Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 37-43)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } قال بعضهم : هو صلة قوله : { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } [ يونس : 15 ] فيقول : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ؛ كقوله : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ } [ يونس : 15 ] أي ما أتبع إلا ما يوحى إلي . وقال بعضهم : إن كفار قريش قالوا : إن محمداً افترى هذا القرآن من عند نفسه ويقوله من نفسه ، فقال : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أن يضاف إلى غيره أو يختلق . { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : يصدق هذا القرآن الكتب التي كانت من قبل ، ولو كان محمد هو الذي افتراه واختلقه من عند نفسه لكان خرج هو وسائر الكتب المتقدمة مختلفا ، إذ لم يعرف محمد سائر الكتب المتقدمة إذ كانت بغير لسانه ، ولم يكن له اختلاف إلى من يعرفها ليتعلم ، ثم خرج هو أعني القرآن مصدقا وموافقا لتلك الكتب ؛ دل أنه من عند الله جاء ؛ كقوله : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ … } الآية [ العنكبوت : 48 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يخرج على وجهين ؛ أحدهما : ما كان هذا القرآن بالذي يحتمل الافتراء من دون الله ؛ لخروجه عن طوق البشر ووسعهم ، فذلك بالذي يحيله كونه مفترى بجوهره . والثاني : لما أودع فيه من الحكمة والصدق يدل على كونه من عند الله ؛ إذ كلام غيره يحتمل السفه والكذب ويحتمل الاختلاف . { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } قيل فيه بيان الكتب التي نزلت قبله ، وتمامه أن هذا وإن كان في اللفظ مختلفا فهو في الحكمة والصدق مبين موافق للأول . وقيل : { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ } [ أي : تفصيل ] ما كتب لهم وما عليهم . أو أن يقال ؟ إلى الله تفصيل الكتب ليس إلى غير { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أنه من عند رب العالمين . أو يقول : مفصل من اللوح المحفوظ . وقوله - عز وجل - : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ } يقول : إن كان محمد افتراه من عند نفسه ، فأتوا أنتم بمثله ؛ إذ لسانه ولسانكم واحد ، فأنتم قد عرفتم بالفرية والكذب ، ومحمد لم يعرف به قط ، ولا أخذ عليه بكذب قط ، فأنتم أولى أن تأتوا بسورة مثله . { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } اختلف فيه : قال بعضهم : ادعوا بآلهتكم التي تعبدونها ؛ ليعينوكم على إتيان مثله . وقال بعضهم : { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } أي : بمن لسانه مثل لسانكم ؛ ليعينوكم على ذلك . أو يقول : استعينوا بدراسة الكتب ؛ ليعينوكم على مثله إن كنتم صادقين أن محمداً افتراه من نفسه ؛ فدل ترك اشتغالهم بذلك على أنهم قد عرفوا أنه ليس بمفترى ، وأنه سماوي . وقوله - عز وجل - : { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } . قال بعضهم : ما لم يحفظوا نظمه ، ولا لفظه ، ولا نظروا فيه ، ولا تدبروا ؛ ليعلموا معناه ، بل كذبوه بالبديهة ، والشيء إنما يعرف كذبه وصدقه بالنظر فيه والتفكر والتدبر ، لا بالبديهة ، فذلك - والله أعلم - تأويل قوله : { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } . الثاني : { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } كذبوا على علم منهم أنهم كذبة فيما يقولون ، ويتقولون : إنه مفترى ليس بمنزل { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } ، أي : ولما يأتهم العلم بتأويله ، أي : بتأويل القرآن . ومعناه - والله أعلم - : أنهم كذبوه من غير أن حفظوا نظمه ، ووعوا لفظه ، ولا أتاهم العلم بعاقبته وآخره . وقيل : التأويل : هو رد كل شيء إلى أولية الأمر . وقالت الحكماء : التأويل : آخر كل فعل هو قصد في أوله وقصد كل شيء في أوله هو آخر في فعله ، أو نحوه . وقال بعضهم : { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } قال : ما وعد الله أن يكون قبل أن يكون . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : تأويل القرآن بما يكون منه في الدنيا ، وبما يكون منه يوم القيامة ، وهو العذاب الذي وعد . وقال بعضهم : { تَأْوِيلُهُ } : ثوابه . وقيل : عاقبته . وقال الواقدي : لم يأتهم عاقبة بيان ما وعد الله في القرآن في الآخرة من الوعيد . وأصل التأويل : هو النظر إلى ما تئول عاقبة الأمر . