Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 27-30)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } : جزاء سيئة مما يوجبه الحكمة أن يجزي بمثلها ، وأما جزاء الإحسان والخير طريق وجوبه [ الإفضال والإحسان ليس طريق وجوبه ] الحكمة ، إذ سبق من الله ، إلى كل أحد من النعم ما ليس في وسعه القيام بمكافأة واحدة منها عمره وإن طال واجتهد كل جهده ، فضلا أن يستوجب قبله جزاء ما كان منه من الخيرات . وقوله : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } : هو ما ذكرنا من آثار السيئات التي عملوها في الدنيا ذلا وهواناً لهم { مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } ، وذلك أنهم - والله أعلم - كانوا يعبدون الأصنام رجاء أن يكونوا [ لهم شفعاء ] عند الله ، فأخبر أن ليس لهم من عذاب الله مانع يمنع ذلك عنهم ؛ كقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] . وقوله - عز وجل - : { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ } قيل : ألبست وأغطيت قطعاً مثقلا ومخففا قطعا ، قيل : القطع بالتثقيل هو جمع القطعة ، والقطع بالتخفيف جزء من الليل ، يقال : سرنا بقطع من الليل ، أي : بجزء من الليل ، وقوله : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } [ هود : 81 ] أي : بجزء منه ، والله أعلم . ثم شبه وجوههم بظلمة الليل ، ولم يشبه بسواد الوجوه على ما يكون من سواد الوجوه في الدنيا ؛ فذلك - والله أعلم - أن سواد الوجوه على ما يكون في الدنيا لا يبلغ من القبح غايته ؛ إذ قد يرغب من كان جنسه ونوعه في ذلك ويحسن ذلك عنده ، فإذا كانت الرغبة قد تقع لبعضهم في بعض لم يبلغ في القبح نهايته ، وأما ظلمة الليل : فإن الطباع تنفر عنها ، ولا تقع الرغبة فيها بحال ؛ لذلك شبه وجوه أهل النار بها ، والله أعلم . { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } : قال أهل التأويل : يعني العابد والمعبود الذين عبدوا دونه ، ولكن نحشر الخلائق جميعاً . { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } . وقوله - عز وجل - : { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } هذا الحرف هو حرف وعيد ؛ يقال : مكانك أنت ، كذا وإن كان هذا الحرف يجوز أن يستعمل في الكرامات وبر بعضهم بعضا ، ولكن إنما يعرف ذا من ذا بالمقدمات ، فما تقدم هاهنا يدل أنه لم يرد به الكرامة ، ولكن أراد به الوعيد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } قيل : فرقنا بينهم [ وميزنا بينهم ] ، أي : بين العابد والمعبود . ثم يحتمل التفريق بينهم وجوهاً : أحدها : فرقنا بينهم في الحساب مما عمل ومما صحب . والثاني : يحتمل فرقنا بينهم لما طمعوا بعبادتهم إياها والشفاعة أن يكونوا لهم شفعاء عند الله ، ففرق بينهم في الشفاعة . ويحتمل فرقنا بينهم فيما ضل عنهم ما كانوا يفترون ، فصار ما عبدوا ترابا وهم في النار . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ } : يحتمل قوله : شركاؤهم : سماهم شركاء وإن لم يكونوا [ شركاء في الحقيقة ] لما عندهم أنهم شركاء ؛ كما سمى الأصنام آلهة لما عندهم أنها آلهة . والثاني : { شُرَكَآؤُهُمْ } لما أشركوها في العبادة فهم شركاؤهم ، والله أعلم . وقوله : { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } : ينطق الله تعالى [ يوم القيامة هذه الأصنام ] وإن لم يكن في خلقتها النطق في الدنيا ؛ كقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [ الزلزلة : 4 ] ، وقوله : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ … } الآية [ النور : 24 ] ، أنطقهم ليشهدوا عليهم . وقوله : { مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } : يحتمل الملائكة أن يكونوا هم الذين أنكروا ؛ لأن منهم من يعبد الملائكة ، أنكروا أن يكونوا يعبدونهم ؛ لأن العبادة لآخر إنما تكون عبادة إذا كان من المعبود أمر بها ، وكانت عبادتهم الأصنام عبادة للشيطان لأنه هو الآمر لهم بالعبادة للأصنام ؛ كقوله : { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [ مريم : 44 ] ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ، لكنه لما كان الآمر لهم بالعبادة للأصنام صار كأنهم عبدوه ، وإن لم يقصدوه بها ويحتمل ما ذكر من الإنكار من الأصنام . وقوله - عز وجل - : { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أي : كفى الله القاضي والحاكم بيننا وبينكم أنا لم نأمركم بعبادتنا ، وهو العالم بأنا كنا بعبادتكم إيانا غافلين . وقوله - عز وجل - : { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ } قيل : عند ذلك ، وقيل : يومئذ أي يوم القيامة . وقوله : { تَبْلُواْ } أو { تَتْلُواْ } بالباء والتاء ، قيل : تقرأ في الصحف : " ما كتب من أعمالهم " وتبلو بالباء من الابتلاء ، يقال : بلوته وابتليته واحد ، وخبرته واختبرته أيضاً ، وقيل : { تَبْلُواْ } تجد وتعلم كل نفس ما قدمت من الأعمال [ وقيل : تجزى كل نفس بما عملت . وقيل : { تَتْلُواْ } بالتاء أيضاً : تتبع ، كل نفس ما قدمت من الأعمال ] والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } قيل : ملكهم الحق لأن غيره من الآلهة التي عبدوها قد بطل عنهم وضل في الآخرة . ويحتمل : { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } أي : حق ما تجد كل نفس ما قدمت من أعمالها ، أو حق أن تقرأ كل نفس ما عملت وضل عنهم ما كانوا يفترون من العبادة للأصنام وقول الكفر ، وقوله : { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } يحتمل وجهين ؛ أي : ردوا إلى ما أعدّ لهم مولاهم الحق ، والثاني أي : ردوا إلى أمر مولاهم الحق ، لا إلى أمر الأصنام التي كانوا يعبدونها .