Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 100-100)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ } ، الآية . المعنى : والذين سبقوا إلى الإيمان ، { مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } ، أي : سلكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله : { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } ، أي : أجزل لهم في الثواب . قال الشافعي / : { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ } : من أدرك بيعة الرضوان . ورُوي عنه : من أدرك بيعة الشجرة . و " المهاجرون الأولون " من ( هاجر قبل البيعة . وقال أبو موسى الأشعري { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ } : المهاجرون الأولون من ) صلى القبلتين . وهو قول ابن المسيب ، والحسن ، وقتادة ، وابن سيرين . ورُوي عن عمر : أنه قرأ : " والأنصار " بالرفع ، عطف على : السابقين ، وبذلك قرأ الحسن ، وهي قراءة يعقوب الحضرمي . وعن عمر رضي الله عنه ، أنه قرأ : " الذين اتَّبَعُوهم " بغير واو ، فرد عليه زيد بـ " الواو " فسأل عمر أبيّاً ، فقال له : " بالواو " فرجع عمر إلى زيادة " الواو " . وهم إجماع من القراء والمصاحف . ومن قرأ : { مِن تَحْتِهَا } ، بزيادة { مِن } فمن أجل أنها في مصاحف أهل مكة كذلك ، وفي سائر المصاحف بغير { مِن } . وهذا باب في خطوط المصاحف في الحروف التي اختلف فيها القراء من ذلك : قوله في سورة البقرة : { وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً } ، هي في مصاحف أهل الشام بغير " واو " ، وفي سائر المصاحف بـ : " الواو " . وفيها : { وَأوصىٰ } ، هي في مصاحف المدينة والشام بـ : " ألف " وفي سائر المصاحف بـ : " الواو " بغير ألف . وفي آل عمران : { سَارِعُوۤاْ } ، في مصاحف أهل المدينة ، وأهل الشام بغير " واو " ، وفي سائر المصاحف بـ " الواو " . وفي آل عمران أيضاً : { جَآءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ } ، بزيادة " باء " [ في ] { وَالزُّبُرِ } ، وفي سائر المصاحف بغير " باء " في { الزُّبُرِ } ، وكلهم حذفها من " وَبِالْكِتَبِ " . وقد قرأ هشام بن عمار : " وبِالْكِتَبِ " بالباء ، ولا أصل لهذه " الباء " في مصاحف أهل الشام ولا غيرهم . وفي النساء : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } ، بألف في مصاحف أهل الشام ، وبغير " ألف " في سائر المصاحف . وفي المائدة ، في مصحف أهل مكة والمدينة والشام : { يَقُولُ الذِينَ ءَامَنُواْ } بغير " واو " ، وفي سائر المصاحف بالواو . وفي المائدة أيضاً : { مَن يَّرْتَدِدْ } ، بـ : " دالَيْن " ، وفي مصاحف المدينة والشام ، وفي باقي المصاحف بـ : " دال " واحدة . وفي سورة الأعراف ، في مصاحف أهل الشام : { مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } بغير " واو " ، وفي سائر المصاحف : { وَمَا } بـ : " الواو " . وفيها : في قصة صالح : { وقَالَ ٱلْمَلأُ } ، بزيادة و [ او ] ، في مصاحف الشام ، وفي سائر المصاحف : { قَالَ } بغير " واو " . وفي براءة { مِن تَحْتِهَا } ، بزيادة " من " في مصاحف مكة ، وفي سائر المصاحف ، بغير " مِن " . وفيها : { الذِينَ اتَّخَذُواْ } ، بغير " واو " ، في مصحف أهل الشام ، وأهل المدينة ، وفي سائر المصاحف : { وَالَّذِينَ } ، بزيادة " واو " . وفي سورة بني إسرائيل { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } بـ : " ألف " ، في مصاحف أهل مكة والشام ، [ و ] في سائر المصاحف : { قُلْ } ، بغير ألف . وفي الكهف : { خَيْراً مِّنْهُمَا } ، بزيادة " ميم " ، في مصحف أهل المدينة ومكة