Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-74)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } أي : خبره وحديثه ، { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ } . قال بعضهم : إن كان كبر عليكم طول مقامي ومكثي فيكم ودعائي إياكم إلى عبادة الله ، والطاعة له ، وتذكيري إياكم بآياته . قال بعضهم : وتذكيري بعذابه بترككم إجابتي ودعائي . ويحتمل قوله : { إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } بما ادعى من الرسالة ، { وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي بحجج الله على ما ادعيت من الرسالة . وفي قوله : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } وجوه : أحدها : اتل منابذة نوح قومه وما أرادوا به من الكيد والمكر به . والثاني : اذكر عواقب قوم نوح ، وما حل بهم من سوء معاملتهم رسولهم . والثالث : اذكر لهولاء عواقب متبعي قومه ومخالفيه . وقوله - عز وجل - : { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ } قال بعضهم : أي اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ثم كيدوني ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ، أي : اجعلوا ما تسرون من الكيد والمكر بي ظاهراً غير ملتبس ولا مشبه . وقال بعضهم : قوله : { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ } أي : أعدوا أمركم وادعوا شركاءكم ؛ وكذلك روي في حرف أبي : ( فاجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم ) . { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } أي : اقضوا ما أنتم قاضون . وقال بعضهم : قوله : { ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } أي : لا يكبر عليكم أمركم . وقال الكسائي : هو من التغطية واللبس ، أي : لا تغطوه ولا تلبسوه ، اجعلوا كلمتكم ظاهرة واحدة . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " لا يكن أمركم اغتماما عليكم " ، أي : فرجوا عن أنفسكم ؛ كقوله : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ … } الآية [ الحج : 15 ] . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } أي : اعملوا بي ما تريدون ولا تنظرون ؛ وهو كقوله : { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } [ طه : 72 ] . وقال الكسائي : هو من الإنهاء والإبلاغ ؛ وهو كقوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ … } الآية [ الإسراء : 4 ] { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } [ الحجر : 66 ] ، أي : أنهينا إليه وأبلغنا إليه . وقال أبو عوسجة : إن شئت جعلتها ظلمة فلا يبصرون أمرهم يعني غمّة ، وإن شئت جعلتها شكا واشتقاق الغمة ، من غم يغم غما أي غطى يغطي ، تقول : غممت رأسه أي غطيته ، { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ } أي : افعلوا بي ما أردتم وفي قول نوح لقومه : { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ … } إلى قوله : { وَلاَ تُنظِرُونَ } ، وقول هود : { فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [ هود : 55 ] ، وقول رسول الله : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] دلالة إثبات رسالتهم ؛ لأنهم قالوا ذلك لقومهم وهم بين أظهرهم ، ولم يكن معهم أنصار ولا أعوان ؛ دل أنهم إنما قالوا ذلك اعتماداً على الله واتكالا بمعونته ونصرته إياهم . وقال بعضهم في قوله : { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ } أي : فافرغوا إلى يقال [ قضى ] فرغ ؛ وهو قول أبي بكر الأصم . وقال بعضهم : ثم اقضوا إلي أن امضوا إلي كقوله : { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ } [ الذاريات : 26 ] و { فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } [ الصافات : 91 ] ونحوه . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ } : التولي اسم لأمرين : اسم للإعراض والإدبار ؛ كقوله : { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } [ البقرة : 205 ] ، واسم للإقبال والقبول أيضاً ؛ كقوله : { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } الآية [ المائدة : 56 ] ونحوه ، فهاهنا يحتمل الأمرين جميعاً ، أي : فإن توليتم أي أقبلتم وقبلتم ما أعرضه عليكم وأدعوكم إليه ، { فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ } أي : ما أجري إلا على الله . وإن كان في الإعراض فكأنه يقول : كيف أعرضتم عن قبوله ، ولم أسألكم على ذلك أجراً فيكون لكم عذر في الإعراض والرد ؟ ! كقوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً } الآية [ الطور : 40 ] ، أي : لم أسألكم على ما أعرضه عليكم وأدعوكم إليه غرما حتى يثقل عليكم ذلك الغرم ، فيمنعكم ثقل الغرم عن الإجابة ، ففي هذه الآية وغيرها دلالة منع أخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم ؛ لأنه لو جاز أخذ الأجر على ذلك لكان لهم عذر ألا يبذلوا ذلك ولا يتعلموا شيئاً من ذلك ، وفي ذلك هدم شرائع الله وإسقاطها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي : مسلماً نفسي إلى الله ، أي : سالماً ، لا أجعل لأحد سواه فيها حقا ولا حظا ، أو أمرت أن أكون من المخلصين [ لله ] والخاضعين له ؛ هو يحتمل ذلك كله . وقوله - عز وجل - : { فَكَذَّبُوهُ } يعني : نوحاً كذبه قومه فيما ادعى من الرسالة ، أو ما آتاهم من الآيات ، أو ما أوعدهم من العذاب بتكذيبهم إياه . { فَنَجَّيْنَاهُ } يعني نوحاً ، { وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ } أي : من ركب معه الفلك من المؤمنين . { وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ } يحتمل خلائف خلفاء في الأرض وسكاناً يخلف بعضهم بعضا ، ويحتمل جعلناهم خلائف أي خلف قوم أهلكوا واستؤصلوا بالتكذيب . { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } : يحتمل الآيات الحجج والبراهين التي أقامها على ما ادعى من الرسالة . ويحتمل قوله : { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } العذاب الذي أوعدهم بتكذيبهم إياه فيما وعد . وقوله - عز وجل - : { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } : كان أنذر الفريقين جميعاً المؤمن والكافر جميعاً ؛ كقوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [ يس : 11 ] فإذا كان ما ذكرنا فيكون تأويله : فانظر كيف كان عاقبة من أجاب ومن لم يجب : عاقبة من أجاب الثواب ، وعاقبة من لم يجب العذاب . ويحتمل المنذرين الذين لم يقبلوا الإنذار ولم يجيبوا ، أي : انظر كيف كان عاقبتهم بالهلاك والاستئصال ، ويكون تأويل قوله : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [ يس : 11 ] أي : إنما يقبل الإنذار من اتبع الذكر ، أو إنما ينتفع بالإنذار من اتبع الذكر ، أو أما من لم يتبع الذكر لم ينتفع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً } أي : من بعد نوح رسلا إلى قومهم ، أي : بعثنا إلى كل قوم رسولا ، لا أنه بعث الرسل جملة إلى قومهم ، ولكن واحداً على أثر واحد . { فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ } : يحتمل البينات الحجج والبراهين التي أقاموها على ما ادعوا من الرسالة والنبوة . ويحتمل البينات بيان ما عليهم أن يأتوا ويتقوا . ويحتمل البينات بما أخبروهم وأنبئوا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } قال بعضهم : ما كان كفار مكة ليؤمنوا وليصدقوا بالآيات والبيانات كما لم يصدق به أوائلهم . وقال بعضهم : قوله : { بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } أي : قبل بعث الرسل ، ففيه دلالة أن أهل الفترة يؤاخذون بالتكذيب في حال الفترة . ويحتمل قوله : { بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } أي : من قبل إتيان البينات ، أي : ما كانوا ليؤمنوا بعدما جاءوا بالبينات بما كذبوا به من قبل مجيء البينات . { كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي : هكذا نطبع على قلوب أهل مكة كما طبعنا على قلوب أوائلهم ؛ إذ علم أنهم لا يقبلون الآيات ولا يؤمنون بها ، والاعتداء هو الظلم مع العناد والمجاوزة عن الحد الذي جعل . وقوله - عز وجل - : { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ } هو يخرج على وجهين ؛ أحدهما : ما كانوا ليؤمنوا بالبينات إذا جاءتهم البينات على السؤال ، وهكذا عادتهم أنهم لا يؤمنون بالآيات إذا أتتهم على السؤال . والثاني : ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا على علم منهم أنها آيات وأنه رسول ؛ والله أعلم .