Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 3-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ الأعراف : 54 ] : إن القوم كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ، ويتخذون الأحبار والرهبان أربابا من دون الله ؛ يقول : إن ربكم الله الذي يستحق العبادة والألوهية هو الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض لا الذي تعبدونه . وقوله : { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ } : قد تقدم ذكره في صدر الكتاب . وقوله - عز وجل - : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } : وهو - أيضاً - على الأول : إن الذي يستحق صرف العبادة إليه وتوجيه الشكر إليه هو الذي يدبر الأمر في مصالح الخلق في جر المنافع إليهم ودفع المضار عنهم ، لا الذين لا يملكون المنافع إلى أنفسهم أو دفع المضار عنهم ، فضلا [ عن ] أن يملكوا أجرها إلى من يعبدهم أو دفع المضار عنهم . وقال بعض أهل التأويل : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } أي يقضيه ، والتدبير والقضاء واحد . وقال بعضهم : { يُدَبِّرُ } : يقدر ، وهو ما ذكرنا التدبير والتقدير سواء . وقوله - عز وجل - : { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } : الشفيع هو ذو المنزلة والقدر عند الذي يشفع إليه ، لا أحد في الشاهد يشفع لآخر إلى آخر إلا بعد أن يكون الشفيع عند الذي يشفع إليه ذا منزلة وقدر ، فإذا كان كذلك فمع ذلك أيضاً لا يشفع إلا من بعد ما أذن له بالشفاعة لمن جاء بالتوحيد . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } يقول : ذلكم الذي يستحق العبادة هو ربكم ، الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض ودبر أموركم ، فاعبدوه ولا تعبدوا الذي لا يملك شيئاً من ذلك . { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } : أنه هو المستحق للعبادة ، وهو المستوجب للشكر ، لا الذين تعبدون أنتم . أو أن يقول : أفلا تذكرون أن الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض هو ربكم ، وهو مدبر أمور الخلائق في مصالحهم ما يرجع إلى مصالحهم في دنياهم ودينهم ، لا الذي يعبدون من دون الله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } : إليه مرجع الخلائق كلهم في جميع الأوقات ، لكنه خص ذلك اليوم بالمرجع إليه لما أن الخلائق كلهم يعلمون يومئذ أنهم راجعون إليه ؛ وكذلك قوله : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] هم بارزون له في الدنيا والآخرة ، لكنهم يومئذ يعرفون ويقرون بالبروز له . وكذلك : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ } [ الحج : 56 ] الملك لله في الدنيا والآخرة وفي الأوقات جميعا ، لكنه خص ذلك اليوم لما لا ينازع في الملك في ذلك اليوم ، [ ويقرون بالملك له في ذلك اليوم ] وفي الدنيا من قد نازع في ملكه . هذا - والله أعلم - وجه التخصيص لذلك اليوم بالملك ، وإن كان الملك في الدارين جميعاً فعلى ذلك المرجع ، أو سمى البعث رجوعاً إليه ، لما المقصود من إنشائه البعث ، فسماه بذلك لما ذكرنا ؛ لأنه لو لم يكن المقصود من إنشائه إياهم سوى الإنشاء والإفناء ، كان خلقه إياهم عبثاً وباطلا ؛ كقوله : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } [ المؤمنون : 115 ] . وقوله - عز وجل - : { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } . يحتمل { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } : البعث الذي ذكر أنه يبدأ الخلق ثم يعيده . ويحتمل { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً } من الثواب والعقاب في الآخرة ؛ الثواب للمحسن منهم والعقاب للمسيء . وقوله : { إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } أي : عرفتم أنه هو الذي يراكم والخلق جميعاً ، فكذلك هو يعيدكم بعد إفنائكم ؛ إذ بدء الشيء على غير مثال أشد عندكم من إعادته على مثال ؛ كقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، أي : إعادة الشيء أهون