Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 40-43)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } . قوله : { جَآءَ أَمْرُنَا } أي : جاء وقت أمرنا بالعذاب الذي استعجلوه ؛ كقولهم : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأعراف : 70 ] ؛ وكذلك كانت عادة الأمم السالفة استعجال العذاب من رسلهم ، وسمي العذاب أمر الله ؛ لما لا صنع لأحد فيه ، وكذلك المرض سمي أمر الله ؛ لما لا صنع لأحد من الخلائق فيه ، وسمى الصلاة أمر الله ؛ لما بأمره يصلي . وقوله - عز وجل - : { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } : قال أبو عوسجة : { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } يقال : فار الماء أي خرج يفور فوراً ، أي : غلى كما تغلي القدر وتصديقه قوله : { وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ … } [ الملك : 7 - 8 ] قالوا : فار أي : خرج وظهر . والتنور : اختلف فيه ؛ قال بعضهم : التنور هو وجه الأرض ، قالوا : إذا رأيت الماء خرج ونبع وظهر على وجه الأرض فاركب . وقال بعضهم : التنور هو التنور الخابزة التي يخبز فيها ، قالوا : إذا رأيت الماء نبع من تنورك فاركب ، قالوا : كان الماء ينزل من السماء وينبع من الأرض ؛ كقوله : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [ القمر : 11 - 12 ] ، لكن جعل علامة وقت ركوبه السفينة هو خروج الماء من الأرض ونبعه منها . وقوله - عز وجل - : { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } : يحتمل هذا وجهين : يحتمل إن كنا قلنا له إذا فار التنور : احمل فيها من كل زوجين اثنين . ويحتمل : إن قلنا له وقت فور الماء من التنور : احمل فيها من كل زوجين اثنين . ويحتمل وقوله - عز وجل - : { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } : الزوج هو اسم فرد لذي شفع ليس هو اسم الشفع حتى يقال عند الاجتماع ذلك ، ولكن ما ذكرنا أنه اسم فرد لذي شفع كان الإناث صنفاً وزوجاً والذكور صنفاً وزوجاً ، فيكون الذكر والأنثى زوجين ، والله أعلم . وقوله : { زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : من ذكر وأنثى ثم يحتمل زوجين من ذوي الأرواح التي تكون لهم النسل ؛ لئلا ينقطع نسلهم . ويحتمل ذوي الأرواح وغيره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } : قال بعضهم : قوله : { وَأَهْلَكَ } أراد أهله والذين آمنوا معه ، يقول : احمل فيها من كل زوجين اثنين ، واحمل أهلك أيضاً إلا من قد سبق عليه القول ، أي : إلا من كان في علم الله أنه لا يؤمن ، أو إلا من كان في علم الله أنه يهلك . وقال بعضهم : قوله : { وَأَهْلَكَ } أراد أهله خاصّة ، ثم استثنى من سبق عليه القول ، وهو ابنه وزوجته وهما من أهله ، ألا ترى أنه ذكر من بعد من آمن معه وهو قوله : { وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ } أي : احمل أهلك الذين آمنوا معك إلا من سبق عليه القول من أهلك وغيره أنه في الهالكين . أو يقول : إلا من سبق عليه القول أنه لا يؤمن ، فهذا يدل أن في أهله من كان ظالماً كافرا حيث استثني من أهله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } : يذكر هذا - والله أعلم - تذكيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مننه ونعمه التي أنعمها عليه ؛ لأن نوحاً مع طول مكثه بين أظهر قومه وكثرة دعائه قومه إلى دين الله ومواعظه لم يؤمن من قومه إلا القليل منهم ؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع قلة مكثه وقصر عمره آمن من قومه الكثير يعرفه نعمه عليه ، وفيه دلالة رد قول من يقول : إن [ المواعظ إنما تنفع ] الموعوظ على قدر استعمال الواعظ ، وليس هكذا ولكن على قدر قبول الموعوظ إياها وقدر الإقبال إليها ؛ لأن نوحاً - عليه السلام - كان أشد الناس استعمالا للمواعظ وأكثرهم دعاء ، ثم لم يؤمن من قومه إلا القليل ؛ دل أنه ليس لما فهموا ، ولكن لما ذكرنا . وأما ما ذكر أهل التأويل أنه حمل في السفينة حبات العنب ، فأخذه إبليس فلم يعطه إلا أن أعطى له الشركة ، فذلك شيء لا علم لنا به ، فإن ثبت ذلك فيكون فيه دلالة أن ليس له في سائر الأنبذة والأشربة نصيب ، إنما يكون له فيما يخرج من العنب ، وتقدير الثلث والثلثين إنما يكون في عصير العنب خاصة ليس في غيره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } : يحتمل قوله : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا } أنه لما قال لهم نوح : اركبوا فيها قولوا { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } ، وهو كقول الناس باسم الله من أوله على ما يقال : ويذكر [ اسم الله ] في افتتاح كل أمر وكل عمل من ركوب ونزول وغيره . ويحتمل قوله : { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } أي : بالله مجراها ومرساها ، أي : به تجري وبه ترسو ، وأنه ليس كسائر السفن التي بأهلها تجري وبهم تقف ، وهم الذين يتولون ويتكلفون إجراءها ووقوفها ، وأما سفينة نوح كانت جريتها بالله وبه رسوها لا صنع لهم في ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } : هو ظاهر لمن آمن به وصدق رسوله ينجيه من الغرق والهلاك . وقوله - عز وجل - : { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ } : هذا يدل على ما ذكرنا أنها كانت بالله تجري وبه ترسو ؛ حيث لم يخافوا الغرق مع ما كان من الأمواج ، وأما سائر السفن فإن أهلها خافوا من أمواجها ، لما كانوا هم الذين يتولون ويتكلفون إجراءها ووقفها ، والله أعلم . وقوله : { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ } : هذا يدل على أنها كانت آية ؛ لأن الأمواج تمنع من جريان السفينة وسيرها ، فإذا أخبر أنها لم تمنع هذه من جريانها دل أنه أراد أن تصير [ آية لهم ] . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ } . يحتمل قوله : { وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ } أي : بمعزل من نوح ، أو كان بمعزل من السفينة ، أو ما كان . وقوله - عز وجل - : { يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } يحتمل لا تكن مع الكافرين : لتغرق ، أو لا تكن مع الكافرين لنعم الله . وقوله - عز وجل - : { سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ } أي : سأنضم إلى جبل ، { يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ } : ظن المسكين أن هذا الماء كغيره من المياه التي يسلم منها بالالتجاء إلى الجبال ، فأخبر عليه السلام أنه { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي : من عذاب الله ، سمى عذابه أمر الله لما ذكرنا أمر الله أمر تكوين ؛ لأنه هو النهاية في الاحتجاج [ لقوله : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ … } الآية [ النحل : 40 ] ، وهو كما يسمى البعث لقاء الله لأنه هو النهاية في الاحتجاج ] على من ينكر البعث ؛ فعلى ذلك سمى عذابه أمر الله وهو أمر تكوين ؛ لأنه هو النهاية في الاحتجاج على من ينكر العذاب . وقوله - عز وجل - : { إِلاَّ مَن رَّحِمَ } بهدايته أياه ، أو إلا من سبقت له الرحمة من الله بالهداية له والنجاة . وقوله : { وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ } : يحتمل قوله : { بَيْنَهُمَا } بين ابنه وبين نوح ، ويحتمل بينه وبين السفينة . { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } وقوله : { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } : يحتمل صار من المغرقين ، ويحتمل كان في علم الله أنه يغرق ، وهذا يدل على أن قوله في إبليس : { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } [ البقرة : 34 ] أنه يخرج على وجهين : أحدهما : أنه كان في علم الله أنه يكفر ، أو صار من الكافرين كما ذكر ، وكان من المغرقين إذ لم يكن من المغرقين في الأزل .