Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 53-55)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } ، إلى قوله : { وَهُمْ كَٰفِرُونَ } . والمعنى : { قُلْ } ، يا محمد ، لهؤلاء المنافقين : أنفقوا أموالكم كيف شئتم ، طائعين أو كارهين ، فإنها لا تقبل منكم ، إذ أنتم في شك من / دينكم ، خارجون عن الإيمان بذلك . وخرج قوله : { أَنفِقُواْ } ، مخرج الأمر ، ومعناه الخبر ، وإنما تفعل العرب ذلك في الموضع الذي يحسن فيه " إنْ " التي للجزاء ، [ و ] منه قوله تعالى : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] ، لفظه لفظ الأمر ، ومعناه الجزاء ، والجزاء خبر ، ومنه قول كثير : @ أسيئ بِنَا أوْ أحْسِني ، لاَ مَلُومَةً لَدَيْنَا وَلاَ مَقْلَّيةً إِنْ تَقلَّتِ . @@ فالمعنى : إن تنفقوا طائعين أو كارهين فلن يقبل منكم . وجاز أن يقع لفظ الأمر بمعنى الخبر ، كما جاز أن يقع لفظ الخبر بمعنى الطلب والأمر ، تقول : " غَفَرَ اللهُ لِزَيْدٍ " معناه : الطلب والدعاء ، ولفظه لفظ الخبر ، والمعنى : " اللهم اغفر لزيد " . وهذه الآية نزلت في الجدّ بن قيس ، لأنه لما عرض النبي عليه السلام [ عليه ] الخروج ، سأل المقام ، واعتذر بأنه لا يصبر إذا رأى النساء ، وأنه يفتتن ، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم : هذا مالي أعينك به . ثم أخبر الله تعالى بالعلة التي من أجلها لم تقبل نفقاتهم ، فقال : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ } ، أي : بأن تقبل ، { إِلاَّ أَنَّهُمْ } ، " أنّ " في موضع رفع ، أي : ما منعهم من أن تقبل منهم نفقاتهم إلا كفرهم . وأجاز الزجاج ، أن تكون " أَنَّ " في موضع نصب ، على معنى : إلا لأنَّهم كفروا ، ويكون الفاعل مضمراً في { مَنَعَهُمْ } ، والتقدير وما منعهم الله من أن تقبل منهم نفقاتهم إلا لأنهم كفروا . ويجوز عند سبيويه ، أن تكون في موضع جر ، على تقدير حذف الخافض . ومن قرأ : { أَن تُقْبَلَ } بـ : " الياء " ، رده على معنى الإنفاق ، لأنه والنفقات سواء . فالذي منعهم من القبول هو كفرهم بالله ، عز وجل ، وبرسوله عليه السلام ، وإتيانهم الصلاة وهم كسالى عنها ؛ لأنهم لا يرجون بها ثواباً ، ولا يخافون بالتفريط فيها عقاباً ، إنما يقيمونها مخافة على أنفسهم رياء ، وأنهم لا ينفقون شيئاً من أموالهم { إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } ، إذ لا يرجون ثوابه . ثم قال تعالى : { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ } . أي : لا تعجبك ، يا محمد ، أموالهم ولا أولادهم ، إنما يريد الله ، يا محمد ليعذبهم بها في الآخرة . وقوله : { فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } ، يريد به التقديم . والمعنى : ولا تعجبك يا محمد ، أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة ، هذا قول ابن عباس ، وقتادة وغيرهما . وقال الحسن : ليس في الكلام تقديم ولا تأخير ، إنما المعنى : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي : بما ألزمهم فيها من أخذ الزكاة والنفقة في سبيل الله ، عز وجل ، وهو اختيار الطبري . على معنى : أنهم يخرجونها تقيةً وخوفاً ، ويقلقهم عزمها ، ويحزنهم خروجها من أيديهم ، فهي لهم عذابٌ . وقال ابن زيد المعنى : { لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي : بالمصائب فيها ، فهي لهم إثم ، والمصائب للمؤمنين أجر . { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } . أي : تخرج وهم على كفرهم . قال أبو حاتم : { وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ } ، وقف كاف . فمن قال : في الكلام تقديم وتأخير ، لم يجز الوقف . ومن قال : ليس فيه تقديم ولا تأخير ، حسن الوقف على : { وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ } . و { فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } ، ليس بتمام ؛ لأن { وَتَزْهَقَ } ، معطوف عليه .