Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 36-39)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } قال بعضهم : إن نوحاً عليه السلام لم يدع على قومه بالهلاك ما دام يرجو ويطمع من قومه الإيمان ، فإذا أيس وانقطع رجاؤه وطمعه فيحنئذ دعا عليهم بالهلاك ؛ كقوله : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] أي أحداً ، { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ … } الآية [ نوح : 27 ] ، وعرف الإياس عن إيمانهم بقوله : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ … } الآية ؛ وكذلك سائر الأنبياء والرسل لم يؤذن [ لهم ] بالدعاء على قومهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم ، وما داموا يرجون ويطمعون منهم الإيمان والإجابة لهم ، فإذا أيسوا وانقطع رجاؤهم وطمعهم عن ذلك ، فعند ذلك أذن لهم بالدعاء عليهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم [ وعلى ذلك عوتب يونس بالخروج من بين أظهرهم قبل أن يؤذن له بالخروج من بينهم ] . وفي قوله : { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } دلالة أن للإيمان حكم التجدد والابتداء في كل وقت [ وفي ] كل حال ؛ لأنه أخبر أن الذي قد آمن قد يؤمن في حادث الوقت ؛ وعلى ذلك يخرج الزيادات التي ذكرت في الإيمان فزادتهم إيمانا ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } قيل : لا تحزن بما كانوا يفعلون ، فهو يحتمل وجهين : أحدهما : لا تحزن بكفرهم بالله وتكذيبهم إياك ، ليس على النهي عن الحزن في ذلك ، بل على دفع الحزن عنه والتسلي به ؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا يحزنون بكفر قومهم بالله وجعلهم أنفسهم أعداء له ؛ كقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ … } الآية [ الشعراء : 3 ] ، وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] وأمثاله ، كان الأنبياء - عليهم السلام - أشدّ الناس حزنا بكفر قومهم بالله وتكذيبهم آياته وأشدهم رغبة في إيمانهم ، وكان حزنهم لم يكن على هلاكهم ألا ترى أن نوحا دعا عليهم بالهلاك وكذلك سائر الأنبياء - عليهم السلام - دل أن حزنهم كان لمكان كفرهم بالله وتكذيبهم آياته ، لا لمكان هلاكهم إشفاقاً على أنفسهم . والثاني : قوله : { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } يحتمل أنهم كانوا هموا قتله والمكر به ، فقال : لا تحزن بما كانوا يسعون في هلاكك فإني كافيهم قال أبو عوسجة : قوله : { فَلاَ تَبْتَئِسْ } هو من الحزن ، يقال : ابتأس يبتئس ابتئاساً . قال الكسائي - أيضاً - لا تبتئس أي : لا تحزن هو من البأس ، يقال : لا تبتئس بهذا الأمر . وقوله - عز وجل - : { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } : قال بعض أهل التأويل : { بِأَعْيُنِنَا } بأمرنا ووحينا ، وقال بعضهم : بمنظرنا ومرآنا ، ولكن عندنا يحتمل وجهين ، أحدهما : قوله : { بِأَعْيُنِنَا } أي : بحفظنا ورعايتنا ، يقال : عين الله عليك أي حفظه عليك ، ثم لا يفهم من قوله : { بِأَعْيُنِنَا } نفس العين على ما لا يفهم من [ قوله ] : { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 182 ] و { كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] ، ولكن ذكر الأيدي لما في الشاهد إنما يقدم باليد ويكتسب باليد ؛ فعلى ذلك ذكر العين لما بالعين يحفظ في الشاهد . والثاني : قوله : { بِأَعْيُنِنَا } أي : بإعلامنا إياك ؛ لأنه لولا تعليم الله إياه اتخاذ السفينة ونجرها لم يكن ليعرف أن كيف يتخذ وكيف ينجر ، إنما عرف ذلك بتعليم الله أياه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } : هذا يحتمل وجهين . يحتمل أي : لا تشفع إلي في نجاة الذين ظلموا فإنهم مغرقون في حكم الله . والثاني : لا تخاطبني في هداية الذين هم في حكم الله أنهم يموتون ظلمة ، أي : لا تسألني إيمان من في علم الله أنه لا يؤمن ، وفيه نهي السؤال عما في علم الله أنه لا يكون ؛ لأنه إذا أخبر أنه لا يكون أو لا يفعل فإذا سأله كان يسأله أن يكذب خبره الذي أخبر أنه لا يكون ، وفيه أنه إذا أراد الله إيمان أحد آمن ، ومن لم يرد إيمانه لم يؤمن . وقوله - عز وجل - : { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ } : الملأ هم الأشراف والرؤساء من قومه . { سَخِرُواْ مِنْهُ } : هم الذين سخروا منه ، قال بعضهم : سخريتهم منه أن قالوا : صار نجارا بعدما ادعى لنفسه الرسالة . وقال بعضهم : سخريتهم منه لما رأوه يتخذ الفلك ، ولم يكن هنالك بحر ولا واد ولا مياه جارية ، إنما هي آبار لهم فقالوا : يتخذوا السفينة ليسيرها في البراري والمفاوز ونحوه من الكلام . وقال : { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } وقالوا : سخريته منهم أنه إذا ركبوا الفلك رأوهم يغرقون ، قالوا : كنت على حق وعلى هدى ونحوه من الكلام ، لكن هذا لا نعلمه ولا حاجة لنا إلى معرفة سخريتهم أن كيف كانت سوى أن فيه سخروا منه . ويحتمل قوله : { فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } أي : نجزيهم جزاء سخريتهم . وقوله : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } : هو وعيد ، أي : سوف تعلمون أن حاصل سخريتكم رجع إليكم ؛ كقوله : { وَمَا يَخْدَعُونَ … } الآية [ البقرة : 9 ] ، أي : سوف تعلمون إذا نجونا نحن ، وغرقتم أنتم من { يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي : عذاب يفضحه ويهلكه وهو الغرق . { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي : عذاب يدوم . وقال بعضهم : { عَذَابٌ مُّقِيمٌ } هو عذاب الآخرة ؛ كقوله : { أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [ نوح : 25 ] . وأما قول أهل التأويل : إن سفينة نوح كان طولها كذا وعرضها كذا ، فليس لنا بذلك علم ولا حاجة لنا إلى معرفة ذلك ، فإن صح ذلك فهو ما قالوا وقولهم كان لها ثلاثة أبواب وثلاثة أطباق ، فذلك أيضاً لا نعرفه ، ولا قوة إلا بالله .