Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 96-100)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } . قوله : { حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } هو قوله - عز وجل - : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 119 ] هذا يكون في الختم من يختم به يعني بالكفر فقد حقت كلمة ربك لأملأن جهنم ، أو { حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } ما ذكر في آية أخرى : { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ … } الآية [ الأعراف : 37 ] ، أو كلمة ربك ما ذكر : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } [ الأنعام : 111 ] . وقوله - عز وجل - : { حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي : علم ربك بأحوالهم ، أي : من كان علمه أنه لا يؤمن فلا يؤمن وقت اختياره الكفر ؛ كقوله : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [ الأعراف : 186 ] [ أي : من يضلل الله فلا هادي له ] وقت اختيارهم الكفر ؛ وكذلك قوله : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 258 ] وقت اختيارهم الظلم ونحو ذلك ، فالتأويل الأول يرجع إلى الختم به ، والثاني : إلى وقت من ثبت عليه علم ربه أنه لا يؤمن إلى وقت أنه لا يؤمن في ذلك الوقت . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } قيل : في الدنيا إيمان دفع العذاب ويحتمل في الدنيا ، وقد ذكرنا هذا . وقوله - عز وجل - : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ … } الآية ، أي : لم تكن القرى آمنت عند معاينة البأس إيمانا نفعها إلا إيمان قوم يونس ، فإنهم آمنوا إيمان حقيقة وعلم الله صدقهم من إيمانهم فنفعهم إيمانهم ، هذا يخرج على وجوه : أحدها : أن سائر القرى كان إيمانها عند إقبال العذاب إليهم ووقوعه عليهم ، فلم ينفعهم [ إيمانهم ] إلا قوم يونس ، [ فإن إيمانهم إنما كان لتخويف العذاب فينفعهم . والثاني : يحتمل أن يكون قوم يونس ] كان نزول العذاب بهم على التخيير والتمكين إن قبلوا الإيمان أمنوا دفع العذاب عنهم ، وإن لم يقبلوا نزل بهم . والثالث : [ إنما ] كان إيمان سائر القرى بعدما عاينوا مقامهم في النار فآمنوا ، فيكون إيمانهم إيمان اضطرار ، وقوم يونس آمنوا قبل أن يعاينوا ذلك ، ويشبه أن يكون قوله : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ } بعد وقوع العذاب والبأس ، { فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } فإنهم آمنوا إذ عاينوا العذاب قبل أن يقع بهم ، وإيمان فرعون وقومه إنما كان بعدما غرقوا وبعدما خرجت أنفسهم من أيديهم فلم يقبل ، وإيمان قوم يونس كان قبل أن يقع العذاب بهم وأنفسهم في أيديهم بعد فقبل ، وهو ما ذكر عز وجل : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ … } الآية [ الأعراف : 171 ] ، آمنوا بعدما عاينوا قبل أن يقع بهم وسائر الأمم الخالية كان منهم الإيمان بعد وقوع العذاب بهم من نحو عاد وثمود وأمثاله ، وأصله ما ذكرنا آنفاً . وقوله - عز وجل - : { لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } . قوله : { كَشَفْنَا عَنْهُمْ } : بحلول العذاب بهم ، { عَذَابَ ٱلخِزْيِ } : هو العذاب الفاضح وإلا الخزي هو العذاب . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } : قالت المعتزلة : [ قوله ] : { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } مشيئة القهر والقسر ، لو شاء لأجبرهم وقهرهم جميعاً فيؤمنوا وإلا فقد شاء أن يؤمنوا مشيئة الاختيار لكنهم لم يؤمنوا ، واستدلوا على ذلك بقوله : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } . فيقال لهم : إن مشيئة الاختيار هي الظاهرة عندكم ومشيئة الجبر والقهر غائبة ، فإذا وجد منه مشيئة الاختيار فلم يؤمنوا ولم تنفذ مشيئته فيهم كيف يصدق هو في الإخبار عن المشيئة التي [ هي غائبة ] أنها لو كانت لآمنوا هذا فاسد على قولهم . وبعد فإن المشيئة لو كانت مشيئة القهر لكانوا مؤمنين بتلك المشيئة وهي خلقة ؛ لأن كل كافر مؤمن بخلقته ؛ لأن خلقة كل أحد تشهد على وحدانية الله ، فإذا كانوا مؤمنين بالخلقة ثم ذكر أنه لو شاء لآمنوا دل أنه لم يرد به مشيئة القهر ولكنه أراد مشيئة الاختيار ، وتأويله عندنا هو أن عند الله تعالى لطف لو أعطاهم كلهم لآمنوا جميعاً ، لكنه إذ علم أنهم لا يؤمنون لم يعطهم وهو التوفيق والعصمة ، لكنه إذ علم منهم أنهم لا يؤمنون