Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 101-102)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ } ، إلى قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . ومعنى الآية : ومن القوم الذين حولكم ، أي : حول المدينة { مُنَٰفِقُونَ } ، أي : قوم منافقون . { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ } . أي : دربوا عليه وخَبُثُوْا . وقيل معناه : عتوا ، على النفاق . من قولهم : " شَيْطانٌ مَارِدٌ " أي : عاتٍ . { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ } . أي : من أهلها مثلهم . وقيل : المعنى : ومن أهل المدينة قوم { مَرَدُواْ } . فلا يكن في الكلام على هذا تقديم ولا تأخير . وعلى القول الأول يكون فيه تقديم وتأخير . قال ابن زيد { مَرَدُواْ } : أقاموا عليه ، ولم يتوبوا . وقال ابن إسحاق { مَرَدُواْ } ، عليه ، أي : لجوا فيه وأبوا غيره . { لاَ تَعْلَمُهُمْ } . أي : لا تعلمهم يا محمد ، بصفتهم . { نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } . قيل : هما فضيحتهم في الدنيا وإظهار سرائرهم ، ثم عذاب القبر ، ثم يردون إلى عذاب الآخرة . قاله ابن عباس . وذكر : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخرج قوماً من المسجد يوم الجمعة ، فقال : اخرج يا فلان ، فإنك منافق ، لناس منهم ، فهذا عذابهم الأول ، والثاني : عذاب القبر . وقال مجاهد هما : عذاب السيف بالقتل وعذاب الجوع . والآخر : عذاب القبر ، ثم عذاب الآخرة . وقال ابن زيد : العذاب الأول ، عذابهم بالمصائب في أموالهم وأولادهم ، والآخر : عذاب النار . وقيل الأول : أخذ الزكاة من أموالهم ، وإجراء الحدود عليهم ، وهم غير راضين ، والآخرة : عذاب القبر . ثم قال تعالى : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً } . والمعنى : ومنهم آخرون ، أي : من أهل المدينة منافقون آخرون ، { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } ، أي : أقروا بها : { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً } ، هو إقرارهم وتوبتهم ، { وَآخَرَ سَيِّئاً } ، هو تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك . والواو [ في ] قوله : { وَآخَرَ } ، بمعنى : " مع " عند البصريين ، كما تقول : " استوى الماء والخشبة " . وقال قوم : هي بمعنى : " الباء " ، وقدروا " الواو " في " والخشبة " بمعنى : بالخشبة . وأنكر الكوفيون أن يكون هذا بمنزلة " استوى الماء والخشبة " ؛ لأن هذا لا يجوز فيه تقديم الخشبة على الماء ، وإنما هو عندهم بمنزلة " خلطت الماء واللبن " ، أي : باللبن ، فكل واحد منهما يجوز أن يتقدم ، مثل الآية . قال ابن عباس : " نزلت هذه الآية في عشرة أنفس تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في غزوة تبوك ، فلما رجع النبي عليه السلام أوثق سبعَةٌ منهم أنفسهم بسواري المسجد ، وكان ممر النبي عليه السلام إذا رجع في المسجد عليهم . فلما رآهم قال : من هؤلاء ؟ قالوا : أبو لُبابة وأصحابٌ له تخلفوا عنك ، يا رسول الله ، حتى تطلقهم وتعذرهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم ، حتى يكون الله هو الذي يطلقهم ، رغبوا عني ، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين " . فلما بلغهم ذلك قالوا : / ونحن والله لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله الذي يطلقنا . فأنزل الله عز وجل : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } الآية . فأطلقهم النبي عليه السلام ، و { عَسَى } من الله واجبة " . وقيل : كانوا ستةً ، والذين أوثقوا أنفسهم ثلاثة : أبو لُبابة ورجلان معه . وقال زيد بن أسلم : الذين ربطوا أنفسهم ثمانية . وقال قتادة : كانوا سبعة ، وفيهم نزل : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } . وقال مجاهد : هو أبو لُبابة وحده ، اعترف بذنبه الذي كان في بني قريظة ، إذ أشار لهم إلى حَلْقِهِ ، يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذابحكم إن نزلتم على حكم الله ، سبحانه . وقال الزهري : " نزلت في أبي لُبابة إذ تخلف عن غزوة تبوك ، يربط نفسه ، حتى أنزل الله ، عز وجل ، توبته ، ومكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خَرَّ مغشيّاً عليه ، فقيل له : قد تيب عليك يا أبا لُبابة ، فقال : والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي يحلني ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحله بيده ، ثم قال أبو لُبابة : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي كله صدقةً إلى الله ورسوله ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يجزيك يا أبا لُبابة الثلث " " . والعمل الصالح الذي عملوه ، قيل : هو توبتهم . وقيل : حضورهم بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم . { مُنَٰفِقُونَ } ، وقف ، إن جعلت { مَرَدُواْ } ، نعتاً لأهل المدينة ، فإن جعلته نعتاً للمنافقين لم تقف دونه ؛ لأنه ينوي به التقديم . وقيل : كانوا ثلاثة ، أبو لُبابة ، ووداعة بن ثعلبة ، وأوس بن خدام من الأنصار . لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد ، وكانو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا ابتدأ سفراً أو رجع منه ابتدأ بالمسجد ، فصلى في ركعتين ، فدخل فرأى فيه قوماً موثقين ، فسأل عنهم ، فأُخبر بخبرهم ، وأنهم أقسموا ألاَّ يحلوا أنفسهم حتى يحلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا أقسم لا أطلق عنهم حتى أُومر ، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله ، فلما نزل فيهم القرآن حلهم النبي صلى الله عليه وسلم .