Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 75-86)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ } أي : من بعد من ذكرنا من الرسل . { مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } : بعثهما إلى الملأ وغير الملأ . { بِآيَـٰتِنَا } : يحتمل الوجوه التي ذكرنا . { فَٱسْتَكْبَرُواْ } : هذا يدل أنهم قد عرفوا أن ما جاءهم الرسول من الآيات أنها آيات ، لكنهم عاندوا وكابروا ولم يخضعوا في قبولها وكانوا قوماً مجرمين . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } . قال بعضهم : قوله : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } أي : الحجج والآيات من عندنا ، { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا } يعنون الحجج والبراهين التي جاء بها موسى ، { لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } يسمون الحجج والبراهين سحراً لما أن السحر عندهم باطل ، لذلك قالوا للحجج إنها سحر ، وذلك تمويه منهم يموهون على الناس لئلا يظهر الحق عندهم فيتبعونه . وقال بعضهم : الحق هو الإسلام والدين ؛ كقوله : { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [ آل عمران : 19 ] . { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } يعنون الحجج والآيات التي جاءهم بها للدين لأنه جاءهم بالدين ، وجاءهم أيضاً بحجج الدين وآياته ، قالوا : الحجج : الدين ، والإسلام : سحر ، ففي التأويلين جميعاً سموا الحجج سحراً . وقوله : { جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } أي : بأمرنا ، وكذلك قوله : { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [ آل عمران : 19 ] أي : الإسلام هو الدين [ الذي ] أمر الله به ، لا أنه يفهم للـ ( عند ) مكان ينتقل من مكان إلى مكان ، ولكن معنى الـ ( عند ) معنى الأمر ، وعلى هذا يخرج قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } [ الأعراف : 206 ] يعني الملائكة { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [ الأعراف : 206 ] أي : [ إن ] الذين بأمر ربّك يعبدونه لا يستكبرون عن عبادته لما أنه لم يفهم من مجيء الحق من عنده مكان ، فعلى ذلك لا يجوز أن يفهم من قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } [ الأعراف : 206 ] المكان أو قرب المكان منه ، ولكن التأويل ما ذكرنا أن المفهوم من عند الله أمره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا } : والحق ما ذكرنا . { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } : الإفلاح هو الظفر بالحاجة ، يقول : { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } أي : لا [ يظفر الساحر ] بالحاجة ولا يغلب ؛ لأن السحر باطل ولا يغلب الباطل الحق ، بل الحق هو الغالب . والسحر هو المغلوب على ما غلب الحق الذي جاء به موسى السحر الذي جاء سحرة فرعون . أو يقول : لا يفلح الساحرون في الآخرة بسحرهم في الدنيا . ويحتمل قوله : { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } بسحرهم في حال سحرهم ؛ كقوله : { لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [ الأنعام : 21 ] ، و { لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } [ المؤمنون : 117 ] أي : لا يفلحون بظلمهم في حال ظلمهم ، وأما إذا تركوا الظلم فقد أفلحوا ، فعلى ذلك السحرة إذ تركوا السحر فقد أفلحوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا } قيل : لتصرفنا وتصدنا . قال القتبي : لفت فلانا عن كذا إذا صرفته ، والالتفات منه وهو الانصراف . وقال أبو عوسجة : { لِتَلْفِتَنَا } أي : تردنا وتصرفنا على ما ذكر القتبي ، قال : يقال : لفته يلفته لفتا . وقوله - عز وجل - : { عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } : من عبادة الأصنام والأوثان . ويحتمل ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة فرعون والطاعة له . { وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ } قال عامة أهل التأويل : الكبرياء الملك والسلطان والشرف ، أي : الملك الذي كان لفرعون والسلطان يكون لكما [ باتباع الناس لكما ؛ لأن كل متبوع مطاع معظم مشرف ويحتمل { وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : الألوهية التي كان يدعى فرعون لنفسه لكما ] لأن عندهم أن كل من أطيع واتبع فقد عبد ونصب إلها . { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } أي : بمصدقين فيما تدعوننا إليه أو ما تدعون من الرسالة . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } هذا من فرعون ينقض ما ادعى من الألوهية ؛ حيث أظهر الحاجة إلى غيره ولا يجوز أن يكون المحتاج إلهاً . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } أي : سيبطل عمل السحر الذي قصدوا به ، أي : يجعله مغلوباً ؛ كقوله : { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } أي : لا يغلب الساحرون ولا يظفرون بالحاجة . { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي : لا يصلح ما أفسدوا من أعمالهم فيجعلهم صالحين . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } : هو ما ذكرنا ، أي : لا يجعلهم بأعمالهم الفاسدة صالحين ، أو لا يجعل أعمالهم الفاسدة صالحة . وقال بعضهم : { لاَ يُصْلِحُ } أي : لا يرضي بعمل المفسدين . وقوله - عز وجل - : { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } : ذكر أن يحق الحق والحق حق وإن لم يحق الحق ، وكذلك ذكر في الباطل ليبطل الباطل والباطل باطل وإن لم يبطل ، ولكن يحتمل قوله : { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ } ويبطل الباطل ، أي : ليجعل الحق في الابتداء حقا فيصير حقا ، ويجعل الباطل في الابتداء باطلا ، فيكون باطلا أي : بإبطاله الباطل يكون باطلا وبتحقيقه الحق [ يكون حقّاً وهو ما يقال : هداه فاهتدى ، وأضله فضل ، أي : بهدايته اهتدى وبضلاله ضل ؛ فعلى ذلك بإبطاله الباطل بطل وبتحقيقه الحق حق ] ، والله أعلم . وقوله : { بِكَلِمَاتِهِ } يحتمل وجوهاً : يحتمل يحق الحق بكلماته [ أي : برسله ؛ إذ بالرسل يظهر الحق وبهم يظهر بطلان الباطل وهم حجج الله في الأرض وبالحجج يظهر الحق ، وكذلك الباطل . ويحتمل ما ذكر أهل التأويل بكلماته : آياته التي أنزل عليه ، بها ظهر حقيقة ما أتى به موسى وبها ظهر بطلان ما أتى به السحرة من السحر . ويحتمل كلماته ] ما وعد موسى قومه من العذاب الذي وعد [ من الظفر بأعدائهم والنصر عليهم وغير ذلك ما وعد من ] النعمة لهم ؛ كقوله : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } [ المائدة : 20 ] . وقوله - عز وجل - : { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } . يحتمل قوله : { مِّن قَوْمِهِ } من قوم موسى لما قيل : إن موسى كان من أولاد إسرائيل ، فهم من ذريته من هذا الوجه ، يقال : أهل بيت فلان وإن لم يكن البيت له . ويحتمل [ قوله ] : { إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } من قوم فرعون فهو نسب إليه لما ذكرنا . وقال أهل التأويل : أراد بالذرية القليل منهم ، أي : ما آمن منهم إلا القليل ، ولكن لا ندري ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ } . يحتمل : ما آمن من آمن من قومه إلا على خوف من فرعون وملئه أي : آمنوا ، أي : وإن خافوا من فرعون وملئه . ويحتمل ما ترك من قومه الإيمان بموسى من ترك إلا على خوف من فرعون أن يفتنهم أي : يقتلهم ويعذبهم ، ففيه دلالة أن الخوف لا يعذر المرء في ترك الإيمان حقيقة ، وإن كان يعذر في ترك إظهاره ؛ لأن الإيمان هو التصديق والتصديق يكون بالقلب ولا أحد من الخلائق يطلع على ذلك ؛ لذلك لم يعذر في ترك إتيانه لأنه يقدر على إسراره ، ألا ترى إلى قوله : { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ } [ غافر : 28 ] كان مؤمناً فيما بينه وبين ربه وإن لم يظهر . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ } وهو ما قال - عز وجل - : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 4 ] أي : قهر وغلب على أهل الأرض وإنه لمن المسرفين . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } فيه دلالة أن الإيمان والإسلام واحد في الحقيقة ؛ لأنه بدأ بالإيمان بقوله : { إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ } وختم بالإسلام بقوله : { إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } دل أنهما واحد هو اعتقاد ترك تضييع كل حق ، والإسلام اعتقاد تسليم كل حق وترك تضييعه ، والله أعلم . والإسلام هو جعل كلية الأشياء لله سالمة ، والإيمان هو التصديق بكلية الأشياء فيما فيها من الشهادة لله بالربوبية له والألوهية . وقوله : { فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أن يكون قال ذلك لما خافوا مواعيد فرعون وعقوباته ؛ كقوله للسحرة لما آمنوا : { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ … } الآية [ الأعراف : 124 ] ، فقال عند ذلك : { فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ } في دفع ذلك عنكم ، فقالوا : { عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . قوله : { لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } يحتمل ما قاله على خوف من فرعون وملئه أن يفتنهم ما قيل أي : يقتلهم ويعذبهم ، والله أعلم . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أي لا تجعل لهم علينا الظفر والنصر ، فيظنون أنهم على هدى وعلى حق ونحن على ضلال وباطل . والثاني : لا تجعلنا تحت أيدي الظلمة فيعذبونا ؛ فيكون ذلك فتنة لنا ومحنة على ما فعل فرعون بالسحرة لما آمنوا . وقوله - عز وجل - : { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } فيه أن قوله : الظالمين والكافرين واحد ، والله أعلم .