Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 11-12)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } . كأن الآية على الإخبار كأنه قال : ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوه كما يعجل لهم الخير إذا استعجلوه - لقضي إليهم أجلهم ؛ لأنه ليس يذكر في ظاهر الآية استعجالهم الشر إنما يذكر تعجيله ، ولكن فيه ما ذكر من الإضمار إضمار الاستعجال ، ومنه ما ذكر في غير آية من القرآن استعجالهم العذاب ؛ كقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } الآية [ النحل : 1 ] ، وقولهم : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } الآية [ الأنفال : 32 ] ونحو ذلك ، كانوا يستعجلون العذاب استعجال تضرع ، فيقول : لو عجل لهم العذاب إذا استعجلوه كما يعجل لهم الخير إذا استعجلوه - لقضي أجلهم ، يقول : لهلكوا أو فنوا ، هذا التأويل في أهل الكفر خاصة عند استعجالهم العذاب استعجال تضرع وسؤال ، ويشبه أن يكون هذا في جملة الخلق على غير تصريح سؤال ، ولكن عند ارتكابهم الشر بقوله : لو يعجل الله للناس الشر باكتسابهم الشر وبارتكابهم إياه [ وقت اكتسابهم ، كما يعجل لهم الخير ] وقت اكتسابهم الخير - لقضي إليهم أجلهم ، أي : لو عجل لهم جزاء شرهم وقت اكتسابهم الشر ، كما يعجل لهم جزاء خيرهم ، لكان ما ذكر ما يستوجبون بارتكابهم الشر وقت فعلهم إياه لقضي إليهم أجلهم ، لكنه لم يعجل لهم ذلك وأخره إلى المدة التي جعل لآجالهم . ويمكن وجه آخر : وهو ما يدعو بعضهم على بعض باللعن والخزي ، يقول الرجل عند شدة الغضب : اللهم العن فلانا ، اللهم أخزه ، ونحو ذلك من الدعوات ، يقول : لو عجل لهم هذا كما يعجل لهم عند دعاء بعضهم لبعض بالرحمة والسعة - لقضي إليهم أجلهم ؛ لهلكوا وفنوا ، ويكون ذلك انقضاء أجلهم ، ويكون ذلك على وجوه ثلاثة . أحدها : استعجال سؤال وتضرع ، الذي ذكرنا . والثاني : بأفعالهم وارتكابهم الشر وقت ارتكابهم . والثالث : الأسباب التي بها يرتكبون ويفعلون . وقوله : { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } يحتمل : لقضي [ أجلهم قبل المدة التي جعل لهم . والثاني : لقضي أجلهم ؛ أي : يجعل أجلهم ذلك ، ففيه دلالة ألاَّ يهلك أحد قبل أجله و ] لا يقدم ولا يؤخر ، فهو ما ذكر : { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } [ سبأ : 30 ] . وقوله - عز وجل - : { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } . هو ما ذكرنا أن من حكمه ألا يعاقب . أحداً من الكفرة في [ الدنيا بصنيعه ] الذي صنع ، وقد يعجل لهم جزاء خيراتهم في الدنيا ؛ كما ساق إليهم من أنواع النعم ، ولكن من حكمه أن يؤخر عقوبتهم إلى يوم القيامة ؛ فذلك تأويله ، والله أعلم . { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي : نتركهم يترددون في أعمالهم ، [ وجرمهم إلى ] الوقت الذي وعد لهم العذاب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } : قال بعض أهل التأويل : إن جميع ما ذُكر في القرآن الإنسان فالمراد منه الكافر ؛ من ذلك قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ } [ الانشقاق : 6 ] ، وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } [ الانفطار : 6 ] ، وقوله : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 1 - 2 ] ونحوه ، لكن هذا لا نعلم أنه أراد به الكافر ، فلئن كان ما ذكروا فإن أهل الإيمان يدخلون في هذا الخطاب ، إذا كان منهم ما يكون من الكفرة ؛ لأن من أهل الإيمان من يقبل على الدعاء والتضرع إلى الله عند مس الحاجة والشدة ، فإذا انجلى ذلك وانكشف عنه ترك ذلك الدعاء الذي كان دعا ، وذلك التضرع الذي كان يتضرع إليه ، فدخل في ذلك . ثم قوله : { دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } : ليس على إرادة حقيقة الجنب والقعود والقيام ، ولكن على الدعاء في كل حال ، أي : يدعونه في كل حال ؛ لما عرفوا أن الذين كانوا يعبدون من دون الله لا يملكون دفع ما حل بهم من الشدائد والمضار - أقبلوا على الله بالتضرع والدعاء إليه في كشف ذلك عنهم . ثم أخبر عن سفههم وشدة تعنتهم وعودهم إلى الحال التي كانوا من قبل فقال : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ } : يقول - والله أعلم - : مر كأن لم يدعنا قد نسينا في الرخاء كأن لم يعرفنا [ واستمر على ترك الدعاء في الرخاء ، وقوله : { كَذٰلِكَ } عرفنا ما كانوا يعملون والإسراف هو العدوان ] والتعدي عن الحد الذي جعل له وهو وضع الأموال والأنفس في الموضع الذي لا ينتفعون بها في عبادة الأصنام وغيرها ، والله أعلم .