شاء ألا يؤمنوا ، ثم لا يحتمل أن يتحقق الإيمان بالجبر والقهر ؛ لأنه عمل القلب والجبر والإكراه مما لا يعمل على القلب ، فهو وإن تكلم بكلام الإيمان فلا يكون مؤمنا حتى يؤمن بالقلب ، فيكون التأويل على قولهم : ولو شاء ربك فلا يؤمنوا ، فهذا متناقض فاسد . وبعد فإن الإيمان لا يكون في حال الإكراه والإجبار ؛ لأن الإكراه يزيل الفعل عن المكره كأن لا فعل له في الحكم . وقوله : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } فإن قيل : أليس قال الله - عز وجل - : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [ الفتح : 16 ] أي : حتى يسلموا وذلك إكراه ، وقال [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله " فذلك إكراه ، فكيف يجمع بين الآيتين ؟ ! قيل لوجهين : أحدهما : ما ذكر أن هذه السورة مكية ، وقوله : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [ الفتح : 16 ] مدنية ، فيحتمل قوله : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } أي : لا تكرههم ثم أمر بالقتال بالمدينة والحرب والإكراه عليه . والثاني : يجوز أن يجمع بين الآيتين ، وهو أن يكون قوله : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [ الفتح : 16 ] أي : تقاتلونهم حتى يقولوا قول إسلام ويتكلموا بكلام الإيمان ، دليله ما روي : " حتى يقولوا : لا إله إلا الله " ، والقول : بلا لا إله إلا الله على غير حقيقة ذلك في القلب ليس بإيمان ، وفي هذه الآية حتى يكونوا مؤمنين وبالإكراه لا يكونون مؤمنين حقيقة ؛ لأنه عمل القلب والإكراه مما لا يعمل عليه ، والله أعلم . وتأويل قوله : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ } أي : لا تملك أن تكرههم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة حرصه ورغبته في إيمانهم كاد أن يكرههم على الإيمان إشفاقاً عليهم ؛ كقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } قيل : بمشيئة الله ، وقيل : بعلم الله ، وقيل : بأمر الله وبإرادته وهو ما ذكرنا لا تؤمن نفس إلا بمشيئة الله وإرادته في ذلك ، ولا يحتمل قوله : { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } سوى المشيئة وإلارادة ؛ لأنه كم من مأمور بالإيمان لم يؤمن ، فلم يحتمل الأمر ولا يحتمل الإباحة لأنه لا يباح ترك الإيمان في حال وأصله ما ذكرنا ؛ أنه لا يحتمل أن يكون الله - عز وجل - يعلم من خلقه اختيار عداوته والخلاف له ويشاء لهم الولاية ؛ لأنه يخرج ذلك مخرج العجز ؛ لأن في الشاهد من اختار عداوة أحد فالآخر يختار ولايته أنه إنما يختار لضعفه وعجز فيه . وقوله - عز وجل - : { وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } قيل : الإثم على الذين لا يعقلون ، وقيل : ويجعل العذاب على الذين لا يعقلون ، أي : لا يستعملون عقولهم حتى يعقلوا ، أو على الذين لا ينتفعون بعقولهم . وقال بعضهم : في قوله : { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } أي : لم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها عند نزول العذاب إلا قوم يونس . وقال بعضهم : فهلا كانت آمنت إذا رأت بأسنا ، فكانت مثل قوم يونس ، فإنهم آمنوا حين رأوا العذاب ، وأصله ما ذكرنا أنه لا يحتمل أن يكون الله تعالى يعلم من خلقه اختيار عداوته والخلاف له يسألهم ويشاء لهم الولاية ؛ لأنه يخرج ذلك مخرج العجز ؛ لأن في الشاهد من اختار عداوة أحد فالآخر يختار ولايته أنه إنما يختار لضعفه وعجزه فيه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } قيل : وما كان لنفس في علم الله أنها لا تؤمن فتؤمن ، أي : لا تؤمن نفس في علم الله أنها لا تؤمن إنما يؤمن من في علم الله أنه يؤمن ، وأما من في علم الله أنه لا يؤمن فلا يؤمن . وقيل : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ } أي : لا تؤمن نفس إلا بمشيئة الله ، أي : إذا آمنت إنما تؤمن بمشيئة الله ما يفعل إنما يفعل بمشيئة الله ؛ كقوله : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الإنسان : 30 ] . وقال بعضهم : [ قوله ] : { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي : بأمر الله ، فمعناه إذا آمنت إنما تؤمن بأمره لا تؤمن بغير أمره فالأول أقرب ، والله أعلم . وقوله : { وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } أي : يجعل جزاء الرجس ، أي : جزاء الكفر على الذين لا يعقلون ، أي : الذين لا ينتفعون بعقولهم ، والله أعلم .