Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 25-26)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } اختلف فيه ؛ قيل : الجنة ، والسلام : الله أضافها إلى نفسه ؛ كقوله : { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } [ الجن : 18 ] فأضاف الجنة إلى السلام إن كان دار السلام هي الجنة ، فهو - والله أعلم - لأن المساجد هي أمكنة يقام فيها القرب ، والجنة هي مكان اللذة وقضاء الشهوة ، فأضافها إلى السلام لما يسلم أهلها عن جميع الآفات ، والمساجد خصت بالإضافة إلى الله تعالى ؛ لأنها أمكنة يقام فيها القرب . وقال بعضهم : دار السلام : الإسلام . ثم يحتمل كل واحد من التأويلين وجهين بما سمى الإسلام دار السلام والجنة ، كذلك سمى الإسلام دار السلام ؛ لأنه يأمن ويسلم كل من دخل فيه عن جميع الأهوال والآفات التي تكون . والثاني : سمى [ الإسلام دار السلام ] أضافه إلى نفسه ؛ كقوله : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ … } الآية [ الزمر : 22 ] ، أخبر أنه على نور من ربه ؛ فعلى ذلك إضافة الإسلام إليه . ومن قال : دار السلام الجنة سمى دار السلام ؛ لأن كل من دخل الجنة سلم وأمن عن الأهوال كلها والآفات جميعاً . والثاني : دار : الجنة ، والسلام : الله أضاف إليه ؛ لأنها دار أوليائه ، وقد تضاف إلى الله على إرادة أوليائه ، والله أعلم . وروي في بعض الأخبار عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قيل لي لتنم عينك ، وليعقل قلبك ، ولتسمع أذنك فنامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني ، ثم قيل لي : سيد بنى داراً وجعل مأدبة وأرسل داعياً ، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد ، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ولم يرض عنه السيد فالله السيد ، والدار الإسلام ، والمأدبة الجنة ، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم " . إن ثبت هذا الخبر ففيه أن الدار الإسلام على ما قاله بعض أهل التأويل وفي خبر آخر عن جابر بن عبد الله قال : " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي ، قال أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا ، قال : اسمع سمعت أذنك ، وأعقل عقل قلبك ، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بنياناً فأتمه ، ثم جعل فيها المأدبة ، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه ، فمنهم من أجاب الرسول ، ومنهم من تركه ، فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة ، وأنت يا محمد الرسول ، ومن أجابك دخل الإسلام ، ومن دخل الإسلام دخل الجنة ، ومن دخل الجنة أكل ما فيها " . هذا يدل - أيضاً - إن ثبت أن الدار التي ذكر في الآية هو الإسلام ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ … } الآية : ذكر الاستثناء في الهداية ، ولم يذكر في الدعاء ؛ ليعلم [ أن ] لا كل من يدعو إلى دار السلام يهديه ، وإنما [ يهدي به ] من يعلم منه أنه يختار الهدى وذلك على القدرية . ثم الهدى على وجوه ثلاثة . أحدها : الدعاء كقوله : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [ الرعد : 7 ] . والثاني : هو البيان كقوله : { هُدًى وَرَحْمَةً } يعني القرآن . والثالث : التوفيق والعصمة إذا وفق اهتدى ، والهدى هاهنا التوفيق . وقوله - عز وجل - : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } : اختلف فيه ؛ قال بعضهم : للذين أحسنوا في الدنيا لهم الحسنى في الآخرة جزاء ذلك الإحسان وهي الجنة ، سمى الجنة الحسنى ؛ لأنها جزاء الإحسان ، كما سمى النار السوءى ؛ كقوله : { أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ } [ الروم : 10 ] لأنها جزاء السوء ؛ كقوله : { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] { وَزِيَادَةٌ } قيل : المحبة في قلوب العباد يحبه كل محسن ، وهيبة له في قلوب الناس يهابه كل أحد على غير سلطان له ولا يد . وقال قائلون : قوله : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } أي : مثل تلك الحسنة وزيادة التضعيف ، حتى تكون عشرا وسبعمائة وما شاء الله ، يدل على ذلك قوله : { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } [ يونس : 27 ] . وقال قائلون : [ قوله ] : { وَزِيَادَةٌ } الرؤية : رؤية الرب والنظر ؛ كقوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] . وقال قائلون : الزيادة قبول حسناته مع ما فيها من الخلط بالسيئات ، يقبل حسناته بفضله . وإن كانت تشوبها السيئات ورضاه عنه ، وذلك طريقه الفضل والإحسان ؛ إذ قد سبق من الله تعالى إليه من النعم ما لا يقدر القيام على وفاء نعمة منها طول عمره . وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : " الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب " . فلا ندري ما الزيادة التي ذكرها عز وجل في الآية إلا بالخبر عن الله . وقال قائلون : الحسنى ما تقدره العقول وتدركها وتصورها الأوهام ، وأما الزيادة فهي التي لا تقدرها العقول ولا تدركها ولا تصورها الأوهام ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : " ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ } قيل : لا يغشى وجوههم الغبار والريح على ما وصف وجوه أهل النار ، وهو قوله : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [ عبس : 40 - 41 ] ، ولكن على ما وصف وجوه أهل الجنة بقوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } [ عبس : 38 - 39 ] ، وذلك - والله أعلم - آثار إحسانهم التي أحسنوا في الدنيا ، ولما لم يروا النعم التي كانت لهم من سواه ولم يصرفوا شكرها إلى غيره ، والغبرة والقترة التي ذكر لأهل النار هي آثار السيئات التي عملوها في الدنيا من عبادتهم دون الله وصرفهم شكر النعم إلى غيره ونحو ذلك من صنيعهم الذي صنعوا في الدنيا ، والله أعلم . { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .