Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 109-111)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ } تأويله - والله أعلم - : لا تكن يا محمد في شك بأن هؤلاء قد بلغوا في عبادتهم الأصنام والأوثان الحد الذي بلغ آباؤهم في عبادتهم الأصنام والأوثان فأهلكوا إذا بلغوا ذلك الحد ، فهؤلاء - أيضاً - قد بلغوا ذلك المبلغ ؛ أي : مبلغ الهلاك ، لكن الله برحمته وفضله أخره عنهم إلى وقت . أو يقال : إن هؤلاء قد بلغوا في العبادة لغير الله بعد نزول القرآن والحجة المبلغ الذي كان بلغ آباؤهم قبل نزول الحجة والبرهان في عبادتهم غير الله . أو كان في قوم قد أظهروا الموافقة لهم ، وكانوا يعبدون الأصنام في السر على ما كان يعبد آباؤهم ، فقال : هؤلاء وإن أظهروا الموافقة لك فقد بلغوا بصنيعهم في السر مبلغ آبائهم ، والله أعلم هذا يحتمل وجهين : أحدهما : إخبار عن قوم خاص أنه لا يؤمن أحد منهم ؛ ليجعل شغله بغيرهم . والثاني : إخبار ألا يؤمن جميع قومك كما لم يؤمن قوم موسى بأجمعهم ؛ بل قد آمن منهم فريق ، ولم يؤمن فريق ، فعلى ذلك يكون قومك . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } قال بعضهم : قوله : وإنا لموفوهم نصيبهم في الدنيا من الأرزاق ، وما قدر لهم من النعم { غَيْرَ مَنقُوصٍ } ، لا ينقص ما قدر لهم ؛ أي : لا يهلكون حتى يوفى لهم الرزق . وقال قائلون : ( وإنا لموفوهم بأعمالهم غير منقوص ) أي : لا ينقصون من أعمالهم شيئاً ، ولا يزادون عليها ، إن كان حسناً فحسن ، وإن كان شرّاً فشر ؛ فهو على الجزاء . وقال بعضهم : [ قوله ] : { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ } يقول : إنا نوفر لهم حظهم من العذاب في الآخرة ، غير منقوص عنهم ذلك العذاب . وقوله : { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } إن كان التأويل في قوله : { فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ } على الإياس من قوم علم الله منهم أنهم لا يؤمنون ، فيكون تأويله ما ذكر في آية أخرى : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ … } الآية [ هود : 15 ] ، وإن كان الثاني فهو ما ذكر في آية أخرى قوله : { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ … } الآية [ هود : 111 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ } أي : التوراة { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } أي : اختلف في الكتاب ، والاختلاف فيه يحتمل وجوهاً ثلاثة : أحدها : في الإيمان به والكفر منهم ، من آمن به ، ومنهم من كفر . والثاني : اختلفوا فيه : في الزيادة والنقصان ، والتبديل والتحويل والتحريف ؛ كقوله : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ … } الآية [ آل عمران : 78 ] ، وكقوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ … } الآية [ البقرة : 79 ] وقوله : { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [ المائدة : 13 ] وأمثاله من الآيات . والوجه الثالث : من الاختلاف : اختلفوا في تأويله وفي معناه بعد ما آمنوا به وقبلوه ، فالاختلاف في التأويل مما احتمل كتابنا ، وأمّا التبديل والتحويل والتحريف ، والزيادة والنقصان فإنه لا يحتمل لما ضمن الله حفظ هذا الكتاب بقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] وقال : { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ … } الآية [ فصلت : 42 ] ، وجعله ميسراً على ألسن الناس وقلوبهم ، حتى من زاد ، أو نقص ، أو بدل ، أو حرف شيئاً أو قدم ، أو أخر عرف ذلك ، فهو - والله أعلم - لما لا يحتمل إحكام هذا نسخها ولا شرائعه تبديلها ، وأما الكتب السالفة فإنما جعل حفظها إليهم بقوله : { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 44 ] فهو - والله أعلم - لما احتمل شرائعها وأحكامها نسخها وتبديلها ، لذلك كان الأمر ما ذكرناه . وقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } ذكر هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصبره على ما اختلف فيه قومه في الكتاب الذي أنزل عليه ؛ يقول : وقد اختلف فيما أنزل على من كان قبلك كما اختلف فيما أنزل عليك . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } بالهلاك إهلاك استئصال واستيعاب . وكلمته التي سبقت تحتمل ما كان من حكمه أن يختم الرسالة بمحمد وأن يجعله خاتم النبيين ، وأمته آخر الأمم ، بهم تقوم الساعة ، يحتمل أن يكون كلمته التي ذكر هذا الذي ذكرناه . وتحتمل وجهاً آخر : وهو أن كان من حكمه أنهم إذا اختلفوا في الكتاب والدين ، وصاروا بحيث لا يهتدون إلى شيء ، ولا يجدون سبيلا إلى الدين أن يبعث رسولا يبين لهم الدين ، ويدعوهم إلى الهدى ؛ لولا هذا الحكم الذي سبق وإلا لقضي بينهم بالهلاك . والثالث : [ لولا ] ما سبق منه أن يؤخر العذاب عن هذه الأمة إلى وقت وإلا لقضي بينهم بالهلاك . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } يحتمل الكملة التي ذكر أنها سبقت في قوم موسى ، وهو أنه لا يهلكهم بعد الغرق إهلاك استئصال ، والتوراة إنما أنزلت من بعد ، فقد آمن [ من قومه قوم ، وهو ما قال ] : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ … } الآية [ الأعراف : 159 ] . [ وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } يحتمل قوله : { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } في الدين مريب ] . وقال بعضهم : { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } يعني : من العذاب مريب وقد ذكرنا الفرق بين الشك والريب فيما تقدم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } قيل : { لَّمَّا } هاهنا صلة ، يقول - والله أعلم - : وإن كلا ليفينهم ربك جزاء أعمالهم في الآخرة إن كان شرّاً فشرّ ، وإن كان حسناً فحسن . ومن قرأ { لَّمَّا } بالتشديد [ فتأويله يحتمل ] وجهين : أحدهما : إلا . والثاني : لما ؛ أي : " لَمِمْمَا " اجتمع فيها ميمات طرحت الواحدة وأدغمت إحداهما في الأخرى . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وهو وعيد .