Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 31-36)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ … } الآية : يحاجهم يعني : أهل مكة في التوحيد [ والربوبية وكأن هذه السورة نزلت في محاجة أهل مكة في التوحيد ] لأنها مكية . وقوله - عز وجل - : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } يحتمل وجهين ؛ أي : من ينزل لكم الرزق من السماء ، ومن يستخرج لكم الرزق من الأرض . والثاني : من يرزقكم من السماء والأرض أي ومن يدبر الرزق في السماء ، ومن يدبر الرزق في الأرض ، لا أحد يملك استنزال الرزق من السماء ، واستخراج الرزق من الأرض ؛ وكذلك لا أحد يملك تدبيره في السماء والأرض سواه ، ولا أحد يملك إنشاء السمع والبصر ، ولا أحد أيضاً يملك إخراج الحي من الميت ولا إخراج الميت من الحي ولا تدبير الأمر ، لا يعرفون حقيقة ماهية السمع والبصر ولا كيفيتهما ، فكيف يملكون إنشاء السمع والبصر ونصبهما ، ولا [ يملك أحد ] سواه إصلاح ما ذكر إذا فسد ذلك ، فأقروا له أنه لا يملك أحد سوى الله ذلك ، وهو قولهم : { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [ يقول : والله أعلم - : إذا عرفتم وأقررتم أنه لا يملك ما ذكر سواه وعرفتم أن له السلطان والقدرة على ذلك أفلا تتقون ] بوائقه ونقمته ، [ أو يقول : أفلا تتقون عبادة غيره دونه ، وإشراك غيره في ألوهيته وربوبيته ] ، أو يقول : أفلا تتقون صرف شكره إلى غيره وقد أقررتم أنه هو المنعم عليكم بهذه النعم لا من تعبدون دونه . أو يقول - والله أعلم - : إذا عرفتم ذلك أفلا تتقون مخالفته وعصيانه ، فإذا أقروا أن الذي يملك تدبير ما بين السماء والأرض هو الذي له السماوات والأرض عرفوا الذي يستحق العبادة والقيام بشكره ، فإذا ضيعوا ذلك جمعهم على اسم الضلال ؛ فذلك قوله : { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } . وقوله تعالى : { فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ } أي : ذلكم الذي ذكر ربكم بالحجج والبراهين ، فماذا بعد الحق الذي هو حق بالحجج والبراهين إلا الضلال ؟ ! لأن ما لا حجج له ولا براهين فهو ضلال . وقوله - عز وجل - : { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } : عن عبادته إلى عبادة غيره ، أو فأنى تصرفون عن شكر المنعم ، إلى شكر غير المنعم . أو يقول : فأنى تعدلون من لا يملك ما ذكر بمن يملك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } حقت : وجبت ، وقيل : كذلك حقت كلمة ربك على الذين ختموا بالفسق أنهم لا يؤمنون ، أي : لا ينتفعون بإيمانهم بعد ذلك . وقوله : { كَلِمَتُ رَبِّكَ } تحتمل وجهين : تحتمل كلمة ربك [ مواعيد ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون فإن كان على هذا فهو في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون . ويحتمل كلمة ربك ] حجج ربك وبراهينه على الذين فسقوا . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } : قال عامة أهل التأويل : ثم يعيده : البعث بعد الموت ، أي : لا أحد من شركائكم الذين تعبدون يملك بدء الخلق ولا بعثه . وقال بعضهم : قوله : { ثُمَّ يُعِيدُهُ } لا يحتمل البعث ؛ لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث ، فلا يحتمل الاحتجاج عليهم بذلك ، ولكن قوله : { ثُمَّ يُعِيدُهُ } ما سوى البشر ؛ لأنهم إنما ينكرون إعادة البشر ، فأما إعادة غيره من الأشياء لا ينكرونه ؛ نحو إعادة الليل والنهار ، وإعادة الإنزال والنبات ، ونحو الأشياء التي يشاهدونها ، أي : ثم يعيد مثله : الليل ليلا مثله ، والنهار نهارا مثله ؛ وكذلك الخلائق تفنى ثم يعيد مثله ، فإذا ثبت في غير البشر ثبت في البشر . ويحتمل الأمرين جميعاً عندنا البعث وأشياء مثله ؛ لأنه تعليم منه لهم ، ألا ترى أنه قال : { قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } قيل : تكذبون بتوحيد الله ، وقد عرفتم أنه هو بدأ الخلق ثم هو يعيده ، لا أحد يملك ذلك ، ألا ترى أنه احتج عليهم ما يلزمهم ذلك بقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ … } الآية [ البقرة : 28 ] . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } : يحتمل قوله : { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } يدعو إلى الحق فإذا كان هؤلاء الأصنام التي تعبدونها لا يملكون الدعاء إلى شيء ، فلا يملكون الضر والنفع ، ومن الخلائق من لا يملك النفع والضر ، ويملك الدعاء إلى خير أو [ إلى ] نفع ، فهؤلاء دون الخلائق جميعاً ؛ إذ لا يملكون الدعاء ، فكيف يملكون [ الضرّ والنفع ] ؟ ! يبين عز وجل سفههم بعبادتهم هؤلاء الأصنام ؛ لعلمهم أنهم لا يملكون نفعاً ولا ضرّاً . ويحتمل قوله : { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } أي : يبين ويقيم الدلائل والبراهين على [ عدم ] استحقاق العبادة لهم ، فإذا لم يملكوا الدعاء إلى العبادة لهم ، فكيف يملكون نصب الدلائل والحجج على استحقاق العبادة ؟ ! { قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ } : أخبر أن الله هو الذي يهدي للحق . ثم يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا : هو يملك الدعاء إلى الحق ويقيموا الدلائل والحجج على ما دعا إليه ، وهو يستحق العبادة له والربوبية . { أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ } : الذي يبين البراهين والحجج ، { أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ } أي : لا يبين ، { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } ، فإن قيل : ما معنى الاستثناء وهو وإن هدي لا يهتدي ؟ قيل : يشبه أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : { مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [ يونس : 28 ] ينطقهم الله - عز وجل - يوم القيامة ، فيشهدون عليهم أنهم لم يأمروهم بالعبادة لهم ولا دعوهم لإشراكهم في العبادة ، فيكون قوله : { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } لما أن يجعلهم الله بحيث يهتدون إذا هدوا ويجيبون إذا دعوا . { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } : بالجور وصرف العبادة والشكر إلى من لا يملك ذلك . وقوله - عز وجل - : { أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } قال بعضهم : { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } لا يحتمل الصنم والوثن الاهتداء وإن هدي ، ولكن المراد منه الإنسان . وقال بعضهم : { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } إلا أن يحمل الصنم ويوضع ، فأما أن يهتدي هو بنفسه فلا ، لكن يحتمل ما ذكرنا أنه إذا صيره بحيث يتكلم ومن جنس ما ينطق وأذن له في النطق احتمل الإجابة والاهتداء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً } قال بعضهم : هذا في الأئمة والرؤساء منهم حيث عبدوا الأصنام والأوثان وقالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] ، وقالوا : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ونحو ذلك من القول ؛ يقول : ما يتبع أكثرهم في عبادتهم الأصنام بأنهم يكونون لهم شفعاء عند الله إلا ظنا ظنوه . وقال بعضهم : هذا في الأتباع والعوام ليس في الأئمة ؛ ذلك أن الأئمة قد عرفوا البراهين والحجج التي قامت عليهم والآيات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن ما قالوا : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ المائدة : 110 ] ، { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] ، { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } [ ص : 7 ] ونحو ذلك من الكلام ، أرادوا أن يلبسوا على العوام ويشبهوا عليهم ، فاتبع العوام الأئمة فيما قالوا وأنه كذا وصدقوهم ؛ يقول : وما يتبع أكثرهم الأئمة في ذلك إلا ظنّاً ظنوا . ويشبه أن يكون قوله : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ } يعني : أهل مكة [ أي ما يتبع أكثر أهل مكة ] الأوائل والأسلاف في عبادة الأصنام والأوثان . { إِلاَّ ظَنّاً } لأنهم عبدوا الأصنام ويقولون : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ … } الآية [ الزخرف : 23 ] وآباؤنا كذلك يفعلون ، ثم أخبر أن الظن لا يغني من الحق شيئاً ، أي : الظن لا يدرك به الحق إنما يدرك الحق باليقين ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } وهو حرف وعيد ليكونوا أبدا على حذر .