Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 12-14)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } ، وإن كان معلوماً أنه لا يترك ؛ كقوله : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] ، { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ البقرة : 147 ] وأمثاله ، نهاه وإن كان معلوماً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل ذلك ، وإنما احتمل النهي كما يقول الرجل لآخر لعلك تريد أن تفعل كذا فهو نهاه عن ذلك . والثاني : يقال عند القرب إلى الفعل والدنو منه ؛ كقوله : { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [ الإسراء : 74 ] يقال : حرف " كاد " عند الميل إليه والقرب منه طمعا منه في إيمانهم ، وذلك فيما يحل له الترك ، وذلك ما قيل من نحو سب آلهتهم وذكر العيب فيها ، ويحل له ترك سب آلهتهم وشتمها . وكذلك يخرج قوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [ الشعراء : 3 ] على هذين الوجهين ، على المنع ألا يحمل على نفسه إشفاقاً على أنفسهم ألا يؤمنوا ما يوجب تلفه . والثاني : على التخفيف ؛ كقوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ … } الآية [ الحجر : 88 ] ، وقوله : { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } [ القصص : 7 ] هو على التخفيف ليس على النهي . وفي قوله : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ … } الآية وجه آخر : وهو نهي يخرج مخرج البشارة [ له بما ] كان يخاف من ضيق صدره واشتغال قلبه عند سوء معاملتهم إياه ، فيقع له فيه تأخير في إبلاغ ما أمر بتبليغه فأمنه الله عن ذلك وعصمه . والوجه الثاني : في النهي عن ذلك هو ما يقع له فيه الرجاء ، وذلك أن الأخيار إذا ابتلوا بالأشرار قد يؤذن لهم بمفارقتهم وترك الأمر فيهم ، فلعله كان يقع له في مثله الرجاء أنه قد يؤذن له ، في حال من الأحوال بتأخير التبليغ ، فأيئسه عن ذلك وكلفه بتبليغ ما أمر له في جميع أحواله و { بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } يحتمل ما ذكر أهل التأويل من سب آلهتهم وعيبها وما تدعو إليه . وقوله - عز وجل : { وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } : يضيق صدره بما يقولون له استهزاء ، وكذلك الحق أن كل من استهزئ به أن يضيق صدره لما لا يقدر على إتيان ما طلبوا منه من الكنز وإنزال الملك ، وقد وعدوا أن يؤمنوا لو فعل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } : لأن للكنز والملك محلاًّ في قلوب أولئك وقدراً فقالوا : لولا أنزل عليه كنز [ فيعظموه فيصدق على ما يدعي ، وكذلك الملك له محل عظيم عندهم إذا كان معه عظموه وصدقوه . وقوله : { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } أثر قولهم : لولا أنزل عليه كنز ] أو جاء معه ملك أي : إنما أنت نذير ليس عليك إتيان ما سألوا ، إنما ذلك تحكم منهم على الله تعالى وأمانيُّ ، فعليك إبلاغ ما أنزل إليك ؛ كقوله : { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [ الشورى : 48 ] . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي : حفيظ لكل ما يقولون فيك ويتفوهون به ، أو هو الوكيل والحفيظ لا أنت ؛ كقوله : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } [ الغاشية : 22 ] وقوله : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } [ الأنعام : 107 ] ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } أي : قالوا : إنه افتراه ، أي : محمد افترى هذا القرآن من عند نفسه . { قُلْ } : يا محمد إن كان افتريته على ما تقولون ، { فَأْتُواْ } : أنتم ، { بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } : لأنكم أقدر على الافتراء من محمد ؛ لأنكم قد عودتم أنفسكم الكذب والافتراء ، ومحمد لم تأخذوه بكذب قط ولا ظهر منه افتراء ، فمن عود نفسه الافتراء والكذب أقدر [ عليه ] ممن لم يعرف به [ قط ] ، فأتوا بعشر سور مثله وادعوا أيضاً شهداءكم من الجن والإنس ممن استطعتم من دون الله يعينوكم على إتيان مثله ، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أنه افتراه من عنده . أو يقول : { فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } أي أن محمدا قد جاء بسور [ فيها أنباء ] ما أسررتم وأخفيتم مما لا سبيل إلى معرفة ذلك والاطلاع عليه إلا من جهة الوحي من السماء وإطلاع الله إياه ، فأتوا أنتم بسورة مفتراة فيها أنباء ما أضمر هو وأسر ، وتطلعون أنتم على سرائره كما اطلع هو على سرائركم ، وادعوا من استطعتم ممن تعبدون من دون الله من الآلهة ، إن كنتم صادقين أنه افتراه . أو يقول : إن لسانكم مثل لسان محمد ، فإن قدر هو على الافتراء افترى مثله من عنده ، فتقدرون أنتم على افتراء مثله : فأتوا به ، وادعوا أيضاً من لسانه مثل لسانكم حتى يعينوكم على ذلك ، إن كنتم صادقين أنه افتراه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } ، وقال في موضع آخر : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [ البقرة : 23 ] . قال بعضهم : بعشر نزل قبل ولم تقدروا على مثله ، وقوله : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [ البقرة : 23 ] دعوا أولا أن يأتوا بعشر سور ، فلما عجزوا عن ذلك عند ذلك قيل لهم : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } [ البقرة : 23 ] . وقوله : { بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } [ فإن قيل : كيف ذكر : فأتوا بسور مفتريات ] قيل : معناه إن كان هذا مما يحتمل الافتراء على ما تزعمون ، فأتوا بمثله أنتم لأنكم أقدر على الافتراء من محمد ، فإن لم تقدروا لم يقدر أحد على ذلك . وقوله - عز وجل - : { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } أي : فإن لم تقدروا أنتم ولم يجيبوكم أولئك على الإعانة على إتيان مثله ، فاعلموا [ أنه ] إنما أنزل بعلم الله وبأمره أتاه ومن عنده نزل ، ليس بمفترى على ما تزعمون ، وأن لا إله إلا الله لا ألوهية لمن تعبدون دونه من الأصنام والأوثان . والثاني : فإن لم يستجيبوا لكم يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقدروا على مثله ، فاعلموا أنتم أنه إنما أنزل بعلم الله ومن عنده نزل على التنبيه والتذكير لهم ، وإن كانوا علموا أنه من عنده نزل ؛ كقوله : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ محمد : 19 ] على التنبيه والتذكير ليس على أنه لا يعلم فعلى ذلك الأول . وقوله - عز وجل - : { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } : خاضعون له مخلصون ، وعلى التأويل الأول على حقيقة الإسلام ، والإيمان ، والله أعلم .