عندكم من بدئه . وقوله - عز وجل - : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ } . قيل : بالعدل ، لكن ما يجزيهم ، إنما يجزيهم إفضالاً وإحساناً لا استيجاباً واستحقاقاً . ثم يحتمل قوله : { بِٱلْقِسْطِ } وجوهاً : أحدها : أنه يجزي المحسنين جزاء الإحسان ، والمسيء جزاء الإساءة ، ويفصل بين [ العدو والولي ] في الآخرة في الجزاء ، ويجعل للولي علامة وأثراً يعرف بهما من العدو ؛ إذ لم يفصل في الدنيا بين الأولياء والأعداء في الرزق وما يساق إليهم من النعيم ، ولا يجعل علامة يعرف بها الولي من العدو وجعل في الآخرة ذلك حتى يعرف هذا من هذا ، فهذا العدل الذي ذكرنا يشبه أن يكون هو ذلك . ويحتمل { بِٱلْقِسْطِ } الوزن ، أي : يجزيهم بالوزن على تعديل النوع بالنوع لا على القدر ، أي : يحزي بالحسنة قدراً لا يزيد على ذلك ، ولكن يجزي للخير خيراً وللحسنة حسنة وللسيئة سيئة . ويحتمل قوله : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الروم : 45 ] بالعدل ، أي : يجزي الذين عملوا بالعدل لم يجوروا فيه ولا جاوزوا الحد الذي حد لهم ، ولكن عملوا بالعدل فيه ، ويشبه أن يكون على تقديم العدل ليجزي الذين آمنوا بالعدل ، أي : لا يعذبهم في النار إذا آمنوا ، ثم الذين عملوا الصالحات يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، والله أعلم بالصواب ذلك . وقوله - عز وجل - : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ } أي : يجزيهم في الآخرة بما أقسطوا في الدنيا وعدلوا ، فيكون القسط على هذا التأويل نعتاً لهم . وإن كان ما ذكر من القسط راجعاً إلى الله ووصفاً له فهو يخرج على وجوه : أحدها : يجزي فريقاً من المؤمنين بالعدل ، يجزي لإحسانهم جزاء الإحسان ، [ ولإساءتهم جزاء الإساءة ؛ فيكون جزاء بالعدل ، ويجزي فريقاً آخر منهم بالفضل والإحسان : يجزي بحسناتهم جزاء الحسنة ، ] ويكفر عن سيئاتهم ؛ وهو كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } الآية [ الأحقاف : 16 ] ، وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ … } الآية [ النساء : 48 ، 116 ] . والثاني : يجزيهم بالفضل ؛ إذ العدل هو وضع الشيء موضعه ، أي : يضع الفضل في أهله لا يضعه في غير أهله ، ووضع الفضل في أهل الإيمان عدل ، إذ هم أهل له - والله أعلم - وهو كقوله : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } [ هود : 3 ] . والثالث : العدل الذي هو مقابل الإحسان وهو الفضل لا العدل الذي هو ضد الجور ؛ كقوله : { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ } الآية [ النساء : 129 ] ، لا يحتمل أن يقول : لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء في العدل الذي هو ضد الجور [ لأن ] في مثل هذا يستطيعون أن يعدلوا بينهم ؛ فعلى ذلك قوله : { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الروم : 45 ] بالعدل الذي هو مقابل الإحسان وهو الفضل ؛ إذ للفضل درجات ، وأصله أن جزاء الآخرة كله إفضال وإحسان وإنعام لا استحقاق واستيجاب . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } . قيل : الحميم : [ هو ] الشراب الذي انتهى حره غايته . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً } ذكر في الشمس الضياء وفي القمر النور فهو - والله أعلم - لأن الليل مظلم يظهر نور القمر فيه ويغلب على ظلمة الليل ويقهرها ، وأما النهار فهو مبصر على ما ذكر - عز وجل - : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] جعل فيه النور ، فلو جعل الشمس في النور خاصة ، لكان لا يظهر نور الشمس ولا غلب نورها على نور النهار ، ويغلبه ويقهره ليظهر المنافع التي [ جعل فيها ولو كان نوراً مثله لم يظهر نور هذا من هذا ولم يوصل إلى المنافع التي ] جعلت فيها للخلق ، وهو ما ذكر أنه مد الظل ، وأخبر أنه لو شاء لجعله ساكناً ولو كان ساكناً ممتدّاً على ما جعل بقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } [ الفرقان : 45 ] لكان لا يعرف الظل ، ثم أخبر أنه جعل الشمس