Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-9)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } ، إلى قوله : { ( إِلَىٰ أَهْلِهِ ) مَسْرُوراً } . أي : إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبواباً . قال الفراء : تنشق بالغمام . - وقوله : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } . أي : وسمعت السماء ( في ) تصديعها وتشققها لربها فأطاعت له . والعرب تقول : أذِنَت إلى هذا الأمر آذنُ ، بمعنى : استمعت . ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أذِنَ الله لشيءٍ كأذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغنّى بالقرآن " يعني : ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن . وقال ابن عباس : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } أي : " سمعت لربها " . وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك وسفيان . وقوله : { وَحُقَّتْ } ، أي : وحقق الله عليها الاستماع لأمره بالانشقاق . قال ابن عباس : { وَحُقَّتْ } ، أي : وحقت بطاعة ربها . وقال ابن جبير : { وَحُقَّتْ } أي : ويحق لها أن تسمع وتطيع . وقاله أبو عبيدة . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } . أي : بسطت فريد في سعتها . وروى الزهري عن علي بن حسينٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذَا كَان يَومُ القِيَامَةِ مَدّ اللهُ - جَلّ ثَنَاءُهُ - الأرضَ مدَّ الأدِيمِ فلا يَكُونُ لِبَشَرٍ مِن بَنَي آدم فِيهَا إلاّ مَوضِعُ قَدَمِهِ … " . - ثم قال تعالى : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا ( وَتَخَلَّتْ ) } . أي : ( وألقت الأرض ) ما فيها من الموتى علقَ ظهرها وتخلت منهم ( إلى الله جل ) ذكره . قال مجاهد : { ( وَأَلْقَتْ ) مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } ، أي : أخرجت ما فيها من الموتى " . وقال قتادة : " أخرجت ( أثقالها ) وما فيها " . - ثم قال تعالى : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } . أي : وسمعت الأرض أمر ربها في إلقائها ما في بطنها من الموتى على ظهرها وحققها الله للاستماع . وقيل : معناه وحقّ لها أن تسمع أمره . واختلف في جواب { إِذَا } والعامل فيها . فقال الأخفش : التقدير : إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت . فيكون العامل في { إِذَا } على قوله فملاقيه . وقيل : التقدير : اذكر يا محمد إذا السماء انشقت . وقيل : الجواب : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ } ، على إضمار الفاء : كما تقول : إذا كان كذا وكذا ، فيا أيها الإنسان ترى ما عملت من خير وشر . وقيل : جواب { إِذَا } الأولى والثانية : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } . وقيل : التقدير : إنك كادح إلى ربك كَدَحاً إذا السماء انشقت . وهذا لا يجوز لأن الكدح : العملُ ، فمحال أن يعمل في وقتِ انشقاق السماء / . وقيل : الجواب : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } ، و [ الواو ] زائدة ، أي : إذا السماء انشقت ، ( أذنت لربها . وقيل : الجواب محذوف . والتقدير : إذا السماء انشقت ) ، رأيت الثواب والعقاب . وقال المبرد : التقدير : إذا السماء انشقت ، فأما من أوتي كتابه بيمينه . - ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } . أي : إنك عامل إلى ربك عملاً في دنياك ، فأنت ملاقيه خيراً كان أو شراً ، فليكن عملك ما ينجيك من عقابه ويوجب لك ثوابه . قال قتادة : " إن كدحك لك يا ابن آدم [ لضعيف ] ، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، ولا قوة إلا بالله " . [ قال ] ابن عباس وابن زيد وغيرهما : كادح : عامل . والوقف في أول هذه السورة على مقدار ما تقدم من جواب { إِذَا } والعامل فيها ، فلا تقف على ما قبل الجواب ولا ما قبل العامل . وقد ذكر الاختلاف في ذلك . - قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } . أي : من أعطي كتاب عمله [ يومئذ ] بيمينه ينظر في عمله فيغفر له [ سيئه ] ، ويجازى على حسنه . قالت عائشة رضي الله عنها : سَمِعتُ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " اللّهُمّ حَاسِبْنِي حِسَاباً يَسيراً ، فَقُلت : يَا رسولَ الله ، مَا الحِسَابُ اليَسير ؟ قال : ( أن ) يُنظَرُ فِي سيّئاتِهِ فَيُتجاوَزُ عَنْهُ ، إنّهُ من نُوقِشَ الحِسَابَ يَومَئذٍ هَلَكَ " . وروى ابن ( أبي ) مليكة عن عائشة أيضاً أنها قالت : " قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : [ إِنّهُ لَيْسَ أحدٌ يُحاسبُ يَومَ القِيامَةِ إلا معذّباً ، قالت : يَا رسُول الله ] ، يقول الله جلّ وعزّ : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } . قال : ذَلِكَ العرض ، إنّه من نُوقش الحِساب عذّب " . قال ابن زيد : الحسابُ اليسيرُ : الذي تغفر ذنوبه وتتقبل حسناته وتيْسيرُ الحساب الذي يُعفى عنه ، وقرأ : { وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } [ الرعد : 21 ] ، وقرأ : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [ الأحقاف : 16 ] . والمحاسبة بين العبد و ( بين ) ربه إنما هي إقرار العبد بما أحصاه كتاب عمله . وروى ابن وهب " أن عائشة رضي الله عنها قالت : " يا نَبيّ ( الله ) ، كَيْفَ { حِسَاباً يَسِيراً } ؟ قال : يُعطى العَبْدُ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقرأ سَيّئاتِهِ ويَقرأ النّاس حَسَناتِهِ ، ثُمّ تُحوّل صَحيفَـتُهُ فيحوّل اللهُ سَيّئاته حَسَناتٍ ، فيقرأ حَسَناتِه ويَقرأ النّاسُ سَيّئاتِه حَسناتٍ ، فَيَقُولُ الناسُ : مَا كان لِهَذا العَبْدِ سيّئةٌ . قال : فَيُعرّفُ بِعَمَلِهِ ويُغْفَرُ لَهُ ، فَذَلِك قولُه تَعالَى : { يُبَدِّلُ ٱللَّهُ [ سَيِّئَاتِهِمْ ] حَسَنَاتٍ } " . - وقوله : { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } . أي : وينصرف بعد محاسبته حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا بما أعد الله له وما نجاه منه . وروي أن أول من يأخذ كتابه بيمينه أبو سلمة بن عبد [ الأسد ] ، وهو أول من يدخل الجنة من هذه الأمة ، وهو أول من هاجر من مكة إلى المدينة .