " . وسفير القوم : الذي يسعى بينهم بالصلح ، فكأن السفرة هم الملائكة الذين يَسفِرون بين الله وبين رسله بالوحي . وهذا ( هو ) اختيار الطبري . - وقوله : { كِرَامٍ بَرَرَةٍ } . قال وهب بن منبه : السفرة الكرامُ البررةُ : أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم و { بَرَرَةٍ } جمع بار ، ككافر ، وساحر وسحرة . والمستعمل في كلام العرب أن يقولوا : " رجل بَرّ " ، و " امرأة برّة " ، فإذا جمعوا ردوه إلى جمع ( بار ، فقالوا : رجال بررة . وقال النحاس : الأبرار جمع ) بَرٍّ ، والبَرَرَة جمع بَارٍّ . - ثم قال تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } . أي : لعن الكافر [ و ] أهلك ، ما الذي أكفره مع ظهور الآيات وبيا ( ن الحق ) ؟ ! فـ { مَآ } : استفهام على طريق التوبيخ والتقرير . وقيل : إنها نزلت في عتبة بن أبي لهب ، كان قد آمن ، فلما نزلت سورة : ( والنجم ) ، ارتد ، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله الأسد في قصة طويلة . وقيل : { مَآ } : تعجُّب ، أي : هو ممن يقال فيه : ما أكفره إذ تمادى على كفره مع ظهور الآيات والحجج ! . قال مجاهد : كل شيء في القرآن " قتل الإنسان " أو " فعل الإنسان " فإنما عنى به الكافر ، وكل " قُتِل " في القرآن [ فمعناه ] : لعن . - ثم قال تعالى : { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } . أي : اعجبوا ( له ) ! من أي شيء خلق الله الكافر حتى يتكبر عن طاعة الله . ثم بين الشيء الذي خلقه منه فقال : - { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ } . أي : ( من ) ماء حقير خلقه فكيف يتكبر مَن أصلُه هذا . - وقوله : { فَقَدَّرَهُ } . أي : قدره أحوالاً : نطفة ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم ، ثم … وقيل : معناه : قدره حسناً أو قبيحاً ، ذكراً وأنثى . - وقوله : { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } . قال ابن عباس : يعني يسره لطريق الخروج من بطن أمه . وهو قول السدي وقتادة وأبي صالح ، وهو اختيار الطبري ، لأن قبله ذكر خلقَهُ من نطفة وانتقالَه من ( حال إلى ) حال في الرحم ، فوجب أن يُتْبِعه بذكر خروجه من الرحم ليكون الكلام كله في معنى واحد . وقال مجاهد : هو طريق الخير والشر كقوله : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [ الإنسان : 3 ] . وعنه أيضاً أنه سبيل الشقاء والسعادة . وقال الحسن : سبيل الخير يسره له . وقال ابن زيد : هداه إلى الإسلام ويسره له . - ثم قال تعالى : { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } . أي : أماته بعد إحيائه له عند انقضاء أجله وجعل له قبراً ولم يجعله ممن يُلْقى على وجه الأرض ، فهذا كله من نعم الله على ابن آدم . يقال : " قَبَرْت الرجل " : [ إذا ] أدخلته في القبر ، و " أَقْبَرْتُهُ " : إذا جعلت له قبراً . والمعنى : فصيره ذا قبر . - ثم قال تعالى : { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } . أي : أحياه بعد موته . يقال : أحيا الله الميت وأنشره بمعنى . ونَشَر الميّتُ : حَيي هو نفسُهُ . - ثم قال تعالى : { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } . أي : ليس الأمر ما يقول هذا الإنسان من [ أنه قد أدى ] حق الله في نفسه وماله ، لم ( يقض ) ذلك ، ولا يقدر عليه . قال مجاهد : لا يقضي أحد أبداً ما افترض الله عليه . - ثم قال تعالى : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } . هذا كله تنبيه من الله لعباده على نعمه عليهم . ومن قرأ ( أنّا ) بالفتح ، فقال أبو حاتم : هو بدل من الطعام . وهو قول الفراء و [ أبي ] عبيد . وتقديره : فلينظر الإنسان إلى صبنا الماء . وهو قول فيه بعد ، لأن الثاني [ ليس هو الأول ] ولا [ بعضه ] ولا مشتملاً عليه . ( وقيل : إنما فتحت على أنها رفع بالابتداء . ولا يُحسّن سيبويه الابتداء " بأنّ " المفتوحة ، وأيضاً فإنه لا خبر لها ) . وقيل : ( إن ) التقدير : لأنّا صببنا . وقيل : { أَنَّا } في موضع رفع [ على ] إضمار مبتدأ ، والتقدير : إلى طعامه ، طعامه : صبّ الماء … وقيل : { أَنَّا } بدل الاشتمال من طعامه . والمعنى : فليعتبر الإنسان ويعلم قدر نِعَم الله عليه وكيف سبب له [ كمال طعامه ] الذي به قوامه ، [ بأن أنزل ] الغيث من السماء فصبه على الأرض صباً ، ثم شق للغَيْثِ الأرض شقاً / فأنبت فيها حباً ، يعني الزرع وسائر الحبوب . - { وَعِنَباً } . يعني : الكروم ، أي : وكُروم عِنَب . - { وَقَضْباً } . يعني : القت . وأهل مكة يسمون القت الصغير القضب ، كأنه يقطع مرة بعد مرة . يقال : قضبه : إذا قطعه . وحكى أبو عبيدة أنه الرطبة وقاله الضحاك . وقال الحسن : " القضب : العلف " . - { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ غُلْباً } . يعني البساتين التي قد حوِّط حولها بالبنيان . والغلب : الغلاظ ، يعني : وأشجار حدائق غلاظ . [ يقال ] : رجل أغلب للغليظ الرقبة . قال ابن عباس : الحدائق الغلب : ما التف من الشجر واجتمع . وقاله مجاهد . وعن ابن عباس أيضاً : الغلب : الطوال . ( وقال قتادة : هي النخل ، الكرام ) ، وقاله ابن زيد . - ثم قال تعالى : { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } . يعني بالفاكهة : ما يأكله الناس ، والأب : ما تأكله الأنعام من المرعى . وهو قول ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة . وعن ابن عباس أيضاً أنه " الثمار الرطبة " . - ثم قال تعالى : { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } . ( أي : متعة لكم ، يعني الفاكهة ما قبلها ، ولأنعامكم ) . يعني : الأبّ .