دليلا عليه ليعرف بها الظل ، فتنسخ الشمس ذلك [ الظل ] الممدود شيئاً بعد شيء ، فصارت الشمس بها يعرف الظل وبها يظهر فضل ذلك الضياء الذي في الشمس كان به يعرف نورها من نور النهار وبه يوصل إلى منافع الشمس ، ولو كان نوراً لكان لا يعرف ولا يظهر ؛ إذ لا يغلب أحدهما صاحبه - والله أعلم - ولا يعرف آية الشمس من آية النهار ، ثم جعل آية الشمس غالبة على جميع الآيات حتى لا تبصر النجوم بالنهار أصلا والقمر وإن كان نوره يرى بجلاء ، فإن نور الشمس قد يغلبه ويقهره حتى لا يظهر أبداً . وقوله - عز وجل - : { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } . يشبه أن يكون التقدير الذي ذكر لهما جميعاً ويعرف الحساب وعدد السنين لهما جميعاً ، وكذلك ذكر في حرف حفصة : ( وقدرهما منازل ) ، وجائز أن يكون جعل الشمس بالذي يعرف بها أوقات الصلوات والأزمنة من الشتاء والصيف لا يعرف ذلك بالقمر ، وجعل في القمر معرفة الشهور والسنين ، وفي الشمس معرفة أوقات الصلوات والأزمنة ، لا يعرف بها الشهور والسنون إلا بعد جهد ؛ وبالقمر لا تعرف أوقات الصلوات والأزمنة ، جعل الله تعالى في الشمس منفعتين : منفعة التقلب ومعرفة الأزمنة ، ومعرفة نضج الأشياء وينعها ، وفي القمر منفعتين أيضاً : أحدهما : معرفة حساب الأيام والشهور والسنين ، ومعرفة نضج الإنزال والأشياء . وقوله - عز وجل - : { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } ليس أن يعرف هذا بهما ولا يعرف غيره ، بل يعرف ما ذكر وأشياء كثيرة . وقوله - عز وجل - : { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } . قال أبو بكر الأصم والكيساني : { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ، أي : ما خلق الله ذلك إلا وقد جعل فيه دلالة معرفته . وقال قائلون : { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ، أي : ما خلق الله ذلك إلا وقد جعل فيه [ دلالة معرفة ] الشهادة له على الخلق ، وهي شهادة الوحدانية والألوهية . وقال بعضهم : ما خلق الله ذلك إلا بالأمر الكائن لا محالة وهو البعث . ويحتمل قوله : { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي : بالحكمة ، لم يخلق ذلك عبثاً باطلا ؛ وهو كقوله : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً } [ ص : 27 ] ولكن بحكمة . وقوله - عز وجل - : { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . قيل : نبين أو نصرفها لقوم ينتفعون بعلمهم ، إنما ذكر الآيات فيما ذكر لقوم يعقلون ولقوم يتفكرون ولقوم يفقهون الآيات التي ينتفعون بها ويعقلون الشيء ، إنما يكون للشيء الذي ينتفع به لا للذي لا ينتفع به . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } . إن في اختلاف الليل والنهار آية البعث ودلالة تدبير صانعهما ، أما دلالة البعث فيه أن كل واحد منهما إذا جاء ذهب الآخر وفني حتى لا يبقى له الأثر ، ثم يتجددان ويحدثان على ذلك أمرهما ، ويتلف كل واحد منهما صاحبه حتى لا يبقى له الأثر ، فمن قدر على ما ذكرنا قدر على بعثهم وإنشائهم بعد الموت بعدما صاروا تراباً ، وأما دلالة التدبير فهو جريانهما [ وسيرهما ] على سنن واحد وتقدير واحد من غير تغيير يقع فيهما أو تفاوت أو نقصان يقع فيهما أو زيادة وإن كان أحدهما يدخل في الآخر ، دل على ما ذكرنا أنهما يجريان ويختلفان على شيء واحد وجريان واحد ؛ أن فيهما تدبيراً غير ذاتي وعلماً أزليّاً وأنه واحد ؛ إذ لو كان التدبير فيهما لعدد لكانا مختلفين ولا يجريان على قدر واحد من غير تفاوت فيهما أو نقصان أو زيادة ، دل أنه واحد ، وبالله التوفيق . وفي ذلك دلالة وحدانية منشئهما وخالقهما ؛ لأنه أنشأهما وبينهما من البعد ما بينهما من البعد ، وجعل منافع أحدهما متصلة بمنافع الآخر على بعد ما بينهما ، دل أن منشئهما واحد ؛ إذ لو كان فعل عدد منع كل منهم فعله عن الوصول بالآخر على ما هو فعل ملوك الأرض . وقوله - عز وجل - : { لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } . مخالفة الله ويتقون جميع الشرور والمساوي .