Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 112-115)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ } وقال في موضع آخر : { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [ الشورى : 15 ] قال بعضهم قوله : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ } الاستقامة هو التوحيد ؛ أي : استقم عليه حتى تأتي به ربك ؛ كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] على ذلك حتى أتوا على الله به . وقال بعضهم : { قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [ فصلت : 30 ] بما تضمن قوله : { رَبُّنَا ٱللَّهُ } لأن قوله : { رَبُّنَا ٱللَّهُ } إقرار منه له بالربوبية ، فيجعل في نفسه وجميع أموره الربوبية لله ، والألوهية له ، ويجعل في نفسه العبودية له ؛ هذه هي الاستقامة التي ذكر ، والله أعلم ، أن يجعل في نفسه وجميع أموره الربوبية لله ، والألوهية له ، ويأتي ما يجب [ أن يؤتى ، وينتهي عما يجب أن ينتهي ] ، ويتبع جميع أوامره ونواهيه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَقِمْ } لرسول الله ، يحتمل على تبليغ الرسالة إليهم . وقوله : { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } يخرج على وجهين : أحدهما : استقم على ما أمرت ومن آمن معك - أيضاً - يستقيم على ما أمروا . والثاني : يقول : امض إلى ما أمرت حرف { كَمَآ } يخرج على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما على ما أمرت ، وإلى ما أمرت . وقوله : { وَمَن تَابَ مَعَكَ } من الشرك ، ادعوهم على أن يستقيموا على ما أقروا وأدّوا بلسانهم { وَلاَ تَطْغَوْاْ } قال بعضهم الطغيان هو المجاوزة عن الحد الذي جعل له . وقوله : { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } هذا وعيد . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قال الحسن : هو صلة قوله : فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار . قال الحسن : بينهما دين الله بين الركون إلى الظلمة ، والطغيان في النعمة . الآية وإن كانت في أهل الشرك فهي فيهم وفي غيرهم من الظلمة أن كل من ركن إلى الظلمة يطيعهم أو يودهم فهو يخاف أن يكون في وعيد هذه الآية . { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } في دفع العذاب عنهم ، أو إحداث نفع لهم . { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } لا ناصر لهم دونه ، ولا مانع ، والله أعلم . وتأويل قوله : { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } في ظلمهم { فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ … } الآية ، وإن خرجت مخرج العموم فهي خاصة ؛ لأنه لا كل ظلم يركن إليه تمسّه النار ، وكأنه إنما خاطب به الأتباع ؛ يقول : لا تركنوا إلى الكبراء منهم والقادة في ظلمهم وفيما يدعونكم إليه فتمسكم النار . وقال بعض أهل التأويل نزل قوله : { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاه أهل الشرك إلى ملة آبائه ؛ يقول : ولا تميلوا إلى أهل الشرك ، ولا تلحقوا بهم . وقوله - عز وجل - : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } : صلاة المغرب ، ظاهر هذا أن يكون فيها ذكر صلوات ثلاث : صلاة الفجر في الطرف الأوّل ، وصلاة العصر في الطرف الأخير { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } [ صلاة المغرب ؛ لأنه ذكر زلفاً من الليل ، والزلف هي القرب منه ؛ لأن الزلفى هي القربة والوسيلة إليه ؛ فيكون قوله : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } ] أي : قريباً من طرفي النهار من الليل ، وهو المغرب ، ويكون ذكر سائر الصلوات في قوله : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } [ الإسراء : 78 ] ذكر دلوك الشمس ، وهو زوال الشمس ، وغسق الليل : العشاء ، أو في قوله : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ الروم : 17 - 18 ] { حِينَ تُمْسُونَ } : صلاة العصر ، { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } : صلاة الفجر { وَعَشِيّاً } : صلاة العشاء { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } : صلاة الظهر ، وليس لصلاة المغرب ذكر في الآية ، لكنها ذكرت في قوله : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } . وقال بعضهم : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } : هو ساعات الليل ، إلا أن بعض أهل التأويل صرفوها إلى الصلوت