Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 6-17)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، إلى قوله { ( كُنتُمْ ) بِهِ تُكَذِّبُونَ } . أي : يبعثون يوم يقوم . ويجوز [ أن يكون ] بدلاً من { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } على الموضع . وقال الفراء : هو مبني على الفتح ، ولا يحسن عند البصريين بناؤه مع إضافته إلى معرب ، إنما يجوز بناؤه إذا أضيف إلى مبني . والمعنى : يوم يقوم الناس على أقدامهم لرب العالمين . روي أن الناس يقومون يوم القيامة حتى يلجمهم العرق ، فيقومون مقدار أربعين عاماً . وقيل : مقدار ثلاثمائة عام . وروى ابن عمر [ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال : " يَقْدُمُ أَحَدُكُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ " وروى أبو هريرة ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير الغفاري : " كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِ العَالَمِينَ مِقْدَارَ ثَلاَثَمائة سَنَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا لاَ يَأْتِيهِمْ خَبَرٌ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَأْمُرُ فِيهِمْ بِأَمْرٍ ؟ فَقَالَ بَشِيرٌ : اللهُ المُسْتَعَانُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم : إِذَا أَوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ ، فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ كَرْبِ ( يَوْمِ ) القِيَامَةِ وَسُوءِ الحِسَابِ " . وعن ابن عمر أنه قال : " يقومون مائة سنة " . وقال ابن مسعود : يمكثون أربعين عاماً رافعي رؤوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق كل بر وفاجر . قال : [ فينادي ] مناد : أليس عدلاً من ربكم أنه خلقكم ثم صوركم ( ثم رزقكم ) ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد منكم ما تولى في الدنيا ؟ ! فيقولون : بلى " ، ثم ذكر الحديث . وقال كعب : يقومون قدر ثلاثمائة سنة . وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تَدْنُو الشَّمْسُ يَومَ القيامةِ من الأَرضِ ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْرَقُ إلى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى رُكْبَتَيْهِ ، ومِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى عَجْزِهِ ، وَمنهم مَنْ يَعْرَقُ إلى خَاصِرَتِهِ ، وَمِنْهم مَنْ يَعْرَقُ إلى مَنْكِبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى عُنُقِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْرَقُ إلى نِصْفِ فَمِهِ مُلْحمَاً بِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ [ يَشْمَلُهُ ] العَرَقُ " قال عمير [ بن ] هانئ : يحشر الناس يوم القيامة على أرض قد مدها [ الله ] تبارك وتعالى مد الأديم العُكَاظِي ، فهم من ضيق مقامهم فيها كضيق سهام اجتمعت في كنانتها . قال : فالسعيد يومئذ من وجد لقدمه مقاماً . قال : وأكثر الأقدام يومئذ بعضها على بعض . قال : فهم فيها مجتمعون ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي . فبينما هم كذلك ، إذ سمعوا زفرة من زفير جهنم ، فلا يبقى ملك مقرب ، ولا نبيٌ مرسل إلا خَرَّ لركبتيه ، حتى إنَّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليقول : ( نفسي ) ، ( رب ) نفسي ، لا أسألك غيرها . فلا يبقى عند تلك الزفرة دمعة إلا جرت ، ثم يسمعون زفرة أخرى فلا يبقى دم في عين إلا جرى ، ثم يسمعون زفرة أخرى فلا يبقى قيح إلا سال يتبع بعضه بعضاً ، ويمد بعضه بعضاً حتى يسيل إلى واد يقال ( له سائل ، فيفرغ في جهنم ، فذلك قوله ) : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } [ المعارج : 1 ] . - ثم قال تعالى : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } . من جعل { كَلاَّ } وقفا ، كان تقديره : ليس الأمر كما يظن هؤلاء الكفار أنهم غير مبعوثين ، إن كتابهم الذي كتبت فيه أعمالهم في الدنيا لفي سجين . ومن لم يره وقفا ، جعل { كَلاَّ } بمعنى " أَلاَ " ، افتتاح كلام . و { سِجِّينٍ } : الأرض السفلى ، فيه أعمال الكفار وأرواحهم . وروي أن إبليس موثق بالحديد والسلاسل في الأرض السفلى . ( وسأل ابن عباس كعباً عن { سِجِّينٍ } ، فقال / : هي الأرض السابعة السفلى ) ، فيها أرواح الكفار تحت خد إبليس . وروي أنه قال ( له ) : إن أرواح الكفار يُصعد بها إلى السماء ، فتأبى السماء أن تقبلها ، ثم يُهبط بها إلى الأرض ، فتأبى الأرض أن تقبلها ، فيُهبط ، فتدخل تحت سبع أرضين حتى يُنتهى بها إلى سجين ، وهو خد إبليس ، فيخرج [ لها ] من سجين من تحت خد إبليس [ رق ] فترقم وتختم وتوضع تحت خد إبليس . وقال ابن جبير : { لَفِي سِجِّينٍ } : " تحت خد إبليس " . وقال ابن أبي نجيح : { سِجِّينٍ } صخرة تحت الأرض السابعة ، تقلب [ فتجعل ] تحتها . وقال ابن عباس : " أعمالهم في كتاب في الأرض السفلى " . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الْفَلَقُ جُبٌّ في جَهَنَّمَ مُغَطَّى . وأما { سِجِّينٍ } ، فمفتوح " . يعني أنه جب مفتوح . وقيل : { سِجِّينٍ } من السِّجِلِّ ، والنون مبدلة من اللام . وقال أبو عبيد : { لَفِي سِجِّينٍ } : لفي حبس . وهو فِعِّيلٌ من السجن . وقيل : { سِجِّينٍ } : هي الصخرة التي تحت الأرض السفلى وهو صفة ، وليس باسم الصخرة ، ولو كان اسماً لها لم تنصرف . وروى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ العَبْدَ ( الكَافِرَ - أَوْ ) الفاجِرَ - إِذَا مَاتَ صَعِدُوا بِروحِهِ إلى السماءِ ، فَيَقُولُ اللهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - : اكْتُبُوا كِتَابَه في سَجِّينٍ . وَهِيَ الأَرْضُ السُّفْلَى " . وعن كعب ( أيضاً ) أنه قال : في التوراة أن سجينا شجرة سوداء تحت الأرضين السبع ، مكتوب فيها اسم كل شيطان ، تُلْقَى أنفس الكفار عندها . - ثم قال تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } . أي : وأي شيء أدراك يا محمد ما سجين ؟ ! على التعظيم لأمره . ثم بَيَّنَ فقال : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } . أي : مكتوب فيه عمل الكفار . قال قتادة : مرقوم : مكتوب رُقِمَ لهم فيه بِشَرٍّ . - ثم ( قال تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } . قد تقدم تفسيره في مواضع ) . - ثم قال : { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } . أي : لا يؤمنون بالجزاء والبعث والنشور . - { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ } . أي : بالبعث ، { إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ … } أي : كل من تعدى حدود الله . { أَثِيمٍ } أي : مأثوم في فعله . { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا … } . أي : حججنا وأدلتنا . { قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ … } . أي : قال : هذه أخبار الأولين وأحاديثهم وما كتب عنهم وَسُطِّرَ . - ثم قال تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . { كَلاَّ } عند أبي حاتم لا يوقف عليها . وهي بمعنى " أَلاَ " [ و ] بمعنى " حقاً " . ويوقف عليها عند غيره ، على معنى : ليس الأَمْرُ على ما قال هؤلاء المكذبون بيوم الدين : إن آياتنا أساطير الأولين . ثم ابتدأ فأخبر عَنْهُم ما نزل بهم حين كفروا بالبعث فقال : { بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ، أي : ( بل ) ران على قلوبهم إِثْمُ ذُنُوبِهِمْ وكُفْرِهِمْ حتى غطاها ، فلا يبصرون الصواب من الخطأ . يقال : رانت الخمرُ على عقله : إذا غلبت ( عليه ) . وغَانَتْ بمعناه . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِذَا أَذْنَبَ العَبْدُ نُكِتَ ( فِي ) قَلبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإن ( تاب ) صُقِلَ مِنْهَا ، فإن عَادَ عَادَتْ حتى تَعْظُم فِي قَلْبِهِ . فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } " . وقال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى يَعْمَى القلب فيموت . قال مجاهد : القلب مثل الكف . فإذا أذنب انقبض - وقَبَضَ مجاهد أُصبُعاً - قال : فإذا أذنب انقبض - وقبض مجاهدٌ أصبعاً آخر - ثم كذلك حتى ينقبض كله - وقبض مجاهد أصابعه على الكف - قال : ثم يطبع عليه . فكانوا يرون أن ذلك هو الرين . قال قتادة : هو " الذنب على الذنب حتى يرين على القلب فَيَسْوَدُ " . قال ابن زيد : { بَلْ رَانَ } ، أي : غلبت على قلوبهم ذنوبُهم ، فلا يَخْلُصُ إليها معها خير . - ثم قال تعالى : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } . " كلا " عند أبي حاتم بمعنى " ألا " . ولا يوقف عليها . ويوقف عليها عند غيره ، على معنى : ليس الأمر كما يقول هؤلاء المكذبون بيوم الدين : إن لهم عند الله زلفة يوم القيامة لكنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، فلا يرونه ولا يرون شيئاً من كرامته . وقول أبي حاتم أَبْيَنُ في [ هذا الموضع ] من " كلا " ، لأن هذا التقدير ليس هو في ظاهر الكلام ، ولا في الكلام ما يدل عليه . ففيه تعسف . [ وَدَلَّ اللهُ المؤمنِينَ ، بهذه الآية ، أنهم لا يحجبون عن ربهم وعن النظر إليه . قال مالك رحمه الله : في هذا دليل على أن ثم قوماً لا يحجبون عن الله وينظرون إليه / . وبه استدل الشافعي على النظر إلى الله عز وجل يوم القيامة . وقد قدره منكرو النظر إلى الله على معنى أنهم عن كرامة ربهم لمحجوبون . وهذا لا يجوز عند أحد من النحويين ، ولو جاز هذا لجاز : " جاءني زيد " ، تريد غلام زيد أو كرامة زيد . وفي جواز هذا نقض كلام العرب كله . ولا يجوز إخراج الكلام عن ظاهره إلا لضرورة تدعو إلى ذلك مع امتناع جوازه على ظاهره . فإذا امتنع جواز الكلام على ظاهره ، جاز الإضمار الذي يسوغ معه جواز الكلام . ولا ضرورة تدعو إلى أضمارٍ هنا على مذهب أهل السنة . قال الحسن : يكشف ( الحجاب ) فينظر إليه المؤمنون دون الكافرين ، ثم يحجب الكافرون ، وينظر إليه المؤمنون كل يوم غُدْوَةً وَعَشِيَةً . - ثم قال تعالى : { ( ثُمَّ ) إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ } . أي : لَوَارِدُوهُ مع [ حجبهم ] عن النظر إلى الله . - { ثُمَّ [ يُقَالُ ] هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } . أي : يقال لهم : هذا العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا .