Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 9-30)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ } إلى آخر السورة . أي : وألم تر - يا محمد - كيف فعل ربك بثمود - وهم قوم صالح - الذين نقبوا الصخر وخرقوه واتخذوه بيوتا ؟ ! وهو قوله : { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } [ الحجر : 82 ] . والعرب تقول : " جاب فلان [ الفلاة ] يجوبها جوْباً " إذا دخلها وقطعها . قال ابن عباس : { جَابُواْ ٱلصَّخْرَ } ، أي : خرقوها ، يعني : قوم صالح كانوا ينحتون من الجبال ( بيوتا ) . قال مجاهد : " جابوا الجبال فجعلوها بيوتا " . ثم قال تعالى : { وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } أي : أو لم تر ، يا محمد ، فعل ربك بفرعون ذي الأوتاد ؟ ! قال ابن عباس : الأوتاد هنا " الجنود الذين يشدون له أمره " . وقيل : معناه ذي الجنود الكثيرة الذين يحتاجون [ لضرب ] الأوتاد في أسفارهم . وقال مجاهد : وصف بذلك ، لأنه كان [ يتد أوتاد ] الحديد في أيدي الناس وأرجلهم يقتلهم بها . وقال قتادة : وصف بذلك ، لأنه كانت [ له مظال ] وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد [ وحبال ] . وروى ثابت البناني عن أبي رافع أن فرعون " وتد لامرأته ( أربعة ) أوتاد ، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت " . وقال ابن جبير : وصف بذلك : لأنه كان يعذب الناس بالأوتاد ، قال : [ فكان ] يجعل رجلاً هاهنا ورجلاً هاهنا ، ويداً هاهنا [ ويدا ] هاهنا بالأوتاد ، وقاله مجاهد أيضاً . وعن ابن جبير أيضاً أنه إنما وصف بذلك ، لأنه كان له بنيان يعذب الناس عليه ، قال : كان له منارات يعذب الناس عليها . وقوله : { ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أي : تجاوزوا حدود الله عتوا على ربهم في البلاد التي كانوا بها فأكثروا في تلك البلاد الفساد بركوبهم المعاصي . ثم قال تعالى : { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } أي : فأنزل بهم ربك ( يا محمد ) عذابه نقمة منه لهم لكفرهم ، يعني جميع من تقدم ذكره من الكفرة . والعرب تقول لكل عذاب شديد عذب به المعذب : سوط خزي . فقوله : { سَوْطَ عَذَابٍ } ، واقع على أنواع ( من العذاب عذب الله بها هذه الأمم ) المذكورة في الدنيا فأهلكهم بها . [ وكذا حكى الماوردي : { سَوْطَ عَذَابٍ } أي : خلط عذاب لأنه أنواع ] . قال مجاهد : { سَوْطَ عَذَابٍ } " ما عذبوا به " . وهو قول ابن زيد ( وغيره ) . ثم قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } أي : إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قصصهم ولغيرهم من أمثالهم لبالمرصاد يرصدهم على قناطر جهنم فيكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة . وقيل : معناه : لا يفوته هارب . وقال ابن عباس : { لَبِٱلْمِرْصَادِ } أي : " يسمع ويرى " . وقال الضحاك : إذا كان يوم [ القيامة ] يأمر الله عز وجل بكرسيه فيوضع على النار فيستوي عليه ويقول : " وعزتي لا يجاوزني اليوم ( ذو ) مظلمة " . فذلك قوله جل ثناؤه : { لَبِٱلْمِرْصَادِ } . وقال سفيان : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } يعني : جهنم عليها ثلاث [ قناطر ] : قنطرة فيها الرحم ، وقنطرة فيها الأمانة ، وقنطرة فيها الرب جل ثناؤه . قال [ عمرو ] بن قيس : بلغني أن على جهنم ثلاث [ قناطر ] فقنطرة عليها الأمانة إذا مروا بها تقول : ( يا رب ) ، هذا ( أمين ، يا رب هذا خائن . وقنطرة عليها الرحم إذا مروا بها تقول : هذا ) واصل ، هذا قاطع . وقنطرة عليها الرب تعالى ذكره { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } . وقال الحسن : { لَبِٱلْمِرْصَادِ } أي : " مرصاد عمل بني آدم " . قال ابن مسعود : والفجر إن ربك لبالمرصاد . يعني أنه جواب القسم . ويروى أن على جسر جهنم ( سبع ) [ قناطر ] محابس ، بين كل قنطرتين سبعون عاما ، وعرض [ الجسر ] كحد السيف مدحضة مزلقة ، في الرقة مثل الشعرة ، فيسأل الناس [ عند أول ] قنطرة من الإيمان ، فإن جاء به تاماً جاز إلى القنطرة الثانية ، ثم يسأل عن [ الصلوات ] الخمس ، فإن جاء بها [ تامة ] جاز إلى ( القنطرة ) الثالثة ، ثم يسأل عن الزكاة ، فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابعة ، ثم يسأل عن صيام رمضان فإن جاء به تاما جاز إلى الخامسة ، ثم ( يسأل ) عن الحج ، ثم ( يسأل ) عن صلة الرحم . قال نافع ( و ) الرؤاسي : { إِرَمَ } وقف جيد . وهو بعيد لأن { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } نعت لما قبلها أو بدل منه . والوقف عند الأخفش وغيره { أَهَانَنِ } . والاختيار الوقف على " كلا " وهو قول نصير وأحمد بن موسى / . والمعنى : كلا ، [ لم أهنه بتقديري ] عليه رزقه . وقال الفراء : معناه : كلا ، لم يكن ينبغي للإنسان أن يقول هذا ، ولكن يجب عليه أن يحمد الله على الأمرين جميعا ، على الغنى والفقر . وقوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } . أي : فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والسعة فرح بذلك ، وقال : ربي أكرمني بهذه الكرامة . وأما إذا ما امتحنه فضيق عليه رزقه وقَتَّره عليه غَمَّه [ وقال ] : ربي أهانني وأذلني بالفقر ، فلم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه . قال قتادة : { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } " ما أسرع ما كفر ابن آدم " . وقوله : { كَلاَّ } . هو إنكار من الله أن يكون سبب كرامته من أكرم [ كثرة ] المال ، وسبب إهانته من أهان قلة المال . قال قتادة معناه : لا أكرم من أكرمت بكثرة المال ولا أهين من أهنت بقلته ، ولكن إنما أكرم من أكرمت بتوفيقه إلى [ طاعتي ] ، وأهين من أهنت بخذلانه وارتكاب لمعصيتي . ( ودل على ذلك قوله : { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } إلى { جَمّاً } أي : فبهدا أهين من أهنت ، لأنه مرتكب لمعصيتي ) مخذول ممنوع عن طاعتي . وقيل : معناه : لم يكن الإنسان أن يحمد الله على النعم دون الفقر ، ولكن ينبغي له أن يحمده على الأمرين جميعاً ، على الغنى والفقر . والوقف على { أَهَانَنِ } حسن ، وتكون " كلا " في الابتداء بمعنى " حقاً " ، أو بمعنى " ألا " . وهو قول الأخفش وأحمد بن موسى . وأجاز أبو حاتم الوقف على ( أهنن ) وعلى ( كلا ) . والوقف عند نصير والفراء على " كلا " ، وهو الاختيار ، لأنها عند أهل التفسير رد لما قبلها . ( وقد ) قال الحسن : " كلا " معناه : ليس يهان أحد بفقر ولا غنى . وقاله قتادة . وقوله : { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } أي : بل إنما أهنت من أهنت ، لأنه لا يكرم اليتيم ولا يحض الناس ولا نفسه على طعام المسكين . ثم قال تعالى : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } أي : وأهنتكم لأنكم تأكلون الميراث أكلاً شديداً . { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي : كثيراً . قال ابن عباس : { أَكْلاً لَّمّاً } ، أي : سفاً ، وجماً : شديداً . وقال الحسن : معنى { لَّمّاً } ، أي : يخلطون الحلال بالحرام . وقال ابن زيد : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } ، أي : تأكلون كل شيء تجدونه من الميراث وغيره ، لا تسألون عنه ، يأكل الذي له والذي لصاحبه . [ قال ] : كانوا لا [ يورثون ] النساء ولا [ يورثون ] الصغار ، وقرأ { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 127 ] … إلى قوله { عَلِيماً } [ النساء : 127 ] . فقوله : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ } [ النساء : 127 ] ، يعني : يستضعفوهم [ فلا يؤتونهم ] . قال : وقوله : { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } , أي : وتحبون جمع المال واقتناءه حبا كثيرا . والعرب تقول : " جم الماء في الحوض " : إذا اجتمع وكثر . ثم قال تعالى : { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } . الوقف على " كلا " حسن ، ومعناه : ليس هكذا ينبغي أن يكون الأمر أن تأكلوا الميراث أكلا شديدا ، وتحبوا جمع المال حباً كثيراً . ولا تكرمون اليتيم بالصدقة ، ولا تحضون على طعام المسكين . وقيل : المعنى : لا يغني عنكم جمع المال شيئاً . وقوله تعالى : { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ } ، أي : رجت وزلزلت مرة بعد مرة . قال ابن عباس : هو " تحريكها " . ثم قال تعالى : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } أي : والملائكة صفاً بعد صف . وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قال : إذا كان يوم القيامة ، مدت الأرض مد الأديم ، وزيد في سعتها كذا وكذا ، وجمع الخلائق بصعيد واحد ، جِنَّهم وإنسهم ، فإذا كان [ ذلك ] اليوم قيضت السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض ، ولأهل هذه السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض ، جنهم وإنسهم بضعف ، [ فإذا مروا ] على وجه الأرض فزعوا منهم ، فيقولون : ( أفيكم ربنا ؟ فيفزعون من قولهم ، فيقولون ) سبحان ربنا ، ليس فينا وهو آتٍ ثم تقاض السماء الثانية ، فأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل سماء الدنيا ومن جميع أهل الأرض بضعف جنهم وإنسهم ، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون : أفيكم ربنا ؟ فيفزعون من كلامهم ويقولون : سبحان الله ، ليس فينا ، وهو آت ثم تقاض السماوات سماءً ( سماءً ) ، كلما قيضت سماء عن أهلها كانت / أكثر من أهل السماوات التي تحتها ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون ، لهم مثل ذلك ، ويرجعون إليهم مثل ذلك ، حتى [ تقاض السماء ] السابعة ، فلأهل السماء السابعة أكثر من أهل ست سماوات ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فيجيء الله عز وجل فيهم وجميع الأمم جثيٌّ [ صفوف ] ، وينادي مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، ليقم الحمادون لله على كل حال . قال : فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثانية : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ؟ فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثالثة : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ؟ فيسرحون إلى الجنة ، قال : فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة ، عنق من النار فأشرف على الخلائق له عينان تبصران ولسان فصيح فيقول : إني وكلت منكم بثلاثة : بكل جبار عنيد ، [ فيلتقطهم ] من الصفوف لقط الطير حب السمسم فيخنس بهم في جهنم ، [ ثم ] [ يخرج ] ثانية [ فيقول ] : إني وكلت منكم بمن آذى الله ورسوله ، [ فيلتقطهم ] [ من الصفوف ] لقط الطير حب السمسم [ فيخنس ] بهم في جهنم . قال شهر ابن حوشب : وأحسب أنه ذكر في الثالثة أهل التصاوير [ فيلتقطهم ] كذلك . قال : فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة ، ومن هؤلاء ثلاثة ، نشرت الصحف ووضعت الموازين ودعي الخلائق للحساب . وقال الضحاك : إذا كان يوم القيامة ، أمر الله جل ذكره السماء الدنيا بأهلها ، فنزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، كذلك إلى السابعة ، فصفوا صفا دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى ، على مجنبته اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض نادوا ، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله عز وجل : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } [ غافر : 32 - 33 ] . وقرئ بتشديد الدال من ند البعير : إذا فر . قال : ذلك قوله : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } . وقوله : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ … } [ الرحمن : 33 ] الآية . وهو قوله : { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ } [ الحاقة : 16 - 17 ] . روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال ) : " توقفون موقفاً واحداً يوم القيامة مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى ينقطع الدمع ، ثم تدمعون دما وتبكون حتى يبلغ ذلك منكم [ الأذقان ] ويلجمكم وتضجون ثم تقولون : [ من ] يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا ؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم ، قبل الله توبته وخلقه بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه [ قبلاً ] ، فيؤتى آدم ، فيطلب ذلك إليه فيأبى ، ثم الأنبياء - نبياً - نبياً - كلما جاؤوا نبياً أبى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى يأتونني فإذا جاءوني خرجت حتى أتي الفحص . قال أبو هريرة رضي الله عنه : يا رسول الله ، وما الفحص ؟ قال قدام العرش ، قال : فأخر ساجداً ، قال : فلا أزال ساجداً حتى يبعث الله إلي ملكاً فيأخذ بعضدي فيرفعني ، فيقول الله جل وعز [ لي ] : يا محمد ، فأقول : نعم ، وهو أعلم ، فيقول : ما شأنك ؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك واقض بينهم ، فيقول تعالى : قد شفعتك ، أنا آتيهم وأقضي بينهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنصرف حتى أقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف ، سمعنا حساً من السماء شديداً ، فهالنا ، فنزل أهل سماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الإنس والجن ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض لنورهم ، وأخذوا [ مصافهم ] [ فقلنا ] ( لهم ) : أفيكم ربنا ؟ [ فقالوا ] : لا ، وهو آت . ثم نزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة وبمثل من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض لنورهم وأخذوا مصافهم ، فقلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ فقالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزل أهل السماوات على قدر ذلك من التضعيف ، حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة لهم زجل من تسبيحهم / يقولون : سبحان الملك ذي الملكوت ، سبحان رب العرش ذي الجبروت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، قدوس قدوس سبحان ربنا الأعلى سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والسلطان والعظمة ، سبحانه أبداً أبداً ، فينزل تعالى جل ذكره يحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعة أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسماوات إلى حجزهم والعرشُ إلى مناكبهم . قال : فيضع الله جل ذكره كرسيه حيث شاء من الأرض ، ثم ينادي بنداء يسمع الخلائق فيقول : يا [ معشر الجن ] والإنس [ إني ] قد أنصت من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع كلامكم وأبصر أعمالكم ، فأنصتوا إليَّ ، فإنما هي صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا [ يلم ] إلا نفسه . قال : ثم يأمر الله جل وعز جهنم فيخرج منها عنق ساطع [ مظلم ] يقول : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } إلى قوله : { ٱلْمُجْرِمُونَ } فيتميز الناس ويجثون ، [ وهي ] التي يقول الله تعالى جل ذكره : { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } إلى { تَعْمَلُونَ } . قال : فيقضي الله جل ثناؤه بين خلقه الجن والإنس والبهائم ، فإنه [ ليقيدُ ] يومئذ للجماء من ذات القرن ، حتى إذا لم تبق تبعة عند واحدة لأخرى ، قال الله تعالى : كوني تراباً . