Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 15-17)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } : البينات قد ذكرنا في غير موضع ، والبينات هي التي تبين أنها آيات نزلت من عند الله لم يخترعها أحد من الخلق . وقد ذكرنا قوله - أيضاً - : { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } . وقوله - عز وجل - : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } : يشبه أن يكون قولهم : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } ألا ترى أنه قال : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } ، إنما أجابهم في التبديل ؛ دل أن السؤال كان سؤال تبديل ، ولكن كانوا يسألون سؤال استهزاء وتكذيب . ثم اختلف أهل التأويل في التبديل الذي سألوا . قال بعضهم : سألوا أن يبدل ويجعل مكان آية العذاب آية الرحمة أو يبدل أحكامه . ويحتمل قوله : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ } أي : بدل أحكامه واترك رسمه . ويحتمل ما ذكرنا أنهم سألوا أن يتلو مكان آية العذاب آية الرحمة ، ومكان ما فيه سب آلهتهم مدحها ونحو ذلك ، والله أعلم . ونحن لا نعلم ما أراد بالتبديل تبديل الأحكام أو تبديل الرسم والنظم ، إنما نعلم ذلك بالسماع . ثم أخبر أنه لا يقول ولا يتبع إلا ما يوحى إليه ويؤمر به بقوله : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } . وقوله - عز وجل - : { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي } إن تركت تبليغ ما أمرت بالتبليغ إليكم ، وهكذا كل من عرف ربه خافه إن عصاه وخالف أمره ونهيه ، ومن لم يعرف ربه لم يخفه إن عصاه وخالف . وقوله : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } : سؤالهم سؤال تعنت واستهزاء ؛ لأنه لا منفعة لهم لو أتى بغيره وبدله سوى ما في هذا ولو جاز لهم هذا السؤال جاز ذلك في كل ما أتى به واحداً بعد واحد ، فذلك مما لا ينقطع أبداً ولا غاية ولا نهاية فهو سؤال تعنت واستهزاء . وقوله - عز وجل - : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } : هو صلة ما تقدم من قوله حيث قالوا : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } قد ذكرنا أن هذا يحتمل وجهين : يحتمل أنهم سألوه أن يبدل أحكامه على ترك رسمه ونظمه . ويحتمل قوله : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } أي : ارفع رسمه ونظمه وأحكامه ، كأنهم ادعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم اختراع هذا القرآن من نفسه واختلاقه من عنده ، فقال : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } تأويله - والله أعلم - : لو شاء الله ألا يظهر دينه فيكم ولا [ ألزمكم حجته ] ولا بعثني إليكم رسولا ، { مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } و { وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } أي : ولا أعلمكم به . ويحتمل قوله : { وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } : ولا أعلمكم ما فيه من الأحكام ، أو يقول : لو شاء الله لم يوح إلي ، ولا أمرني بتبليغ ما أوحي إلي إليكم ، ولا بالدعاء إلى ما أمرني أن أدعوكم إليه . وفي قوله : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } [ دلالة أن الله إن شاء شيئاً كان وما لم يشأ لم يكن لأنه أخبر أنه لو شاء ما تلوته عليكم ] فلو لم يشأ أن يتلوه ما تلاه ؛ دل أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وذلك يرد على المعتزلة قولهم : شاء الله أن يؤمن الخلائق كلهم لكنهم لم يؤمنوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي : فقد لبثت فيكم عمرا من قبله فلم أدع ما أدعي للحال ، ولا تلوت ما أتلو ، أفلا تعقلون أني لم أخترع هذا من نفسي ، ولكن وحي أوحي إلي ؟ ! إذ لو كان اختراعاً مني لكان ذلك مني فيما مضى من الوقت وكنت لابساً فيكم ، فإذا لم يكن مني ذلك أفلا تعقلون أني لم أخترع من نفسي ؟ ! يحتمل هذا الكلام وجوهاً : أحدها : أنهم لما ادعوا عليه الاختراع من عنده قال : إني قد لبثت فيكم من قبله ، أي : [ من ] قبل أن يوحى هذا إلي ، فلم تروني خططت بيميني ، ولا اختلفت إلى أحد في التعلم والدراسة ، فكيف أخترع من عندي ؛ إذ التأليف لا يلتئم ولا يتم إلا بأسباب تتقدم ؟ ! والثاني : فقد لبثت عمرا سنين لم تعرفوني ولا رأيتموني كذبت قط ، فكيف أفتري على الله تعالى وأخترع القرآن من عند نفسي ؟ ! ألا ترى أنه قال على إثر هذه : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً . والثالث : يحتمل قوله : { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ } فلم أسمع أحداً ادعى البعث ، ولا أقام حجة عليه ، وأنا قد ادعيت البعث وأقمت على ذلك حجة ، أفلا تعقلون هذا أني لم أخترع من عند نفسي ؟ ! وقوله : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ } : يشبه أن هذا صلة قوله : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } أي كيف تطلبون مني إتيان غيره وتبديل أحكامه وقد تعرفون قبح الكذب وفحشه فكيف تسألونني الافتراء على الله وتكذيب آياته ؟ ويحتمل أن يكون صلة ما ادعوا عليه أنه افتراه من [ عند ] نفسه ؛ يقول : إنكم لم تأخذوني بكذب قط ، وقد لبثت فيكم عمرا فكيف تنسبوني إلى الكذب على الله ، وقد عرفتم قبح الكذب على الله وفحشه ؟ ! ويحتمل على الابتداء ثم قد ذكرنا أن قوله : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } استفهام ، فجوابه ما قاله أهل التأويل : لا أحد أبين ظلما ولا أفحش ممن افترى على الله كذباً ، لا أن تفسيره ما قالوه ، وقد ذكرنا هذا في غير موضع . { أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ } : الافتراء على الله تكذيب بآياته ، وتكذيب آياته افتراء على الله .