Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-29)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } ، إلى قوله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } . ومعنى الآية : أن الله أمر المؤمنين أن يمنعوا المشركين من دخول المسجد الحرام . وقوله : { نَجَسٌ } . قال قتادة : " النَّجَسُ " هنا : الجُنُب . وأصل " النَّجَسِ " : القذر . وإذا ذكرت قبل " النجس " : " الرجس " كسرت " النون " ، وأسكنت " الجيم " ، فقلت : هو رِجْسٌ نِجْسٌ على الاتباع . وعنى بذلك : الحرم كله أن يمنعوا من دخوله ، وعلى ذلك قال عطاء : الحَرَمُ كُلُّهُ قِبْلَةٌ وَمَسْجِدٌ . وَبِظَاهِرِ هذه الآية يجب على المشرك إذا أسلم أن يغتسل ، وقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم . وهو مذهب مالك ، وابن حنبل ، ولم يوجبه الشافعي واستحبه ، قال : إلاَّ أن يكون يعلم أنه جنُبٌ فعليه أن يغتسل . وقال الثوري ، والشافعي : ثياب المشركين على الطهارة حتى تعلم النجاسة ، واستحبا غسل الإزار والسراويل . وقال مالك : إذا صلى في ثوب كان المشرك يلبسه ، أعاد من الصلاة ما كان في وقته . وأكثَرُهُمْ على أن لا بأس بالصلاة فيما نسجوا ، وهو مذهب مالك . وهذه الآية نَاسِخَةٌ ، لما كان النبي عليه السلام ، قد صالح عليه المشركين أن لا يَمْنَع أحد من البيت . قال مالك : يمنع المشركون كلهم من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ، ودخول كل المساجد . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وقتادة . وقال الشافعي : يمنع المشركون جميعاً من دخول الحرم ، ولا يمنعون من دخول سائر المساجد . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ، ولا من غيره ، ولا يمنع من ذلك إلا المشركون أهل الأوثان . وقول الله عز وجل ، في اليهود والنصارى : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً [ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِّن دُونِ ٱللَّهِ ] } [ التوبة : 31 ] الآية ، يدلُّ على جوازهم تسميتهم مشركين ، وقد نصّ الله على ذلك بقوله : { عَمَّا يُشْرِكُونَ } في آخر الآية . وقوله : { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } . هو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه ، بالناس ، ونادى عليّ بـ : " براءة " في الموسم ، / وذلك لتسع سنين مضين من الهجرة ، وحجَّ النبي صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوَدَاعِ في العام المقبل سنة عشر من الهجرة . وقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } . [ أي ] : إن خفتم ، أيها المؤمنون ، فقراً ، بمنعنا المشركين أن يأتوكم إلى الحرم بالتجارات ، { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، فأغناهم الله بأخذ الجزية منهم بقوله : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، إلى قوله : { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } . وقيل : أغناهم بإدْرَارِ المطر عليهم . قال ابن عباس : ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزن ، عن منع المشركين من دخول الحرام ، وقال لهم : من أين تأكلون ، وقد انقطعت عنكم العير ؟ فأنزل الله عز وجل : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } الآية . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } . أي : عليم بما حدثتكم به نفوسكم من خوف العيلة ، بمنعنا المشركين أن يأتوا إليكم ، وبغير ذلك من مصالحكم ، { حَكِيمٌ } ، في تدبيره . و " العَيْلَةُ " مصدر " عَالَ يَعِيلُ " : إذا افتقر . وحُكِي : " عال يعول " [ في ] الفاقة . وبمصحف عبد الله : " عائلة " ، أي : خصلة شاقة ، يقال : عالني الأمر ، أي : شقَّ عليَّ واشتد . ثم قال : تعالى آمراً للمؤمنين : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } ، الآية ، أي : قاتلوهم حتى يعطوكم الجزية ، من أهل الكتاب كانوا أو من غيرهم . و " الجِزْية " كـ : " القِعْدة " و " الجِلسة " ، وجمعها : جِزَى ، كـ : " لِحَىً " ، فهو من " جَزَى فلان فلاناً ما عليه " : إذا قضاه . وهي الخراجُ عن الرقاب . ومعنى : { عَن يَدٍ } ، أي : عن يده إلى يد من يدفعه إليه . وقيل : { عَن يَدٍ } : عن إنعامٍ منكم عليهم إذا رضيتم بالجزية وأمَّنْتُمُوهُمْ في نفوسهم وأموالهم وَذَرَارِيهمْ . وقيل : { عَن يَدٍ } : نقداً لا نسيئة . وقيل : يؤدونها بأيديهم لا يوجهون بها كما يفعل الجبار . وأهل اللغة يقولون : عن قهر وقوة . { وَهُمْ صَاغِرُونَ } . أي : أذلاء مقهورون . فهذه الآية نزلت في حرب الروم ، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد نزولها غزوة تبوك . قاله مجاهد . قال عكرمة : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } : هم قائمون [ وأنت جالس ] . وقال ابن عباس : يمشون بها مُلَبَّبين . وهذه الآية ناسخة للعفو عن المشركين . قاله ابن عباس . هي ناسخة لقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] . وأجمع علماء الأمصار على أخذ الجزية من المجوس . وكان ملك يرى : أخذ الجزية من سائر أهل الشرك ، وحكمهم عنده حكم المجوس ، تؤخذ منهم الجزية ، ولا ينكح نساؤهم ، ولا تؤكل ذبائحهم . وتوضع الجزية عمن أسلم عند مالك ولم يبق من السنة إلا يوم واحد . وتؤخذ الجزية من أهل الوَرقِ : أربعون درهماً ، ومن أهل الذهب : أربعة دنانير ، وهي فرض عمر رضي الله عنه .