Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 1-2)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } : قد ذكرنا الوجه في الحروف المقطعات في صدر الكتاب . وقوله : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } : قال بعضهم : الحكيم هو الله ، كأنه قال : ذلك الكتاب آيات الله . وقال بعضهم : الحكيم هو صفة القرآن . والكتاب يحتمل وجهين : يحتمل أنه سماه حكيماً فعيلا بمعنى أنه محكم ، وجائز تسمية المفعول باسم الفعيل ؛ نحو : قتيل بمعنى مقتول ، وجريح بمعنى مجروح ونحو ذلك ، فيه الحلال والحرام ، والأمر والنهي ، أو محكم متقن مبرأ من الباطل والكذب والاختلاف ، وهو ما وصفه تعالى : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ … } الآية [ فصلت : 42 ] . والثاني : حكيماً لما أن من تأمل فيه ونظر وفهم ما أودع فيه وأدرج ، صار حكيماً وهو ما وصفه وسماه مجيداً ، أي : من تأمله ونظر فيه صار مجيداً شريفاً . والحكيم هو المصيب في الحقيقة إن كان صفة القرآن أو صفة الله ، فإن كان صفة لله ، فهو حكيم واضع كل شيء موضعه ، وإن كان صفة للقرآن فهو كذلك أيضاً واضع كل شيء موضعه . وقوله : { آيَاتُ } : يحتمل آيات الكتاب المعروف ، ويحتمل الحجج والبراهين ، أي : حجج الكتاب وبراهينه أو أعلامه ، وقد تقدم ذكر الآيات في غير موضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً } يحتمل وجهين : يحتمل [ أي قد عجبوا ] أن أوحينا إلى رجل منهم . ويحتمل : أيعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم على الاستئناف ، كانوا يعجبون من ثلاث : من إنزال القرآن على رجل منهم يعجز الخلائق عن إتيان مثله ، ويعجبون من الوحي إلى رجل منهم وإرساله رسولا من بين الكل أو من البشر ؛ كقوله : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] ؛ وكقوله : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا … } [ ص : 8 ] ، وكانوا يعجبون من البعث ؛ كقولهم : { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً … } الآية [ ق : 3 ] . ثم يحتمل قوله : { إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } أي : من البشر ، أي : لا تعجبوا أن أوحينا إلى رجل من البشر ؛ فإن الإيحاء إلى من هو من البشر أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر ، وأقرب إلى الرأفة والرحمة ؛ لأن البشر يعرفون خروج ما هو خارج عن طوق البشر ووسعهم ، ولا يعرفون ذلك من غير جوهرهم وغير جنسهم ، ويألف كل جنس بجنسه وكل جوهر بجوهره ، ولا يألف غير جوهره ولا غير جنسه ، فإذا كان ما وصفنا كان بعث الرسول من جنس المبعوث إليهم وجوهرهم أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر ، وأقرب إلى الرأفة والرحمة . ويحتمل قوله : { أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } أي : من الأميين ، أي : لا يعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم ، أي : أمي فإن ذلك أبلغ في التعريف والحجاج ؛ لأنه بعث أميّاً لم يعرفوه بدراسة الكتب المتقدمة أو تلاوة شيء منها ، ولا عرفوه اختلف إلى أحد منهم في تعليم كتبهم ، ولا عرف أنه كتب شيئاً ولا خط خطا قط ، ثم أخبر عما في كتبهم على موافقة ما فيها ، وكانت كتبهم بغير لسانه ؛ دل أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى ؛ فذلك أبلغ في إثبات الرسالة والحجاج ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } : قال بعضهم : الإنذار يكون في كل مكروه مرهوب ، والبشارة في كل محبوب مرغوب . وقال بعضهم : { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } يعني : الكفار بالنار . { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } ثم اختلفوا في قوله : { قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } : قال بعضهم : إن لهم الجنة عند ربهم . وقيل : إن لهم الأعمال الصالحة يقدمون عليها . وقيل : قدم صدق : محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم عند ربهم . [ وقيل : إن لهم الجنة عند ربهم ] . وقيل : إن لهم [ ثواب أعمالهم ] الصالحة التي قدموها بين أيديهم { قَدَمَ صِدْقٍ } ، أي : سلف خير أو سلف وعْد وعِد لهم بذلك وكأن أصله من القدم . قال أبو عوسجة : يقال في الكلام : لفلان عندي قدم صدق ويد صدق ، أي : نعمة قد أسلفها إليّ . وقال القتبي : قدم صدق : يعني عملا صالحاً قدموه . وعن ابن عباس : رضي الله عنه - قال : سبق لهم السعادة في الذكر الأول . من قال : قدم صدق هو الشفاعة ، فالقدم كناية عن الشفاعة والصدق ، أي واقعة . ومن قال : وعدوا ثواب أعمالهم أي تقدم لهم وعد حق وصدق . ويحتمل { قَدَمَ صِدْقٍ } أي : ثبتت قدمهم لا تزل ، على ما وصف من ثبوت قدم المؤمنين والقرار فيه ، وتزل قدم الكافرين ؛ كقوله : { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } [ النحل : 94 ] . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } : ومن قرأ ( لسِحْرٌ ) عنى هذا القرآن . ومن قرأ ( لَسَاحِرٌ ) بالألف عنى به النبي . ثم السحر هو الذي يتراءى في الظاهر أنه حق وهو في الحقيقة باطل لا شيء ، ثم هو يأخذ الأبصار ويأخذ العقول . فأما الذي يأخذ الأبصار فهو ما يتراءى الشيء على غير ما هو في الحقيقة ، والذي يأخذ العقول هو أن يذهب بعقله فيصير مجنوناً . وقال فرعون لموسى : { إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } [ الإسراء : 101 ] أي : مجنوناً ، لكن هؤلاء لم يريدوا بقولهم : ( لسِحْر مبِين ) : السحر الذي يأخذ العقول ، ولكن أرادوا السحر الذي يأخذ الأبصار ؛ يقولون : إنه وإن كان أخذ الأبصار في الظاهر فهو لا شيء في الحقيقة ، ولكن في قولهم : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } دليل أنهم عجزوا عن رده ، وعرفوا أنه حق ، ولكن هم أرادوا التمويه على الناس ؛ كقول فرعون لسحرته حين آمنوا برب موسى : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } [ طه : 71 ] أراد أن يموه على الناس ؛ والله أعلم .