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، أي : كذلك كذب الأمم السالفة رسلهم ، كما كذب كفار مكة رسولهم ، أي : لست أنت بأول مكذب ، بل كذب من كان قبلك من إخوانك ؛ ليكون له التسلي عما هو فيه من تكذيبهم إياه ، وردهم عليه أنه ينزل بهم ما نزل بأولئك إن هم أقاموا على ما هم عليه . والثاني : أن يكون الخطاب وإن كان خارجاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو راجع إلى قومه يأمرهم بالنظر فيما نزل بالأمم السالفة ، وأن يتأملوا أحوالهم ؛ ليكون ذلك سببا لزجرهم عما هم فيه . وقوله - عز وجل - : { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } بالتكذيب ، أي : كيف يعاقبون ويعذبون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ } قيل : من أهل مكة من يؤمن بهذا القرآن ، ومنهم من لا يؤمن به ، وهم كذلك كانوا ، منهم من قد آمن به ، ومنهم من لا يؤمن به ، أي : من لم يؤمن به . ويحتمل على الوعيد فيما يستقبل ، أي : منهم : من أهل مكة من يؤمن بهذا القرآن ، ومنهم من لا يؤمن به ، وهم كذلك كانوا : منهم من قد آمن ، ومنهم من لم يؤمن به . قال بعضهم : هي في اليهود ، ليست في أهل مكة ، وظاهره أن يكون في كفار مكة ، وعلى ذلك قول عامة أهل التأويل ، كأن هذا يخرج على البشارة : أن منهم من يؤمن به ؛ لئلا يقطع ويمنع دعاءهم ، وأخبر أن منهم من لا يؤمن به ، يؤيسه حتى لا يشتد حزنه على كفرهم . وجائز أن يكون هذا [ : أي : منهم من ] قد يولد من بعد ، ويؤمن به ، ومنهم من يولد فلا يؤمن . وقوله : { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } يشبه أن يكون معناه : أي : على علم بما يكون منهم من الفساد خلقهم وأنشأهم ، وليس عن غفلة وجهل بالفساد ، ولكن عن علم بذلك ؛ لما لا يضره فساد مفسد ، ولا ينفعه صلاح [ من يصلح ] ، إنما عليهم ضرر فسادهم ، ولهم منفعة صلاحهم . ويحتمل أن يكون على الوعيد ، أي : عالم بفسادهم ، فيجزيهم جزاء فسادهم ، والله أعلم . وقوله : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } ، تأويله - والله أعلم - أي : إن كذبت فيما أخبرتكم : أنه جاء من عند الله ، فـ { لِّي عَمَلِي } ، أي : جزاء عملي فيما أبلغكم ، أي : فعلي وزر عملي ، { وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } ، أي : فعليكم جرم ما رددتم علي فيما بلغتكم عن الله ، وهو كقوله : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } [ هود : 35 ] ، أي : علي جرم ما افتريت إن افتريت ، وعليكم جرم ما رددتم علي فيما بلغتكم عن الله . ويحتمل : ما قاله أهل التأويل : { لِّي عَمَلِي } أي : لي ديني { وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } أي : لكم دينكم . { أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } . تأويله - والله أعلم - أي : أنا لا أؤاخذ بما دنتم أنتم ، ولا أنتم تؤاخذون بما دنت أنا وعملت ، وهو كقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ … } الآية [ الأنعام : 52 ] ، وقوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ … } الآية [ النور : 54 ] ، وقوله : { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ … } الآية [ النور : 54 ] ، وكقوله : { لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا … } الآية [ سبأ : 25 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } أخبر أن منهم من يستمع إليه ، يعني : إلى رسول الله ، وإلى ما يتلو من القرآن ، [ لكنه لا يؤمن ، أخبر أنه ] لا كل مستمع إلى شيء ينتفع بما يستمع أو يعقل ما يستمع ويفهم ، إنما ينتفع بالاستماع ويعقل على قدر المقصود والحاجة إليه . [ ومنهم من كانوا ينهون من يستمعون لقبول القول منهم ] . ومنهم من كان يستمع إليه ؛ ليسمع غيره ، كقوله : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } [ المائدة : 41 ] . ومنهم من كان يسمعه ، ويطيعه في ذلك ، فإذا خرج من عنده غيره وبدله كقوله : { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ } [ النساء : 81 ] . ومنهم من كان يستمع إليه ؛ استهزاء منه ، وطلب الطعن فيه والعيب ، كانوا مختلفين في الاستماع ، ثم نفى عنهم السمع والعقل والبصر ؛ لوجهين : أحدهما : ما ذكرنا أنهم لما لم ينتفعوا بأسماعهم وعقولهم وأبصارهم وهذه الحواس انتفاع من ليست له هذه الحواس ، [ نفى عنهم ذلك ؛ إذ هذه الحواس ] إنما جعلت ، لينتفع بها لا لتترك سدى لا ينتفع بها . والثاني : كان العقل والسمع والبصر ، وهذه يكون منها مكتسب بالاكتساب ، ومنها ما يكون غريزة ، فهم تركوا اكتساب الفعل الذي جعل مكتسباً فنفى عنهم ؛ لما تركوا اكتساب ذلك . ويحتمل نفي هذه الحواس لهذين الوجهين اللذين ذكرتهما ، والله أعلم . ثم نفى عمن لا يستمع العقل ، حيث قال : { لاَ يَعْقِلُونَ } ، ونفى عنهم الاهتداء والإبصار بترك النظر ، فقال : { أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } ؛ لأن بالبصر يوصل إلى اهتداء الطرق والسلوك فيها ، ألا ترى أن البهائم قد تبصر الطرق ، وتسلك بها ، وتتقي بها المهالك ، ولا تعقل ، لما ليس لها العقل ، فلا تعقل لما يسمع القلب بعقل ، وبظاهر البصر تبصر الأشياء .