Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 25-31)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } : أخبر أنه أرسله إلى قومه ، ولم يفهم منه الإرسال من مكان إلى مكان ؛ وكذلك قوله : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] ولم يكن مجيئه من مكان إلى مكان ، فهذا يدل أنه لا يفهم من ذكر المجيء الانتقال من مكان إلى مكان ؛ وكذلك الإرسال . وقوله - عز وجل - : { إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : نذير لمن عصى بالنار وبعقابه بين الإنذار . وقوله - عز وجل - : { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ } أي : لا تجعلوا عبادتكم إلا لمعبود هو معبود بشهادة خلقتكم ؛ لأن خلقتهم تشهد على أنه هو المستحق للعبادة ، لا من تعبدون من الأصنام والأوثان . ويحتمل قوله : { أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي : وحدوا الله ولا تصرفوا الألوهية إلى غيره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } : أضاف [ الألم إلى اليوم واليوم ليس بمؤلم ولكنه - والله أعلم - أضاف إليه ؛ لما فيه يؤلم ، وهو كقوله : { ٱلْلَّيْلَ سَكَناً } [ الأنعام : 96 ] والليل لا يسكن ولا يوصف به ، لكنه يسكن ] فيه ، وكذلك قال : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] والنهار لا يبصر ، لكنه يبصر فيه ؛ فعلى ذلك قوله : { يَوْمٍ أَلِيمٍ } لما فيه يكون العذاب الأليم . وقوله - عز وجل - : { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ } أي : الخوف في غيره لا يكون في الحقيقة خوفاً ؛ وكذلك الرجاء في غيره لا يكون في الحقيقة رجاء ، وفي نفسه يكون في الحقيقة خوفاً ورجاء ؛ لما يلحقه ضرر في نفسه أن جعل به ذلك لغيره ، ويلحقه نفع فيكون الخوف في نفسه حقيقة خوف والرجاء حقيقة رجاء ، وأما في غيره لما لا يلحقه ضرر وإن حل ذلك لغيره ، ولا ينال من النفع في الرجاء إن نال ذلك الغير ، لكنه يخرج على وجهين : أحدهما : على العلم ، أي : إني أعلم أنه ينزل بكم العذاب ؛ نحو قوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } [ النساء : 35 ] أي : علمتم . وقوله : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 229 ] أي : فإن علمتم أن يضيعا حدود الله . والثاني : يخاف عليهم إشفاقا منه ؛ لأن الخلق جبلوا على أن يتألم بما يحل بغير حتى لا يكون في وسع بعض أن يروا ذلك في غيره . على هذين الوجهين يخرج الخوف على غيره ، وفي الخوف رجاء وفي الرجاء خوف ؛ لأن الخوف إذا لم يكن فيه رجاء فهو إياس ، وقال الله - عز وجل - : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] ، والرجاء إذا لم يكن فيه خوف فهو أمن قال : { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ … } [ الأعراف : 99 ] كذا . وقوله - عز وجل - : { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ } : قيل : أشراف قومه وأئمتهم . { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا } : وكذلك قال عامة القوم لرسلهم الذين بعثوا إليهم : { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ يس : 15 ] ، كان هذا احتجاجهم في رد الرسالات يحتجون على الرسل فيقولون - والله أعلم - : إن الرسل في الشاهد إنما يجيئون من عند المرسل ، وأنتم نشأتم بين أظهرنا لم تأتونا من [ عند ] أحد في الظاهر ، والرسول هو الذي يأتي من عند غير ، ويكون للرسول خصوصية عند المرسل ، ولا نرى لك خصوصية لا في الخلقة ولا في القدرة والمال وغيره ، فكيف بعثتم إلينا رسلا دون أن نبعث نحن إليكم رسلا ؛ إذ أنتم ونحن في الخلقة سواء وفي الأمور الظاهرة سواء ؟ ! أو نحوه من الكلام ، احتجوا على رسلهم في رد الرسالة ؛ وكذلك كان عادة الكفرة يقولون للرسل إذا لزمتهم الحجة وأقيم عليهم نسبوها إلى السحر ، ونسبوا الرسل أنهم بشر مثلهم . فجواب هذا كله ما ذكر : { إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ إبراهيم : 11 ] ، وما قال لهم نوح : { يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ } أي : آتاني رحمة من عنده ، وجعل لي بينة وبرهانا على ما آتاني رحمة من عنده بمثل هذا يحتج عليهم . ويقال أيضاً : إنكم لا تنكرون فضل الله وتخصيص بعض على بعض بما جعلكم أئمة ورؤساء بأمور الدنيا على غيرهم ، فكيف تنكرون فضل الله وتخصيص بعض على بعض بفضل الدين والرسالة ؟ ! . وقوله : { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } : احتجوا أيضاً في رد الرسالة يقولون : إن الأراذل هم أتباع لكل من دعاهم وأهل طاعة لكل متبوع ، فليس في اتباع الأراذل إياك والضعفاء دلالة ثبوت رسالتك ؛ إذ هم يتبعون بلا دليل ولا حجة وهم فروع وأتباع لغير ، ولم يتبعك أحد من الأصول . لكن يقال : إن هؤلاء الأراذل لما اتبعوا الرسول ولم يتبعوا الأئمة والرؤساء الذين معهم الأموال والدنيا ، ولم يكن في أيدي الرسل ذلك ، ثم تركوا اتباع أولئك وفي أيديهم ما يدعوهم إليه واتبعوا الرسل دل أنهم إنما اتبعوا الرسل بالحجج والبراهين التي أقاموها عليهم أو نحوه . والأراذل : قيل : هم السفهاء والضعفاء . وقال القتبي : أراذلنا : شرارنا . و { بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [ قال بعضهم : ظاهر الرأي ؛ ] من قولك : بدا لي ما كان خفيا . وقال بعضهم : بادي الرأي : خفيف الرأي لا يعرفون حقائق الأمور ، إنما يعرفون ظواهرها ، كأنهم يقولون : إنما اتبعك من كان خفيف الرأي وباديه ، لم يتبعك من يعرف حقائق الأمور والأصول . وقد قرئ : ( بادئ الرأي ) بالهمز ، وقد قرئ بغير همز . ومن قرأ بالهمز فهو من الابتداء ، أي : في أول الرأي وابتدائه لا ينظر في عواقب الأمور . ومن قرأ بغير همز فهو من الظهور ، أي : ظاهر الرأي على غير تفكر ونظر فيه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ … } الآية : يحتمل هذا أي : فضلا في الخلقة ، أو في ملك أو مال ولا في شيء ، لكن جواب هذا ما سبق . وقوله - عز وجل - : { بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } : هكذا كانت عادة الكفرة ، يردون دلالات الرسل والحجج بالظن لم يردوا لحقيقة ظهرت . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ } أي : على بيان من ربي ، أو على حجة من ربي وبرهان فيما آتاني من رحمته . والرحمة تحتمل النبوة لأنهم كانوا ينكرون رسالته لما أنه بشر مثلهم ، فكيف خص هو بها دونهم وهو مثلهم ؟ ! فيقول : { وَآتَانِي رَحْمَةً } أي : النبوة ، وآتاني - أيضاً - على ذلك بينة وحجة . وتحتمل الرحمة الدين الذي كان يدعوهم إليه والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } قرئ بالتخفيف والتشديد ، أي : لبست ، أو التبس عليكم حيث أعرضتم عنه . ومن قرأ : بالتشديد : { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } يرجع إلى الأتباع والسفلة ، أي : عميت عليهم القادة والرؤساء منهم ولبست . ( وعميت ) بالتخفيف أي : التبس ، وعمي على القادة والرؤساء . وقوله - عز وجل - : { أَنُلْزِمُكُمُوهَا } أي : أنوجبها عليكم ، وهي التي ذكر أنه آتاها إياه أو البينة التي ذكر أيضاً أو الدين الذي كان يدعوهم إليه ، أي : لا نوجبها عليكم ولا نلزمها ، وأنتم لها كارهون بلا حجة ولا برهان . { وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } أي : لا نلزمها لكم بلا حجة شئتم أو أبيتم ولكن بحجة . وفيه أن الدين لا يقبل بالإكراه . وقوله - عز وجل - : { وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً } : على تبليغ الرسالة إليكم ، أو على إقامة الحجة على ما أدعي من الرسالة ، أو على الدين الذي يدعوهم إليه ، أي : لا أسألكم على ذلك أجرا ، فلماذا تعرضون عما أدعوكم إليه وأقيمه عليكم ليكون لكم الاحتجاج أو الاعتذار ؟ ! وكذلك يخرج قوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [ الطور : 40 ] [ أي : لا تسألهم أجرا على ما تبلغه إليهم ويدعوهم إليه ] ، فيمنعهم ثقل ذلك الغرم إجابتكم إياه ، فعلى ذلك الأول ذكر هذا ؛ لأن ما يلحق الإنسان من الضرر إنما يمنعه عن الإذعان بالحق [ للخلق ] والإقبال إليه والقيام بوفائه ، أو يمنع ذلك لما لا يتبين له الحق لئلا يكون لهم الاحتجاج والاعتلال عند الله وإن لم يكن لهم حجة ؛ وكقوله : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [ النساء : 165 ] ليس على أنه إذا سألهم على ذلك أجرا يكون لهم عذر في ردِّ ذلك وترك الإجابة له ؛ إذ لله أن يكلفهم الإجابة والطاعة له بالمال وبغير المال . والثاني : بقوله : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه وأبلغكم إياه مالاً ، مع حاجتي وقلة مالي ، فيقع عندكم أني أدعوكم إليه رغبة فيما في أيديكم من الأموال أو لمنفعة نفسي بل إنما أدعوكم إلى ما أدعوكم إليه لمنفعة أنفسكم . وقوله - عز وجل - : { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } أي : ما أجري إلا على الله في ذلك ليس عليكم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } : فيه دلالة أنهم كأنهم كانوا سألوا رسولهم أن يتخذ لهم مجلسا على حدة ، ويفرد لهم ذلك دون الأراذل والضعفاء الذين اتبعوه ويطرد الضعفاء ؛ وهو كقوله : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ … } الآية [ الأنعام : 52 ] . وقال أهل التأويل : { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } أي : ما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الأراذل والضعفاء عندكم ؛ لقولهم حيث قالوا : { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [ هود : 27 ] لأنهم يقولون : اتبعوك الأراذل ظاهراً ، وأما في الباطن فليسوا على ذلك ؛ ولذلك قال : { وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } [ هود : 31 ] يعني : ما في قلوب السفلة فيقول : ما أنا بطارد الذين آمنوا ظاهراً الله أعلم بما في قلوبهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ } يحتمل وجهين ؛ أي : ملاقو ربهم فيشكون مني إليه في رد إيمانهم ، ويخاصمونني في ذلك ويطالبونني في طردي إياهم . والثاني : أنهم ملاقو ربهم بإيمانهم ظاهراً كان إيمانهم أو باطناً [ أي في حال هم يلاقون ] ربهم فيجزيهم بما هم عليه ؛ كقوله : { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } [ الشعراء : 113 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } يحتمل تجهلون ما أدعوكم إليه أو تجهلون في قولكم : إنهم إنما آمنوا واتبعوا في ظاهر الحال ، وأما في السر فلا ، أو تجهلون ما يلحقني في طردهم . وقوله - عز وجل - : { وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ } : أي : من يمنعني من عذاب الله ، { إِن طَرَدتُّهُمْ } : على ما تدعونني إليه ، أو من يمنعني من عذاب الله إن لم أقبل منهم الإيمان . { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } : أنه لا يسع لي ما تدعونني إليه من طرد هؤلاء أو رد إيمانهم ، أو أفلا تذكرون فتؤمنون . وما روي في حرف أبي بن كعب : ( أنلزمكموها شطر أنفسنا ) فمعناه أنلزمكموها نحن أنفسنا وأنتم قوم معاندون . وفي حرف ابن عباس : ( أنلزمكموها من شطر أنفسنا ) أي : من تلقاء أنفسنا ، أي : لا نقدر أن نلزمكم ذلك من تلقاء أنفسنا وأنتم كارهون لذلك . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } يخرج على وجوه : أحدها : يقول : ليس عندي خزائن الله والسعة ، فأبذل لكم لتؤمنوا رغبة في المال والسعة . والثاني : يقول : ليس عندي سعة ، فيقع عندكم أني أدعوكم إلى ما أدعوكم إليه افتعالا رغبة في المال على ما يفعل المفتعلون للرغبة في المال ، ولكن لتعلموا أني مكلف في ذلك . والثالث : يحتمل ما ذكرنا من أسئلة كانت منهم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } : هذا القول منه لهم يحتمل الوجهين : أحدهما : أنه قال ذلك لهم على أثر أمور وأسئلة كانت منهم من نحو قولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } [ هود : 12 ] ، وقولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ } [ الإسراء : 90 - 91 ] ، وقولهم : { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ } [ الإسراء : 93 ] وأمثال ما كان منهم ، فيقول لهم : ليس ذلك عندي وبيدي ، إنما ذلك عند الله وبيده . { وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } يحتمل أن يكونوا سألوه أن يخبرهم عن أمور تستقبلهم قبل أن تستقبلهم ، إن كان شرا فيعدوا له في دفعه ، وإن كان منافع فيستقبلوا لها ويتهيئوا ، فيقول لهم : ذا غيب وأنا لا أعلم الغيب إنما العلم في ذلك إلى الله ، ولا أقول : إني ملك أعلم أخبار السماء والأمور التي فيها ، إنما أنا بشر مثلكم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } أي : مفاتيح الله في الرزق ، فهذا كأنهم سألوه السعة فيتبعونه ، فيقول : ليس عندي ذلك . ويحتمل أن يكون قال لهم الرسول هذا لدفع الشبهة عنهم ، وذلك أن من الكفار من اتخذ الرسول إلها فعبدوه بعدما عاينوا أنه من البشر . ومنهم من قال : إنه ابن الله . ومنهم من قال : إنه ملك ، وكانوا يعبدون الملائكة وكانوا يخبرونهم عن أشياء غابت عنهم ، فظنوا أنه إنما علم ذلك لأنه إله ، فيقول لهم ذلك ليدفع عنهم تلك الشبهة ويتبرأ من ذلك ؛ ولذلك قال عيسى : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً } [ مريم : 30 - 31 ] هو - عليه السلام - كان يعلم في نفسه أنه عبد الله ، ولكن يقول لهم لئلا ينسبوه إلى الألوهية والربوبية على ما نسبوا إليه ، فأقر بالعبودية له ، والله أعلم بذلك . وقال بعض أهل التأويل : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } ، أي : مفاتيح الله بأنه يهدي السفلة دونكم ، { وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } أي : لا أقول : إن عندي علم ذلك أن الله يهديهم وهم مؤمنون في السر ؛ وذلك كقوله : { وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الشعراء : 112 ] . وقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } : من الصدق . { وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } أي : إنما [ أنا ] بشر لقولهم : { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا … } إلى آخر الآية [ هود : 27 ] . ثم قال : { وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ أَعْيُنُكُمْ } قيل : الذين حقرتموهم يعني السفلة والأتباع . وقال ابن عباس : ( الذين لم تأخذهم أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا ) يعني إيماناً الله أعلم بما في أنفسهم من الصدق ، إني إذا لمن الظالمين لهم إن لم أقبل منهم [ الإيمان ] أو طردتهم ، والله أعلم .