Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَٱلشَّفْعِ } . إلى قوله : { ٱلْبِلاَدِ } . قال ابن عباس : الفجر " النهار " . وعنه أن الفجر عنى به " صلاة الفجر " . وقال عكرمة : هو " فجر الصبح " . وقيل : هو صبيحة يوم النحر . وهو قسم والتقدير فيه : ورب الفجر . وقوله : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } أكثر المفسرين على أنها [ العشر ] الأولى من ذي الحجة . وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } : عشر الأضحى . وإنما جعلها عشر ليال ، لأن ليلة يوم النحر دخلت فيها ، لأن الله جعل ليلة يوم النحر ليوم عرفة فصار ليوم عرفة ليلتان رفقاً بعباده ، فلذلك من لم يدرك الوقوف بعرفة يوم عرفة وقف ليلة يوم النحر وتم حجه ، لأن ليلة يوم النحر ليلة ( يوم عرفة أيضاً فصارت ليلة يوم النحر داخلة في حكم يوم ) عرفة ، يجزي فيها ما فات من الوقوف بعرفة يوم عرفة . ولا يجزئ الوقوف بعرفات - ليلة يوم عرفة - عن يوم عرفة ، فصارت ليلة يوم النحر أخص بيوم عرفة من ليلة يوم عرفة ( بيوم عرفة ) ، فاعرفه ، فلذلك جعل ليالي العشر عشر ليال وأقسم بها . وقال مجاهد : ليس عمل في ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر ، وهي عشر موسى التي أتمها الله جل وعز له . وعن ابن عباس أيضاً أنها العشر الأواخر من رمضان . وحكى الطبري أن بعضهم قال : [ هي ] العشر الأول من المحرم . ثم قال تعالى : { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } . قال ابن عباس : " الشفع : يوم النحر ، والوتر : يوم عرفة " . وقاله عكرمة . وقال الضحاك : { وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } ، أقسم الله بهن لما يعلم من فضلهن على سائر الأيام : فالعشر ذي الحجة ، والشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفة . وقال عبد الله بن الزبير : الشفع : اليومان اللذان بعد يوم النحر ، والوتر : ( اليوم ) الثالث / ، وهو يوم النفر الآخر ، قال الله { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } [ البقرة : 203 ] . وعن ابن عباس أيضاً : أن الشفع الخلق كلهم ، والوتر الله ، هو وتر واحد وخلقه شفع . وقيل : الشفع صلاة الغداة ، والوتر صلاة المغرب . وهو قول مجاهد ومسروق . وعن مجاهد [ أيضاً ] أن الشفع والوتر : الخلق كلهم منهم [ شفع ] ( [ و ] منهم ) وتر . وهو قول الحسن . وقال ابن زيد : كان أبي يقول : كل شيء خلا الله عز وجل شفع ووتر ، فأقسم - جل ذكره - بما خلق مما تبصرون وما لا تبصرون . وقال قتادة عن عمران بن الحصين أنه كان يقول : الشفع والوتر : الصلاة منها شفع كالظهر والعصر ، ومنها وتر كالمغرب . وقال الربيع بن أنس : الشفع والوتر : صلاة المغرب ، فالشفع منها الركعتان الأوليان ، والوتر الركعة الثالثة . وروى عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ } " هي الصلاة : منها شفع ، ومنها وتر . وروى قتادة أن الحسن كان يقول : الشفع والوتر هو العدد ، [ منه ] شفع ومنه وتر . [ وقيل : الشفع آدم صلى الله عليه وسلم وحواء ، والوتر : الله عز وجل ، وتر كل شيء ] . والفتح والكسر في الوتر لغتان : الفتح لغة أهل الحجاز ، والكسر لغة بني تميم . وقال الفراء : والكسر لغة قيس وأسد أيضاً . فأما الوتر الذي هو الترة ، ففيه أيضاً لغتان : الفتح والكسر . أهل الحجاز يفتحون ، وغيرهم يكسره . ثم قال تعالى : { وَٱلَّيلِ إِذَا يَسْرِ } أي : يسري أهله . وقيل : معناه : والليل إذا سار وذهب . وهي ليلة جمع ، ليلة المزدلفة . قال ابن عباس : إذا يسري : إذا ذهب . وقال أبو العالية : إذا سار . وقال ابن زيد : إذا يسير . وقال عكرمة : إذا جمع . ثم قال تعالى : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } أي : إن في هذا القسم لكفاية لذي عقل . عظم الله تعالى جل ذكره هذه الأزمنة التي أقسم بها ، وهي عشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم النحر وليلة المزدلفة . وأعيد ذكر [ يوم ] عرفة ، وقد دخل في العشر لشرفه . وقيل : أعيد لأنه أقسم أولاً بالليالي ، وأعيد ذكر اليوم ، لأنه لم يدخل في الليالي . قال ابن عباس : { لِّذِى حِجْرٍ } : لصاحب نُهىً وعقلٍ . وقال الحسن : " لذي حلم " . قال قتادة : " لذي عقل ولب " وجواب القسم : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ } . [ وقال مقاتل : " هل " هاهنا في موضع " إن " ، وتقدير الكلام : " إن في ذلك قسماً . ذكره الماوردي . فعلى هذا التأويل ، تكون " هل " جواب القسم . والله أعلم ] . وقيل الجواب : إن ربك لبالمرصاد ، وهو الصواب إن شاء الله ، لأن " هل " ليست من أجوبة القسم . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } . من صرف عاداً جعله للحي أو للأب . وقد قرأ الضحاك بغير صرف ، جعله اسماً للقبيلة . وقرأ الحسن : " بعاد إرم " بإضافة " عاد " إلى " إرم " ، ولم يصرف { إِرَمَ } ، جعل " إرم " اسم مدينة فلم يصرفها . قال محمد بن كعب القرظي : إرم : " الإسكندرية " . قال [ المقبري ] : إرم : دمشق ، رواه عنه ابن وهب . وقوله : { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } [ الأحقاف : 21 ] ، يدل على خلاف هذين القولين ، لأن الأحقاف جمع : حقف ، والحقف ما التوى من الرمل ، وليس كذلك دمشق ولا الإسكندرية ، وإنما يجوز هذا التأويل على أن يكون [ عاد ] [ هاهنا ] غير عاد أصحاب الأحقاف . وقال مجاهد : إرم : " أمة " . وعنه أيضاً أن إرم معناه : " القديمة " . وقال قتادة : كنا نحدث أن إرم قبيلة من عاد ، مملكة عاد . وهذا قول يصح معه ترك صرف " إرم " . وقال ابن إسحاق : إرم جد عاد ، وإرم هو إرم بن عوص بن سام بن نوح . وليزم على هذا أن يصرف لأنه مذكر . وعن ابن عباس أن معناه : بعاد الهالك ، ويلزم صرفه على هذا ، لأنه وصف . وقال بعض أهل النسب : إرم هو سام بن نوح ، ويلزم صرفه أيضاً لأنه مذكر . وقيل : إن { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } كانت مدينة عظيمة موجودة في ذلك الوقت . وقوله { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } نعت " لعاد " إن جعلته ( اسما ) للقبيلة أو لإرم فمعناه : ذات الطول لأن العرب تقول للرجل الطويل : معمد ، وكانت قبيلة عاد طوال الأجسام . [ قال ] ابن عباس : " كان طولهم مثل العماد " . [ وقال ] مجاهد : " كان لهم جسم في السماء " . وقيل : إنما قيل : { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } ، لأنهم كانوا أهل عمد ينتجعون الغيوث وينتقلون ( إلى ) الكلا حيث كان ويرجعون إلى منازلهم . هذا معنى قول مجاهد . وقال ابن زيد : { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } ، قيل لهم ذلك لبناء بناه بعضهم فشيد عمده ورفع بناءه حين كانوا في الأحقاف ، وهو قوله : { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } [ الشعراء : 128 ] الآية . وقوله : { ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } أي : مثل تلك الأعماد . وقيل : إنما وصفوا [ بذلك ] لشدة أبدانهم وقوتهم . والهاء في { مِثْلُهَا } تعود على عاد ، لأنها قبيلة أو على إرم لأنها مدينة . قال قتادة : ذكر / أنهم كانوا اثني عشر ذراعاً ، وهو قوله : { وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } [ الأعراف : 69 ] .