Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 9-11)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } قيل : سعة في المال ونعمة . { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ } إياسه ذهاب ذلك المال عنه ونزعه منه عن العود ذلك إليه ويقنطه ، والإياس قد يكون كفرا ؛ كقوله : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] . ويحتمل قوله : { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ } في حال ذهاب النعمة ، والكَفُور في حال النعمة والسعة ، كفور لما رأى نزع ذلك المال والسعة منه جورا وظلماً فهو كفور . وعن ابن عباس قال : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } يعني الكافر ، { مِنَّا رَحْمَةً } يقول : نعمة العافية وسعة في المال وما يسر به ، { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } يعني الرحمة { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ } يعني قنوط آيس وأقنطه من رحمة الله ؛ وهو كقوله : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [ الروم : 36 ] . { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } : الفرح هو الرضا ؛ كقوله : { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الرعد : 26 ] أي : رضوا بها . وقيل الفرح : البطر يبطر في حال السعة والرخاء ؛ كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] ، والفرح قد يبلغ كفرا ، ويكون الفرح سرورا ولا يكون كفرا . فخور : يفتخر على الفقراء بالمال الذي أعطي ، أو يفتخر على الأنبياء والرسل بالتكذيب ، وكذلك كان عادة رؤسائهم أنهم كانوا ذوي مال وسعة ، فلا بد يرون الرسالة تكون فيمن دونهم في المال والسعة ؛ كقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ؛ وكقولهم : { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } [ سبأ : 35 ] ونحوه . ويحتمل قوله : { لَيَئُوسٌ } في حال الشدة ، كفور لله في نعمه [ في الرخاء وأصل ذلك ] أنهم كانوا لا ينظرون في النعم إلى من أنعم عليهم ، إنما ينظرون إلى أعين النعم وأنفسها ؛ لذلك حملهم نزع ما أعطوا منهم على الإياس والقنوط ، وإعطاؤها إياهم على الكفران والفرح والفخر ، ولو نظروا في تلك النعم إلى المنعم لم يقع لهم إياس عند النزع ، ولا الكفران والفرح عند النيل ، بل يصبرون عند النزع من أيديهم ويشكرون للمنعم عليهم في حال النيل . ثم استثنى فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } : قال بعض أهل التأويل : [ إلا الذين صبروا على البلايا والشدائد وعملوا الصالحات يعني : الطاعات ويشبه أن يكون قوله : ] { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي : آمنوا على ما ذكر في غير واحد من الآيات : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الشعراء : 227 ] ؛ كقوله : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ العصر : 1 - 3 ] ، ويكون قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } عن المعاصي فلم يرتكبوها ، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : الطاعات والإيمان نفسه هو اعتقاد الانتهاء عن المعاصي كلها ، والاتقاء عن جميع ما يدخل نقصاً فيها وإتيان الطاعات جميعاً ، وهكذا يعتقد كل مؤمن أن [ يتقي وينتهي ] كل معصية ، ويأتي بكل طاعة ويعمل بها ، هذا اعتقاد كل مؤمن وحقيقة الوفاء بذلك كله . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } : يشبه أن يكون قوله : { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لما ارتكبوا على الصغائر من الذنوب ، وانتهوا عن الكبائر منها ، { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } على ما أتوا وعملوا من الكبائر من الطاعات . ويحتمل قوله { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } الستر في الدنيا ستر عليهم تلك الذنوب في الدنيا فلم يطلع عليها الخلق { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } بما أظهر منهم ما كان من الطاعات والخيرات حتى نظر الناس إليهم بعين تعظيم بما ظهر منهم من الخيرات وخفي عليهم ما ارتكبوا من المعاصي . هذا التأويل يكون في الدنيا ، والأول في الآخرة .