الخمس ، وقالوا : قوله : { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } : صلاة الصبح والظهر والعصر { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } المغرب والعشاء . وقال الحسن : هما زلفتان من الليل : صلاة المغرب وصلاة العشاء ، وعلى ذلك جاءت الآثار في قوله { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } الحسنات هي الصلوات الخمس . وروي " أن رجلا أصاب من امرأة كل شيء إلا الجماع ، فندم على ذلك ، فأتى رسول الله ، فسأله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أدري ما أرد عليك حتى يأتيني فيك شيء من الله . قال : فبينما هم كذلك إذ حضرت الصلاة ، فلما فرغ من صلاته نزل عليه جبريل بتوبته فقال : { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } غدوة وعشية ، صلاة الغداة والظهر والعصر { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } صلاة المغرب والعشاء { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ } يعني : الصلوات الخمس { يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } . { ذٰلِكَ } : يعني : الصلوات الخمس { ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } قال : توبة للتائبين ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا رسول الله ، أخاص له أم عام ؟ قال ، " لا ، بل عام للناس كلهم " فإن ثبت هذا فهو الأصل في ذلك . وعن عثمان - في بعض الأخبار - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الصلوات الخمس الحسنات يذهبن السيئات " فقالوا : فما الباقيات الصالحات يا عثمان ؟ فقال : لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] " . وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات كفارات الخطايا ، واقرءوا إن شئتم : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } " . وعن ابن عباس : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } قال : الصلوات الخمس . وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات " . والأخبار في هذا كثيرة . وقال بعضهم : فيه ذكر أربع صلوات ، يقول : { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } : الفجر والعصر { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } : المغرب والعشاء . وقد جاءت الآثار في أن الحسنات هن خمس صلوات . وقوله : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } قال بعضهم : فعل الصلوات نفسها ، وهو ما ذكرنا من الأخبار إن ثبت . وقال بعضهم : نفس الصلاة لا تكفر ، ولكن تذكر ما ارتكب من الذنوب فيندم عليها ؛ فذلك يكفر ، وهو كقوله : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ … } [ العنكبوت : 45 ] الآية ، أخبر أن الصلاة تنهى ، ولا تنهى إلا بعد أن تذكر ذلك . وقال بعضهم قوله : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ } [ العنكبوت : 45 ] ؛ أي : تمنع عن الفحشاء ؛ أي : ما دام فيها . ويحتمل قوله : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } الصلوات وغيرها من الحسنات ؛ فيه إخبار أن من الحسنات [ ما يكفر ] شيئاً من السيئات ، والله أعلم . وقوله : { ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } { ذٰلِكَ } الذي سبق ذكره { ذِكْرَىٰ } عظة للمتعظين . وقوله - عز وجل - : { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } ظاهر ما ذكر من الكلام أن يقول : فإن الله لا يضيع أجر الصابرين ؛ لأنه ذكر الصبر بقوله : { ٱصْبِر } [ ص : 17 ] لكن يحتمل قوله : { وَٱصْبِرْ } عن الشرور كلها وأحسن ، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ؛ بل يجزيهم جزاء إحسانهم . أو يقول : اصبر على أداء ما كلفت من الطاعات ، أو تبليغ ما كلفت التبليغ إليهم . ويحتمل وجهاً آخر : اصبر على أذاهم ولا تكافئهم [ فإذا لم تكافئهم ] فقد أحسنت إليهم ، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، أو يقول هو له : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ } والله أعلم . قال أبو عوسجة : قوله : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } : ساعات من الليل . وقال : الزلفة : المرحلة ، والزلفة : القربة ؛ كقوله : { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } [ ص : 25 ] أي : لقربة . وقال أبو عبيدة : الزلف : [ جمع ] زلفة ، وهي الساعة ، وهي المنزلة [ على ما قلناه ] .