Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 61-65)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } قال بعضهم من أهل التأويل : في شأن : في أمرك وحالاتك وما تتلو منه من قرآن تبلغهم به الرسالة وقال بعضهم : قوله : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } أي : في عبادة . { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ } : تبلغهم به الرسالة . { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً } : يخاطب نبيه تنبيهاً منه وإيقاظاً والمراد منه هو وغيره ، ألا ترى أنه قال : { وَلاَ تَعْمَلُونَ } من عمل عمهم جميعاً في ذلك ، يخبر أنكم في كل أمر يكون بينكم وبين ربكم ، وفي كل أمر بينكم وبين الناس - فلله لكم وعليكم شهود ، أو كل عمل تعملون لكم وعليكم شهود ينبههم ويوقظهم ليكونوا على حذر أبداً منتبهين [ متيقظين { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } قال بعضهم : { تُفِيضُونَ فِيهِ } تأخذون فيه وتخوضون فيه . وقيل : تقولون فيه . ] وقيل : يكثرون فيه ؛ وكله واحد . ثم يحتمل قوله : { فِيهِ } في الحق ، ويحتمل في الدين ، ويحتمل في القرآن ، ويحتمل في رسول الله ؛ يقول : أنا شاهد فيما تخوضون وفيما تقولون في رسول الله ، أو في دينه ، أو فيما يتلو عليكم . { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } : لا يعزب ، [ أي : لا يغيب ] عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ، ولا في السماء فيما لا أمر فيه ولا نهي ولا كلفة ، فالذي فيه السؤال والأمر والنهي والكلفة أحرى وأولى ألا يغيب عنه شيء . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } هو تحذير وتخويف بتمثيل لا وعيد بتقرير وتصريح ؛ لأن الوعيد على وجهين : أحدهما : على التمثيل ، والآخر على التقرير في عينه وتصريح . وقوله - عز وجل - { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } قيل : ما قل وما كثر إلا في كتاب ، أي : إلا في اللوح المحفوظ [ مبين ] ، ويحتمل إلا في كتاب مبين ، أي : في الكتب المنزلة من السماء والله أعلم . وقال أبو بكر الأصم في قوله : { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } : أي تنتشرون ، وتأويله ولا تعملون من عمل تنتشرون فيه إلا كنا عليكم شهوداً . وقوله - عز وجل - : { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } : قالت المعتزلة : دلت الآية على أن أصحاب الكبائر ليسوا بمؤمنين ؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين لكانوا أولياء الله ، وإذا كانوا أولياء الله لكان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فإذا كان لا شك أن على أصحاب الكبائر خوف وحزن [ دل أنهم ليسوا بمؤمنين ولا لهم ولاية الإيمان لكن التأويل عندنا - والله أعلم - : ] { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما يكون لأهل الدنيا في الدنيا من الخوف والحزن ، إنما خوفهم وحزنهم لعاقبتهم ، ويشبه ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الجنة ، وهكذا يكون إذا دخلوا الجنة يأمنون عن جميع ما ينقصهم . وقال بعضهم : { أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ } هم أهل التوحيد ، لكن تلك البشارة وذلك الوعد لأهل التوحيد في الاعتقاد والوفاء جميعاً ، لا لأهل الاعتقاد خاصة . وقوله - عز وجل - : { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } قال بعضهم : { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } الرؤيا الصالحة ؛ وعلى ذلك رويت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية ففسر بالرؤيا الصالحة ، فإن ثبت فهو الحق . وقال بعضهم : لا تحتمل الرؤيا الصالحة [ ؛ لأنه نسق البشرى في الآخرة على البشرى في الحياة الدنيا ، ولا شك أنه لا يكون في الآخرة الرؤيا الصالحة ، ] ولكن إن ثبت ما ذكرنا من الخبر ؛ فهو ذلك . ويشبه أن يكون البشارة التي ذكر هاهنا ؛ نحو قوله : { فَبَشِّرْ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ … } الآية [ الزمر : 17 - 18 ] ، وقوله : { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } [ يونس : 2 ] ، وقوله : { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الشورى : 23 ] ، وأمثال ذلك . وقال بعض أهل التأويل : لهم البشرى في الحياة الدنيا تبشرهم الملائكة عند الموت وفي الآخرة الجنة . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } : يحتمل لا تبديل لكلمات الله من وعده ووعيده ، وذلك مما لا تبديل له ولا تحويل . ويحتمل { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } القرآن لا تبديل لما فيه من الوعد والوعيد وغيره . ويحتمل لا تبديل لما مضى من سنته في الأولين والآخرين من الهلاك والاستئصال بتكذيبهم الرسل والآيات ؛ كقوله : { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } [ فاطر : 43 ] وقوله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } [ الأنفال : 38 ] . ويحتمل قوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } أي : لا تبديل للبشرى التي ذكر لهؤلاء الذين تقدم ذكرهم . ويحتمل لا تبديل لحجج الله وبراهينه ، أو لا تبديل لوعيد الله ووعده ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي : تلك البشرى هي الفوز العظيم ، أو ذلك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون هو الفوز العظيم ؛ إذ لا خوف بعده . وقال بعضهم من أهل التأويل : لا خوف عليهم من النار ، ولا هم يحزنون أن يخرجوا من الجنة أبداً ، والوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } يحتمل قولهم : ما قالوا في الله بما لا يليق به من الولد والشريك ؛ يقول : لا يحزنك ذلك { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } . ويحتمل قوله : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } الذي قالوا في القرآن إنه سحر وإنه مفترى ، أو قالوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ساحر وإنه يفتري على الله كذباً . ويشبه أن يكون قوله : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } مكرهم الذي مكروا به ، وكيدهم الذي كادوه ، يؤيد ذلك قوله : { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي : إن العزة في المكر والكيد لله ؛ وهو كقوله : { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً } [ الرعد : 42 ] أي : مكره ينقض مكرهم ويمنعه ، وكيده يفسخ كيدهم ؛ فعلى ذلك قوله : { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي : ينقض جميع ما يمكرون بك ويكيدونك ، و { ٱلْعِزَّةَ } القوة ؛ يقول : إن القوة لله ينصرك على أعدائك ويدفع عنك كيدهم ومكرهم الذي هموا بك . { هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } : [ لقولهم ] الذي قالوه العليم بمصالحهم ، أو السميع المجيب للدعاء العليم بما يكون منهم .