Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 66-67)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : تعلمون أن من في السماوات ومن في الأرض كلهم عبيده وإماؤه ، فكيف قلتم : إن فلانا ولده وإن له شريكاً ، ولا أحد منكم يتخذ من عبيده وإمائه ولدا ولا شريكاً ؛ كقوله : { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } الآية [ الروم : 28 ] ؛ فعلى ذلك هذا . أو كيف يحتمل أن يتخذ ولداً وله ملك ما في السماوات والأرض ، وإنما يتخذ في الشاهد الولد لإحدى خصال ثلاث : إما للاستنصار على غيره ، وإمّا لحاجة تمسه ، وإمّا لوحشة أصابته ، فهو غني له ملك السماوات والأرض لا حاجة تمسّه ، فكيف نسبتم الولد إليه والشريك وما قالوا فيه مما لا يليق به ؟ ! وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . أو يخبر عن غناه عما يأمرهم وينهاهم ويتعبدهم ، أي : ليس يأمر وينهى ويتعبد بأنواع العبادات ويمتحنهم بأنواع المحن لحاجة له أو لمنفعة له في ذلك ، ولكن لمنفعة لهم في ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } أي : ما يتبعون فيما يدعون من دون الله من الشركاء بالحجج والبراهين أو [ اليقين بكتاب ] أو رسول ، إنما يتبعون بالظن والحذر . { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي : ما هم إلا يكذبون فيما يتبعون بدعائهم دون الله ؛ لأنهم كانوا أهل شرك لم يكونوا أهل كتاب ولا آمنوا برسول ، فهم قد عرفوا أنهم مفترون كاذبون في اتباعهم دون الله ؛ إذ سبيل معرفة ذلك الكتاب أو الرسول ولم يكن لهم واحد من ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } : يبصر فيه ، وقال في آية أخرى : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [ القصص : 73 ] يعني : في الليل { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ النحل : 14 ] يعني : في النهار ، فهو في موضع الامتنان وتذكير النعم ، ليتأدى بذلك شكر ما أنعم عليه . وفيه أن الليل والنهار يجريان على التدبير والتقدير ؛ لأنهما لو كانا يجريان على غير تدبير ولا تقدير لكانا لا يجريان على تقدير واحد ولا سنن واحد ، ولكن يدخل فيهما الزيادة والنقصان ولا يجريان على تقدير واحد ، وإن كان يدخل بعضه في بعض ، فدل جريانهما على تقدير واحد أنهما يجريان على تدبير آخر فيهما ؛ إذ لو كان على غير تدبير يجريان على الجزاف على الزيادة والنقصان وعلى القلة والكثرة . وفيه أيضاً أن مدبرهما واحد ؛ لأنه لو كان مدبرهما عدداً لكان إذا غلب أحدهما الآخر دام غلبته ، ولا يصير الغالب مغلوباً والمغلوب غالباً ، فإذا صار ذلك ما ذكرنا دل أن مدبرهما واحد لا عدد . وفيه دلالة البعث بعد الموت ؛ لأن كل واحد منهما إذا جاء أتلف صاحبه تلفا حتى لا يبقى له أثر ولا شيء منه ، ثم يكون مثله حتى لا يختلف الذاهب والحادث ولا الأول من الثاني ، فدل أن الذي قدر على إنشاء ليل قد ذهب أثره وأصله لقادر على البعث ، ومن قدر على إحداث نهار وقد فني وهلك لقادر على إحداث ما ذكرنا من الموت . وفيه أن الشيء إذا كان وجوبه لشيئين لم يجب إذا عدم أحدهما ؛ لأنه قال : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } وإنما يبصر بنور البصر ونور النهار جميعاً ؛ لأنه إذا فات أحد النورين لم يبصر شيء من النور نور البصر أو نور النهار ، دل أن الحكم إذا وجب بشرطين لا يوجد إلا باجتماعهما جميعاً ، والليل يستر وجوه الأشياء لا أنه لا يرى نفسه ، والنهار يكشف وجوه الأشياء ، وفي الليل فيما يستر وجوه الأشياء دلالة أن الحكم إذا كان وجوبه بشرطين يجوز منعه بعلة واحدة ؛ لأنه يستر نور النهار ونور البصر جميعاً . وفي قوله : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } وجوه من الدلالة : أحدها : ما ذكرنا من تذكير النعم يدعوهم به إلى الشكران وينهاهم عن الكفران ، وفيه تذكير القدرة له حيث أنشأ هذا وأحدثه وأتلف الآخر ، فمن قدر على هذا لا يعجزه شيء ، وفيه دليل السلطان حيث يأخذهم الليل ويستر عليهم الأشياء شاءوا أو أبوا ؛ وكذلك النهار يأتيهم حتى يكشف وجوه الأشياء ويجلي شاءوا أو أبوا ، وفيه دليل التدبير والعلم لما ذكرنا من اتساق جريانهما على سنن واحد ومجرى واحد . وفيه دلالة وحدانية منشئهما بين هاهنا فيما جعل الليل حيث قال : { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } أخبر أنه جعل الليل للسكون والراحة ، فدل ذكر السكون في الليل على أنه جعل النهار للسعي وطلب العيش ، ألا ترى أنه قال في النهار : { مُبْصِراً } أي : يبصرون فيه ما يتعيشون ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ … } الآية [ القصص : 73 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } : ولم يقل : يبصرون فظاهر ما سبق من الذكر يجب أن يقال : لقوم يبصرون ؛ لأنه قال : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } ، لكن يحتمل قوله : { يَسْمَعُونَ } أي : يعقلون ؛ كقوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ } [ يونس : 42 ] . ويحتمل قوله : { يَسْمَعُونَ } [ ما ذكر من الآيات من أول السورة إلى هذه المواضع آيات لقوم يسمعون : ينتفعون بسماعهم أو يسمعون ] أي : يجيبون كقوله : سمع الله لمن حمده : أي : أجاب الله .