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً ! [ قال ] : ثم يقضي الله جل ذكره بين الجن والإنس " . ووقع [ التكرير ] في ( دكاً دكاً ) و ( صفاً صفاً ) على معنى : دكاً ( بعد دكاً ) [ وصفاً ] بعد صف . ثم قال تعالى : { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } . قال ابن مسعود : " جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يقودنها وقاله ابن وائل . ثم قال تعالى : { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } . أي : يتذكر تفريطه في الدنيا في طاعة الله ، ومن أي وجه له الذكرى في ذلك اليوم وقد حيل بينه وبين العمل . ثم قال تعالى : { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } . أي : يتلهف ويتندم فيقول : يا ليتني قدمت في الدنيا عملاً صالحاً لحياتي هذه التي لا موت بعدها فينجيني ذلك العمل من عذاب الله تعالى وسخطه ويقربني من رضوانه وجنته . فالمعنى : قدمت لآخرتي ( التي ) هي الحياة الدائمة ، دليله قوله : { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } [ العنكبوت : 64 ] أي : لهي الحياة . وقيل : المعنى قدمت لأحيا ، ، لأن أهل النار ليسوا بأحياء ولا أموات ، بدلالة قوله : { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [ طه : 74 ] . قال قتادة : " هناكم والله الحياة الطويلة " . وقال مجاهد : " لحياتي " : " للآخرة " . وقيل : الكلام بمعنى في والتقدير : يا ليتني قدمت ( في حياتي ، أي : قدمت العمل الصالح ) في حياتي في الدنيا ، مثل : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] ، أي : في عدتهن . ثم قال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } . من كسر الذال والثاء من { يُعَذِّبُ } و { يُوثِقُ } فمعناه : فلا يعذب - ذلك اليوم - أحد مثل عذاب الله لهم ولا يوثق أحد مثل وثاق الله لهم . وقيل : ( معناه : لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ولا يوثق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذ . ومن فتح ذلك ) ، فمعناه : فلا يعذب أحد مثلما يعذب الكافر ولا يوثق مثلما يوثق . وقال الحسن : قد علم الله أن في الدنيا عذاباً ( و ) وثاقاً ، فقال : فيومئذ لا يعذبه عذابه أحد ( في الدنيا ) ولا يوثق وثاقه في الدنيا . ثم قال تعالى : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } . هذا خبر من الله - جل ذكره - عن قول الملائكة يوم القيامة لأولياء الله ، والمعنى : تقول الملائكة لأولياء الله يوم القيامة ، يا أيتها النفس التي اطمأنت إلى وعد الله [ و ] وعيده ، فصدقت بذلك في الدنيا . قال ابن عباس : المطمئنة : " المصدقة " ( وقال قتادة : " هو المؤمن ، اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله " ، وعنه : ) : المصدقة بما وعد الله . وقال مجاهد : المطمئنة : الموقنة إن الله ربها ، وعنه أيضاً . المطمئنة التي أيقنت بلقاء ربها . وفي قراءة أبي : " يا أيتها النفس الآمنة " . [ قال الحسن : المطمئنة إذا أراد الله عز وجل قبضها اطمأنت إلى الله سبحانه واطمأن الله سبحانه إليها ورضيت من الله تعالى ورضي عنها فأمر بقبضها وإدخالها الجنة وجعله من عباده الصالحين ] ، وروي أن ذلك قول [ الملائكة ] للعبد المؤمن عند خروج نفسه [ تبشره ] برضاء ربه عنه وإعداد ما أعد له من الكرامة عنده . قال أبو صالح : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } هذا عند الموت { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } هذا يوم القيامة . وقيل : إنه كله يوم القيامة . وإن [ معنى ] { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } ، أي : إلى صاحبك / . وهو قول ابن عباس . وقال الضحاك : " يأمر الله الأرواح يوم القيامة أن ترجع إلى الأجساد فيأتون الله كما خلقهم أول مرة " فهو على قوله أيضاً كله يوم القيامة ، وهو اختيار الطبري . قال عكرمة : { إِلَىٰ رَبِّكِ } إلى جسد صاحبك . [ وقاله ] ابن جبير . فيكون أيضاً كله يوم القيامة وتكون المخاطبة للنفس ودل على ذلك قوله : { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } ودخول الجنة لا يكون إلا في القيامة . وقال الضحاك : إن معنى [ فادخلي في عبادي ] ، [ أي : طاعتي ] ، { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } أي : رحمتي فالمخاطبة - على قوله هذا - للإنسان ، لا للنفس في المعنى . وإليه يذهب الفراء ، ومعناه عنده أن الملائكة تقول لهم إذا أعطوا كتبهم بإيمانهم هذا ، ( أي ) : ارجعي إلى ثواب ربك .