والشام ، وفي سائر المصاحف : { مِّنْهَا } بغير " ميم " . وفيها : { مَا مَكَّنِّي } ، بنونين ، في مصحف أهل مكة خاصة ، وفي سائر المصاحف بـ " نون " واحدة . وفي سورة الأنبياء : { قُلَ رَبِّي يَعْلَمُ } ، { قُلَ رَبِّ احْكُم } ، بألف فيهما ، في مصحف أهل الكوفة ، وفي سائر المصاحف : { قُل } ، بغير ألف . وفيها : { لَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ، بغير " واو " ، في مصحف أهل مكة ، وفي / سائر المصاحف : { أَوَلَمْ } بواو . وفي سورة المؤمنين : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } ، في الأول . [ و ] في الثاني والثالث : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } ، بالألف ، في مصحف أهل البصرة ، وفي سائر المصاحف : { لِلَّهِ } ، من غير " ألف " في الثلاثة . وفي سورة الشعراء : { فَتَوكَّلْ } بالفاء ، في مصحف أهل المدينة ، [ و ] الشام ، وفي سائر المصاحف ، { فَتَوكَّلْ } بالواو . وفي النمل : { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي } ، بنونين ، في مصحف أهل مكة ، وفي / سائر المصاحف ، بنون واحدة . وفي القصص : { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ } ، بغير " واو " ، في مصحف أهل مكة ، وفي سائر المصاحف : { وَقَالَ } ، بالواو . وفي غافر : { أَشَدَّ مِنْهُمْ } بالكاف ، في مصاحف الشام ، وفي سائر المصاحف : ( منهم ) ، بالهاء . وفيها : { وَأَن يُظْهِرَ } ، بغير ألف قبل الواو ، في مصاحف أهل المدينة والبصرة والشام ، وفي مصاحف الكوفة : { أَنْ أَوَ } ، بزيادة ألف . وفي عَسِق في مصاحف أهل المدينة والشام : { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } ، بغير فاء ، وفي سائر المصاحف : { بِمَا كَسَبَتْ } ، بالفاء . وفي الزخرف : { تَشْتَهِيهِ } ، بالهاء ، في مصاحف أهل المدينة والشام والكوفة ، وفي سائر المصاحف : { تَشْتَهِيهِ } ، بغير " هاء " . وقد قيل : إنَّها غير مثبتة في مصاحف أهل الكوفة ، وبذلك قرأوا . وفي الأحقاف : { حُسْناً } ، بألف في مصاحف أهل الكوفة ، وفي سائر المصاحف : { حُسْناً } ، بغير ألف ، أعني قبل الحاء . وفي سورة الرحمن في آخرها : { ذِي ٱلْجَلاَلِ } ، بالواو ، في مصاحف أهل الشام ، وفي سائر المصاحف : { ذِي } ، بالياء . وفي سورة الحديد : { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } ، بغير ألف ، [ في مصاحف أهل الشام ، وفي سائر المصاحف : { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ } بألف . وفيها : { فَإِنَّ ٱللَّهَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } ، بغير ( هو ) ، في مصاحف أهل المدينة [ و ] الشام ، وفي سائر المصاحف : { فَإِنَّ ٱللَّهَ ٱلْغَنِيُّ } ، بزيادة ( هو ) . وفي سورة الشمس وضحيها : { فَلاَ يَخَافُ } ، بالفاء ، في مصاحف أهل المدينة والشام ، وفي سائر المصاحف : بالواو : " ولا يخاف " . وذكر أبو حاتم في هذه الحروف أنّ في مصاحف المدينة ، خاصة : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ايتُونِي } ، بغير ياء قبل التاء . وفي الحج والملائكة { وَلُؤْلُؤاً } ، بألف ، في مصاحف المدينة ، وبعض مصاحف الكوفة . وفي الزخرف : { يٰعِبَادِ } ، [ بياء ] ، لا حذف في مصاحف المدينة [ و ] الكوفة . و { قَوَارِيرَاْ } الثاني بألف في مصاحف المدينة . وفي : ( قل أوحى ) : { قَالَ إِنَّمَآ أَدْعُواْ } ، بغير ألف في مصاحف الكوفة . وفي النساء : { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } على التوحيد ، في مصاحف البصرة ، ولم يقرأ به أحد . قال : وفي يَس : { وَمَا عَمِلَتْهُ } بغير " هاء " ، في مصاحف أهل الكوفة . ومثله : { حُسْناً } ، بـ : " ألف " ، في الأحقاف . ومثله : { لَّئِنْ أَنجَيْتَنَا } ، في الأنعام . وقال : في مصاحف أهل الشام خاصة في الأنعام : { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } ، " الآخرة " بلام واحدة . ومثله في : الأعراف : " تحتها " في موضع : { مِن تَحْتِهِمْ } ، ولم يقرأ به أحد . ومثله : { ( وَإِذْا ) نْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ } ، بألف فيهما . ومثله : { كِيدُونِ } بالياء في الأعراف . ومثله : " ما كان للنبي أن يكون له أسرى ، بلامين في الأنفال ، ولم يقرأ به أحد . ومثله : ( ينشركم ) بالشين ، في يونس . وهذا باب آخر نذكر فيه سبب اختلاف القراء واختلاف هذه المصاحف فكان سبب هذا الاختلاف ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " نزل هذا القرآن على سبعة أحرُفٍ " ، فكان من / قرأ عليه من أصحابه بأي حرف قرأ تركه ، ودلّ على ذلك حديث عمر مع هشام بن حكيم ، إذ سمعه عمر يقرأ القرآن على غير ما قرأ هو على النبي عليه السلام ، فلما توجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحاكما لديه ، قرأ عليه ، أجاز قراءة كل واحد منهما ، وقال : " هكذا أُنْزِلَ " . وكان اختلافها في أحرفٍ من سورة الفرقان . فدل على أنه صلى الله عليه وسلم ، كان يترك كل واحد يقرأ على لُغَتِهِ ، فإذا صح أنه كان يقرأ كل واحد على لغته ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يرسل أصحابه إلى البلدان ، يعلمونهم القرآن والفقه في الدين ، وأنه وجّه معاذ بن جبل إلى اليمن وكان قد خَلَفَه قبل ذلك ، وأبا موسى الأشعري بمكة [ حين ] توجه إلى حنين لحرب هَوَازِن ليعَلِّمَا من كان بها القرآن والعلم . وبعث إلى الطائف في مثل ذلك عثمان بن أبي العاص الثقفي . ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، وفتحت البلدان ، فمضى على سيرته وزيراه : أبو بكر وعمر . فوجه عمر ابن مسعود إلى الكوفة مُعَلِّماً لهم ، ووجه أبا ( موسى ) إلى البصرة بمثل ذلك . وكان بالشام معاذ بن جبل ، وأبو الدرداء . وكان بالمدينة جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، من أهل حفظ القرآن منهم : أُبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، فكان كل واحد يقرئ في موضعه بحرفٍ من السبعة التي أمر الله عز وجل ، بها نبيه عليه السلام . فلما انتشر ذلك في البلدان ، وتعلم الناس ، وسافروا من كل بلد ، وتلاقوا في الغزوات ، واجتمعوا في الموسم ، قرأ كل قوم كما عُلِّمُوا ، فأنكر بعضهم على بعض ، الزيادة والنقص ، والرفع والنصب ، وكذَّبَ بعضهم بعضاً ، وعظم الأمر فيهم ، وذلك في أيام عثمان . فتكلم بعض أصحاب النبي عليه السلام إلى عثمان أن يكتب للناس مصحفاً يجمعهم عليه ، وكان ممن كلمه في ذلك حُذَيْفَة [ بن ] اليمان ، وقد كان أراد أن يكلم عمر في مثل ذلك ، حتى مات عمر رضي الله عنه ، وكان حذيفة قدم من غزوة شهدها بإرمينية ، فرأى اختلاف الناس في القرآن ، فلما قدم المدينة لم يدخل ( بيته ) حتى أتى عثمان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أدْرِك الناس ، فقال عثمان : وما ذلك ؟ فقال : غزوة إرمينية يحضرها أهل العراق ، وأهل الشام ، فإذا أهل المدينة يقرأون بقراءة : أُبَيّ بن كعب ، فيكفرهم أهل العراق ، و ( أهل العراق ) يقرأون بقراءة ابن مسعود ، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام ، فيكفرهم أهل الشام . فجعل عثمان زيداً يكتب مصحفاً وأدخل معه رجلاً فصيحاً ، وهو أبان بن سعيد بن العاص ، وقال لهما : إذا اجتمعتما فاكتبا ، وإذا اختلفتما فارفعا إليّ ما تختلفان فيه . قال أنس بن مالك : اجتمع لغزوة أَذْرَبِيجان وإرمينية أهل الشام والعراق ، فتذاكرا القرآن فاختلفوا فيه ، حتى كاد يكون بينهم فتنة ، فركب حذيفة بن اليمان في ذلك إلى عثمان ، فقال : إن الناس قد اختلفوا في القرآن ، حتى أني والله خشيت أن يصيبهم ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف . فَفَزِع لذلك عثمان رضي الله عنه ، فزعاً شديداً ، وأرسل إلى حفصة فاستخرج المصحف الذي كان أبو بكر ، رضي الله عنه ، أمر زيداً بجمعه ، فنسخ منه مصاحف فبعث بها إلى البلدان . وكان عثمان قد انتسخ من المصحف الذي عند حفصة ، بحضرة زيد بن ثابت وأبان بن سعيد بن العاص . وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبد الله بن الزبير ، وقال : ما اختلفتم فيه فاكتبوه بلسان قريش . قال الزهري : فاختلفوا يومئذ في { ٱلتَّابُوتُ } ، فقال القرشيون : { ٱلتَّابُوتُ } ، وقال زيد : " التَّابُوه " . فرفع / اختلافهم إلى عثمان ، فقال : اكتبوه بلغة قريش . فلما كتب عثمان النسخة ، جعلها أربع نسخ ، فأنفذ مُصْحفاً إلى : الشام ، ومصحفاً إلى العراق ، ومصحفاً إلى اليمن ، واحْتَبس مُصحفاً . وقيل : بل وجه واحداً إلى الشام ، وآخر إلى الحجاز ، وآخر إلى الكوفة ، وآخر إلى البصرة . وقيل : بل كتب سبعة مصاحف ، فبعث مصحفاً إلى مكة ، ومصحفاً إلى الكوفة ، ومصحفاً إلى البصرة ، ومصحفاً إلى الشام ، ومصحفاً إلى اليمن ، ومصحفاً إلى البحرين ، واحتبس مصحفاً . فأما مصحف اليمن والبحرين فليس يعرف لهما خبر . ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم ، إلاَّ والقُرْآنُ مُؤَلَّفٌ في الصُّدُور ، إلا أنه لم يكتب في مصحف . وأول من جمعه أبو بكر رضي الله عنه في المصحف ، ومات وتركه عند عمر ، ومات عمر وتركه [ عند ] حفصة ابنته . قال ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وذكره السدي . وروى الزهري عن عبيد بن السّبَّاق أن زيد بن ثابت حدثه ، قال : أرسل إلي أبو بكر ، فأتيته ، فإذا عنده عمر رضي الله عنهم ، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني ، فقال : إن القتل اسْتَحَرَّ بقراء القرآن يوم اليمامة ، وإني أخْشَى أن يَسْتَحِرَّ القتل بالقراء في المواطن كلها ، فيذهب قرآن كثير ، وإنّي أرى أنْ تأْمر بجمع القرآن . قال أبو بكر : فقلت : فكيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : هو والله خير ، قال أبو بكر : فلم [ يزل ] عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له ، ورأيت فيه الذي رأى عمر . قال زيد : قال لي أبو بكر : إنَّك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَتَتَبَّعْ القرآن فاجمعه . قال زيد : فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال لكان أثقل عليّ من ذلك . فقلت : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو بكر : هو والله خير . فلم يزل يراجعي في ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، حتى شرح الله صدري للذي شرح إليه صدرهما ، فتتبعت القرآن من الرِّقَاع والعُسُبِ ، ومن صدور الرجال ، فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ، 129 ] ، إلى آخرها ، وكانت الصحف عند أبي بكر حتى مات ، ثم كانت عند عمر حتى مات ، ثم كانت عند حفصة ، ثم نسخ عثمان من عند حفصة المصاحف ، ووجه إلى كل أُفقٍ مصحفاً ، وأمر بما سوى ذلك أن يُحَرَّق . ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أُنْزِل القرآن على سبعة أَحْرُف " ، أي : على سبع لغات متفرقة في القرآن ، ( لا أن كُلَّ حرف من القرآن ) يقرأ على سبع لغات . قال الشيخ أبو بكر ، رضي الله عنه ، وَجْهُ هذه الزيادة والنقص في المصاحف ، أنها كتبت على قراءة من كان وجه إلى كل بلد من الصحابة ، ويدل على ذلك أنَّ القراء يُسْنِدُونَ قراءتهم إلى إمام مِصْرهم من الصحابة ، وقد كانت هذه الحروف يقرأ بها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنقص ، ولولا ذلك ما أثبتت في بعض المصاحف وحذفت من بعض ولا يجوز / أن يُتَوَهَّم أنها وهم من الكاتب ؛ لأن الله قد حفظه ، ويدل على ذلك أن علياً لما صارت إليه الخلافة لم يغير منها شيئاً بل استحسن فعل عثمان ، وقد كانوا يكرهون النقط في المصاحف خوف الزيادة ، فكيف يزيدون الحروف وتجوز عليهم الزيادة . وكره النخعي الفصل بين السور ، والتَّعْشِيرِ ، بالحمرة . وقال يحيى بن كثير : كان القرآن مُجَرَّداً ، فأول ما أُحْدِثَ فيه العَجْمُ : نقط التاء والثاء ، فلم ينكره أحد ، ثم أحدثوا نَقْطاً على منتهى الآي ، ثم أحدثوا التعشير ، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم . وقال قتادة : وددت أنَّ الأيدي قُطِعت في هذه النقط . فليس يجوز على هذا الاحتياط أن تقع هذه الحروف إلا بنصّ وَمَعْرِفَةٍ ، ولم تقع على وهم من الكاتب . وقد ذكر أبو بكر عن بعض العلماء أنه قال : إنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما جمعوا القرآن ونسخوه من عند حفصة في نسخ ، عمدوا إلى كل حَرْفٍ سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قرِأه على وجهين ، فأثبتوا في مصاحف وجهاً ، وفي مصاحف وجهاً آخر . لتحصل الوجهان للمسلمين ، ولا يسقط عنهم وجه قراءته ، فحصل هذا الاختلاف في المصاحف على هذا الوجه ، وهو داخل في السبعة ، وهذا إن شاء الله هو الحق والصواب . فأما اختلافهم في الحركات والمْدَ والْقَصْر والهمز وشِبْهه من إبدال حرف مكان آخر بصورته ، فإن السبب في ذلك أن المصاحف التي وجهت إلى الأمصار لم تضبط ولا نقطت ، وإنما كانت حروفاً أشخاصاً . فلما خلت الحروف من النقط والضبط صارت التاء ( التي ) هي غير منقوطة محتملة لأن تكون : ياءً أو باءً أو تاءً ، واشتركت الصور في الحروف . ألا ترى أنك لو كتبت " لم يقم " ، ولم تنقط الحرف الأول جاز أن يكون تاء ، وباء ، ونوناً ، فقرأ أهل كل مصر على ما كانوا تعلموا من إمامهم الصحابي قبل إتيان المصاحف إليهم ، فقرأ أهل البصرة على ما كان علمهم أبو موسى الأشعري ، وأهل الكوفة على ما علمهم علي ، وابن مسعود ، وأهل الحرمين على ما تعلموا من أُبيّ ، وزيد ، وأهل الشام على ما تعلموا من معاذ بن جبل ، وأبي الدرداء ، ووافقوا بقراءتهم خط المصحف الذي وجه إليهم ، فقرأ هؤلاء بنصبٍ وهؤلاء برفعٍ ، وهؤلاء بِهَمْزٍ ، وهؤلاء بِيَاءٍ ، وهؤلاء بِتَاءٍ والصور واحدة ، كل قوم قرأوا على ما كانوا تعلموا قبل وصول المصحف إليهم ، فوافقوا بقراءتهم المصحف الذي وجه إليهم من زيادة أو نقص . فهذا سبب الاختلاف . وقد كان جَمَعَ القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ستة نفرٍ من الأنصار : معاذ بن جبل ، وأُبيُّ بن كعب ، وأبو الدرداء ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، وسعد ، بن عبيد . وجمعه مُجَمَّعُ بن جارية ، إلا سورتين ، ولم يجمعه من الأئمة إلا عثمان . وذكر أنس والشعبي أنه لم يجمعه على عهد النبي عليه السلام ، أحدٌ . والدليل على ذلك أن عثمان لم يتكل فيه على أحدٍ حتى جمع إليه جماعة ، وأن زيد بن ثابت قال : جمعته من صدور الرجال ، ومن كذا وكذا ، فهذا يدل على أنه لم يكن يحفظه . وإنما اختار عثمان زيد / اً ، لأنه كان يكتب الوحي ؛ ولأن قراءته كانت على العرضة الآخرة ؛ ولأنه وهو الذي اختار أبو بكر لجمعه .