Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 21-23)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } : قال أهل التأويل : { أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } يعني : أهل مكة إذا أصابهم سعة وفرح ونجاة مما يخافون عادوا إلى ما كانوا من التكذيب وعبادة الأصنام ، ولكن أهل مكة وغيرهم أنهم إذا أيسوا عما يعبدون من الأصنام والأوثان ، فزعوا إلى الله ويخلصون له الدين ؛ كقوله : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } الآية [ العنكبوت : 65 ] ، وقوله : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً … } الآية [ يونس : 12 ] ، وقوله : { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ … } الآية [ الروم : 33 ] ، وغير ذلك من الآيات مما يكثر عددها ، كانت عادتهم الفزع إلى الله عند إصابتهم الشدائد والبلايا ؛ لعلمهم أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لا يدفعون عنهم ذلك . وقوله - عز وجل - : { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } : المكر في الآيات تكذيبها وردها ، فيشبه أن تكون الآية هاهنا محمدا ، كان هو من أول أمره إلى آخره آية ، فمكروا به لما هموا بقتله غير مرة ؛ كقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } الآية [ الأنفال : 30 ] ، ويحتمل سائر الآيات والحجج مكروا فيها ، أي : كذبوها وردوها . { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } : المكر الأخذ من غير أن يعلم هو به ، يقول : الله أسرع أخذاً يأخذكم وأنتم لا تعلمون به ، ولا تقدرون أن تأخذوا رسول الله وتمكروا به إلا وهو يعلم بذلك ، فهو أسرع أخذا منكم . { إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } : فهم الحفظة . ويحتمل قوله : { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } أي : أسرع لجزاء المكر منكم ، أو أسرع أخذاً من حيث لا تعلمون أنتم . وقال بعض أهل اللغة : المكر بالآيات هو الرد والجحود لها . وقال بعضهم : استهزاء بها ؛ فهو واحد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } : اختلف فيه : قال بعضهم : قوله : { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ } أي : هو الذي سخر لكم ما به تسيرون في البر والبحر ، وهو الدواب والسفن التي يقطع بها البراري والبحار ، وهو كقوله : { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [ الزخرف : 13 ] . وقيل : قوله : { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي : سخر لكم البر والبحر وهما مكانا الخوف والهلاك ، أي : حفظكم فيهما حتى قضيتم فيهما حوائجكم ، وليس في وسع الخلق حفظ البراري والبحار عما فيهما من الأهوال ، فتولى الله بفضله حفظ السائرين فيهما ، حتى قضوا فيهما حوائجهم ؛ وهو كقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا … } [ النحل : 14 ] إلى آخر ما ذكر من أنواع المنافع ، فلولا أن الله سخر لهم ذلك وحفظهم فيه ، وإلا لم يكن في وسعهم القيام بذلك وحفظ أنفسهم فيه من الأهوال التي فيه ، يذكرهم نعمه ومننه التي أنعمها عليهم ليوجهوا شكر نعمه إليه . ثم قوله : { يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } يحتمل يخلق وينشئ سيركم في البر والبحر ؛ وهو كقوله : { وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ … } الآية [ سبأ : 18 ] ، والتقدير هو التخليق والمقدر المخلوق ، ففيه دلالة خلق أفعال الخلق ؛ لأن السير هو فعل الخلق أضافه إلى نفسه ؛ دل أنه منشئ فعلهم ، والله أعلم . ويشبه أن يكون قوله : { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } لم [ يرد ] به البر والبحر نفسه ، ولكنه أراد تذكير نعمه عليهم في كل حال وكل وقت ليشكروا له في كل حال ؛ وهو كقوله : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [ الروم : 41 ] لم يرد به البر والبحر أنفسهما ، ولكن أراد المكان الذي فيه المياه والمكان الذي لا مياه فيه ، أي : ظهر الفساد في الأماكن كلها ؛ فعلى ذلك الأول يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم في الأماكن كلها والأحوال جميعاً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } أي : ركبتم الفلك ، { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } أي : تجري بهم السفن بريح طيبة . يخبر أن السفن ليست تجري في البحار بجريان الماء ؛ لأن ماءها [ راكد ] في الظاهر ، ولكن الريح هي التي تجريها وتسيرها ؛ وكذلك الأمواج التي تكون فيها ليست لشدة جريان الماء ، ولكن الريح هي التي تهيج [ الأمواج وتزعجها لا بنفس الماء { وَفَرِحُواْ بِهَا } قيل : فرحوا بها : سروا بها . ويحتمل فرحوا بها ، أي : بطروا بها وأشروا . وقوله : { جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } ] ، أخبر أن من الريح ما هي طيبة تجرى بها السفن ، ومنها ما هي عاصفة قاصفة تكسر وتفرق السفن وتهلك أهلها ؛ ليعلم أن الأشياء تصلح تارة وتفسد تارة لا لأنفسها ، ولكن لحفظ الحدود فيها ، وكذلك النار تحرق مرة وتفسد ومرة تصلح وذلك لحفظ الحدود فيها ، وكذلك الماء مرة يصلح ومرة يفسد ، وذلك إذا حفظ فيه الحد أصلح ، وإن لم يحفظ أفسده ، وإلا لا يحتمل الشيء الواحد لنفسه يصلح مرة ويفسد تارة ، ولكن لحفظ الحدود فيه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } قيل : أيقنوا أنهم مهلكون ، ولكن الإيقان بالشيء الذي يصيب به في حادث الأوقات إنما يكون بالخبر لأنه لا يدري لعل الله يصرف ذلك عنهم ، فلا يقع به الإيقان ، ولكن جعل غالب الظن فيه في كثير من الأشياء كالإيقان به ألا ترى أن الله أباح الميتة في حال الضرورة لغالب الظن ؛ إذ قد يجوز ألا يهلك بذلك ، وكذلك ما أبيح للمكره بالقتل أن يجري كلمة الكفر على لسانه لغالب الظن ، وإلا ليس يعلم بالإحاطة أنه يقتله لا محالة ، لكن جعل لغالب الظن في بعض المواضع حكم اليقين والإحاطة فعلى ذلك قولهم أيقنوا أنهم أحيط بهم لغالب الظن . وقوله - عز وجل - : { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } : أنهم لما أيسوا عن الأصنام التي عبدوها في دفع ما حل بهم عنهم ، فزعوا إلى الله ، وأخلصوا الدعاء له ، وقالوا : لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ، ثم أخبر عن سفههم بعودهم إلى ما كانوا من قبل ، { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } ، وهكذا كانت عادتهم كانوا يفزعون إلى الله عند خوف الهلاك والإياس عن آلهتهم التي عبدوها ، ويخلصون الدعاء له ، فإذا كشف ذلك الكرب عنهم ودفع ، عادوا إلى ما كانوا من قبل . والبغي في الأرض هو الفساد فيها . وقوله : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يحتمل قوله : { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي : بعضكم على بعض . ويحتمل : { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي : حاصل بغيكم يرجع على أنفسكم . والبغي هو الظلم ؛ فإن كان التأويل : من أنفسكم بعضكم على بعض ؛ فيكون الوعيد في قوله : { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ } وقوله : { ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ما قد ذكرنا ، وهو حرف وعيد ، والله أعلم .