Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 18-20)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } يحتمل وجهين : ما لا يضرهم لو تركوا عبادته ولا ينفعهم إن عبدوه . والثاني : { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } أي : ما لا يملكون الضرر بهم ، { وَلاَ يَنفَعُهُمْ } أي : ولا يملكون جر النفع إليهم بسفههم في عبادتهم من لا يملك بهم دفع الضرر ، ولا يملك جر النفع ، وتركهم عبادة من به يكون جميع منافعهم وعذابهم ، ومنه يكون كل خوف وضرّ ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } : يحتمل هذا القول منهم تقليدا لآبائهم ؛ كقولهم : { وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] ظنوا أن آباءهم لما تركوا وما هم عليه لم يعذبوا - أنهم على الحق ، وأن الله قد رضي بذلك ، أو قالوا ذلك لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله والقيام بخدمته ، وقد يكون مثل هذا في ملوك الأرض أن كل أحد لا يرى نفسه يصلح لخدمة الملك ، فيخدم من دونه المتصلين به رجاء أن يكون من خدمه شفيعا له عند الملك ؛ فعلى ذلك هؤلاء طمعوا أن عبادتهم هؤلاء تقربهم إلى الله زلفى ، ويكونون لهم شفعاء عند الله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } يقول : أتنبئون الله [ أي أتخبرون الله ] بما لا يعلم ، أي : تعلمون أنه عالم ، أي : أتعلمون من تَعْلَمون أنه يعلم ما ذكر وأنتم لا تعلمون ذلك ، وقد تعلمون أنه لو كان كذلك لكان هو أعلم به منكم . والثاني : أن تقولوا ما لا يعلم ، أي : يعلم أنه ليس كما تقولون كقول الناس : ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون ، أي : ما شاء ألا يكون لا يكون . وقوله : { سُبْحَانَكَ } : كلمة جعلت لإجلال الله عما يحتمله غيره من الأشكال والأضداد ، ومن العيوب والآفات ، وهو في هذا الموضع يتوجه إلى وجهين إذ كانوا يعبدون ما ذكر ويقولون : هم شفعاؤنا عند الله ، فيقول : سبحانه أن يجعل لأمثال أولئك شفاعة عنده ؛ إذ الشفيع يكون من له منزلة وقدر عند من يشفع له ، والمنزلة تكون [ للعبيد بما يتعبدهم ] ، فيقومون بتوفير ما يحتمل وسعهم من العبادة ، فأما من لا يحتمل التعبد فهو بعيد عما ذكر يعني سبحانه أن يجعل الشفاعة لمن ذكر دون الأنبياء والرسل ، وهم قد أخبروا أنها لا تملك ضرا ولا نفعاً ، وفي الشفاعة ذلك . والثاني : أن يكون عما أشركوا في العبادة ، فسبحانه عن أن يكون معه معبود أو يأذن لأحد بعبادة غيره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ } اختلف فيه : قال بعضهم : قوله : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي : أهل مكة كانوا كلهم أهل شرك عبّاد الأصنام والأوثان ، لم يكن فيهم اليهودية ولا النصرانية ولا شيء من اختلاف المذاهب ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم اختلفوا : فمنهم من آمن به وصدقه وأخلص دينه لله ، ومنهم من عاند وكابر في تكذيبه بعد أن عرف أنه رسول الله ومنهم من شك فيه ، ومنهم من لم ينظر في أمره قط ولا تفكر فيه ؛ فصاروا أربع فرق . وقال بعضهم : قوله : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } ، بالفطرة ، أي : كانوا جميعاً على الفطرة ، وفي فطرة كل [ أحد ] الشهادة على وحدانية الله تعالى وألوهيته ؛ كقوله : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } [ آل عمران : 83 ] ، وقوله : { فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] في خلقة كل أحد الشهادة لله بالوحدانية له والألوهية فاختلفوا : فمنهم من كان على تلك الفطرة ، ومنهم من كذب واختار الكفر ، وهو ما روي : " كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه وينصرانه " . أخبر أنهم على الفطرة لو تركوا على ذلك ، لكن أبويه يمنعانه عن الكون عليها . وقيل : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي : كان الخلائق جملة أمم ؛ كقوله : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأنعام : 38 ] كأنه يعاتب هذه الأمة يقول : إن الأمم مع اختلاف جواهرها وأجناسها كانوا خاضعين لله مخلصين له ، فأنتم أيها الناس أمة من تلك الأمم ، فكيف اختلفتم وأشركتم غيره في ألوهيته وربوبيته ، مع ما ركب فيكم من العقول والتمييز بين ما هو حكمة وما هو سفه ، وقد فضلكم على غيرها من الأمم في خلق ما خلق في السماوات وما في الأرض لكم ، وسخر لكم ذلك كله ما لم يفعل ذلك بغيرنا من الأمم ؟ ! ومنهم من قال من أهل التأويل في قوله : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } : زمن نوح : نوح ومن دخل معه في السفينة كانوا على دين واحد ، فاختلفوا بعدما خرجوا . ومنهم من قال : آدم فاختلف أولاده . ومنهم من قال : زمن إبراهيم . لكنا لا نشهد كيف كان الأمر ، فلا نعلم إلا بخبر عن الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } قيل : لولا أن من حكمه ألا يعذب هذه الأمة عند تكذيبهم الآيات إذا سألوها وإلا لأهلكها كما أهلك الأمم الخالية بتكذيبهم الآيات عند السؤال ، ولكن أخر تعذيب هذه الأمة إلى يوم القيامة . والثاني : سبقت من ربك ألا يستأصل هذه الأمة عند تكذيبهم الرسل والعناد لهم أحد التأويلين في ترك استئصالهم ، والآخر في تأخير العذاب عنهم إلى وقت . وقوله : { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } ببيان يضطرهم إلى القبول . وقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } : جوابه - والله أعلم - ما ذكر : لولا كلمة سبقت من ربك ألا يعذب هذه الأمة بتكذيبهم الآيات عند سؤالها ، وإلا لعذبتم أنتم كما عذبت الأمم الخالية بتكذيبهم الآيات عند السؤال . وقوله - عز وجل - : { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } : أي : إنكم تعلمون أن علم الغيب لله ، وقد أنزل من الآيات ما يبين ويدل على رسالتي . وقوله : { فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } قيل : انتظروا هلاكي إني منتظر هلاككم ؛ لأنهم كانوا يوعدونه الهلاك . وقيل : انتظروا مواعيد الشيطان إني منتظر مواعيد الله ، وهو حرف وعيد ، والله أعلم .