Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 10-25)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } ، إلى آخر السورة . ( أي ) : وأما من أعطي كتاب عمله وراء ظهره . وذلك أن تغلّ يده اليمنى إلى عنقه وتجعل الشمال من يديه وراء ظهره فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره . فلذلك وصفهم أنهم يُؤتُون كتابهم بشمالهم وأنهم يُؤتونها من وراء ظهورهم . قال مجاهد : " تجعل يده من وراء ظهره " . روي أنه يعني به الأسود بن عبد الأسد أخا أبي سلمة هو أول من يأخذ كتابه بشماله . روي أنه يمد يده ليأخذه بيمينه [ فيجتذبه ] ملك فيخلع يده فيأخذه بشماله من وراء ظهره . ثم هي عامة في أمثالهما . - ثم قال تعالى : { فَسَوْفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً } . أي : ينادي بالهلاك ( ويقول ) ( وا ) ثبوراه ، و " ياويلاه " . تقول العرب دعا فلان لَهفَه : إذا قال والهَفَاهُ . قال الضحاك : { يَدْعُواْ ثُبُوراً } ، أي : " يدعوا بالهلاك " . - ثم قال تعالى : { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً } . من شدده فمعناه [ ويصليهم ] الله النار تصلية بعد تصلية [ وإنضاجة بعد إنضاجة ] كما قال : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [ النساء : 56 ] . ومن خفف ، فمعناه أنهم يصلونها ويَرِدُونها [ فيحترقون ] فيها . - ثم قال تعالى : { إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } . أي : إنه كان في الدنيا مسرورا بما هو فيه من خلافه أمرَ الله وكفره به . - ثم قال تعالى : { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن ( يَحُورَ * بَلَىٰ ) … } . ( أي ) : إنه ظن [ أنه ] لن يرجع بعد الموت ولا يبعث ، فركب المعاصي وتمادى على الكفر إذ يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً . - ثم قال : { بَلَىٰ } أي : بلى يبعث / ويرجع إلى ربه [ ويجازى ] على عمله . { إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } . أي : إن ربه لم يزل بصيراً بما يأتي من أعماله قبل خلقه إياه وبعد خلقه . يقال : حار فلان عن كذا ، أي : رجع عنه ومنه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول فِي دُعائِهِ : " الّلهم إنّي أَعُوذّ بِكَ مِن الحَوْرِ بَعدَ الكَونِ " ( أي ) : من الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان . وقيل : معناه : من النقصان بعد الزيادة . - ثم قال : { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ } . لا زائدة مؤكدة . والمعنى فأقسم برب الشفق . والشفق الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس بعد غروب الشمس . وقال مجاهد : " الشفق : النهار كله " . وقيل : الشفق اسم للحمرة والبياض اللذين يكونان في السماء بعد غروب الشمس ، وهو من الأضداد . والشفق الذي تَحلّ بزواله صلاة العَتَمَةِ هو الحُمرةُ عند أكثر العلماء ، وهو اختيار الطبري . والعرب تقول : ثَوبٌ مُشفّقٌ : إذا ( كان مصبوغاً ) بحُمرةٍ . ثم عطف على القسم فقال : { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } . أكثر المفسرين على أن معنى { وَمَا وَسَقَ } : وما جَمَعَ وما آوى وما ستر . ومنه [ يقال ] : طعام مسوق : وهو المجموع في غرائر أو وعاء . ومنه الوَسْقُ وهو الطعام المجتمع الكثير مما يُكَالُ أو يوزن . ويقال : هو ستون صاعاً ، وبه ( جاء الأثر ) عن النبي صلى الله عليه وسلم . وعن مجاهد : { وَمَا وَسَقَ } " وَمَا لفّ " . وعنه : " وَمَا جمع … " . وعنه : " وما أظلم عليه ، وما دخل فيه " . وقال عكرمة : ( وما وسق ) " وما [ ساق ] من ظلمة " . وهو قول الضحاك : - ثم قال تعالى : { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } . قال ابن عباس : { ٱتَّسَقَ } : استوى واجتمع . وقاله عكرمة . وقال الحسن : { إِذَا ٱتَّسَقَ } إذا اجتمع وامتلأ . وقال ابن جبير : { إِذَا ٱتَّسَقَ } ذلك لثلاث عشرة . وقال قتادة : { إِذَا ٱتَّسَقَ } . إذا استدار . - ثم قال تعالى : { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } . هذا جواب القسم . والمعنى - على قراءة من ضم الباء - { لَتَرْكَبُنَّ } أيها الناس حالاً بعد حال . والإنسان المتقدم ذكره بمعنى الناس ، لأنه اسم للجنس ، فعليه يعود الضمير في { لَتَرْكَبُنَّ } لأنه قد تقدم ذكرهم في قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } وشماله ، وتأخر أيضاً ذكره في قوله : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، فلا يصرف الخبر عنهم في { لَتَرْكَبُنَّ } إلى غيرهم إلا بدليل . وقال ابن زيد : معناه { لَتَرْكَبُنَّ } أيها الناس الآخرة بعد الأولى . فأما من فتح الباء ، فإنه جعله مصروفاً إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . والمعنى : لتركبنّ - يا محمد - سماء بعد سماء ، وهو قول الحسن وأبي العالية والشعبي . وقيل : التقدير لتركبَن - يا محمد - الأمور بتغيرها حالاً بعد حال . [ وقيل : المعنى لَتَركبنّ الأمور حالاً بعد حال فتكون الأمورُ فاعلة ، [ والتاء لتأنيث ] الجمع . وهو قول مجاهد ] . وقيل : المعنى : لتركبنّ السماء في تشققها وتلونها حالاً بعد [ حال ] ، فيكون الفعل للسماء . وهو قول ابن مسعود . وقال : مرة كالدهان ومرة تشقق . وكان ابن عباس يقرأ بفتح الباء ( ويقول : يعني نبيّكم صلى الله عليه وسلم يقول : حالاً بعد حال . وقال ابن زيد : معنى ذلك : لتركبَنّ يا محمد الآخرة بعد الأولى . وقيل : القراءة بفتح الباء ) على مخاطبة الإنسان على اللفظ ، أي : لتركبنّ أيها الإنسان حالاً بعد حال ، من مرض وصحة وشباب وهرم . وقيل : ذلك في يوم القيامة . فتكون على هذا القراءتان [ ترجعان ] إلى معنى ، إلا أن إحداهما حملت على المعنى فأتت بلفظ الجمع ، والأخرى حملت على اللفظ فجاءت بلفظ التوحيد . وحكى الفراء أنه يقال : وقع في بنات طبق ، إذا وقع في أمر شديد . ويقال : مضى طبق من الناس ومضت طبقة وجاءت طبقة . سُمّوا طبقاً لأنهم يطبقون الأرض . وقد روي عن بعضهم [ أنه ] قرأ بالياء وضم الباء على الإخبار عن الناس أنهم سَيَرْكبونَ حالاً بعد حال من الشدائد والأهوال . - ثم قال تعالى : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } . أي : فما لهؤلاء المشركين لا يصدقون بالبعث بعد الموت ؟ ! وقد أقسم لهم ربهم أنهم راكبون حالاً بعد حال من شدائد القيامة وأهوالها . { وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ ٱلْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ } : لا يخضعون ولا يستكينون . - ثم قال تعالى : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } . أي : يكذّبون بآيات ( الله ) ، فلذلك ينكرون البعث . - { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } . أي : والله أعلم بما توعيه قلوب هؤلاء المشركين من التكذيب بآيات الله . وقال مجاهد : { بِمَا يُوعُونَ } بما يكتمون في صدورهم . قال الرياشي : يقال أوعى الشيء : إذا كتمه . وحكى أهل اللغة : أوعيت المتاع في الوعاء ، أي : جمعته . فالمعنى على هذا : والله أعلم بما يجمعون في صدورهم من التكذيب ، والإثم . - ثم قال تعالى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . أي : الذي يقوم لهم مقام البشرى ، عذاب أليم أي : موجع . والبشارة تكون بالخير والشر . فإذا أفردت كانت خيراً . يقال : بشّرته وبشَرته خفيفاً . وقيل : إن البشارة لا تكون إلا للخير / فإن وقعت للشرّ فهو مجاز ، على معنى : الذي يقوم مقام البشارة كذا وكذا . - ثم قال تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } . أي : إلا الذين تابوا منهم وصدقوا بكتاب الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة لهم عند الله ثواب غير منقوص . قال ابن عباس : { غَيْرُ مَمْنُونٍ } ، أي : " غير منقوص " . وقال مجاهد : " غير محسوب " . وقيل : معناه : لهم أجر لا يُمَنّ عليهم به فيكدر .