Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 108-111)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } . [ قيل ] : السبيل يؤنث ويذكّر . ويحتمل : هذه الطاعة أو العبادة لله . يحتمل قوله - تعالى - : { سَبِيلِيۤ } هذه التي أنا عليها ، ويحتمل : هذه سبيلي التي أدعوكم إلى الله . { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } . البصيرة : العلم والبيان والحجة النيرة ؛ أي هذه سبيلي التي أنا أدعوكم إليها ؛ إنما أدعوكم على بصيرة ؛ أي على علم وبيان وحجة قاطعة ؛ وبرهان نير ؛ ليس كسائر الأديان التي يدعى إليها على الهوى والشهوة بغير حجة ولا برهان ؛ { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } [ أي : ومن اتبعني ] - أيضاً - فإنما يدعوكم أيضاً على حجة وبرهان ؛ إذ من يجيبني ؛ فإنما يجيب على بصيرة وبيان وحجة . { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } . قيل : كأن هذا صلة قوله : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } سبحان الله : تنزيهاً لما قالوا ؛ وتبرئة عما قالوا في الله بما لا يليق به . { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } في ألوهيته وربوبية غيره ؛ أو في عبادته . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } . ذكر رجالا - والله أعلم - أي : لم نبعث رسولا من قبل إلا بشراً ؛ لم نبعث ملكاً ولا جنّاً ؛ فكيف أنكرتم رسالة محمد بأنه بشر ؛ ولم يروا رسولا من قبل ولا سمعوا إلا من البشر ؛ كقولهم : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] وكقوله : { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] هذا والله أعلم . { إِلاَّ رِجَالاً } مثلك ؛ بشراً لا ملكاً ولا جنّاً ، أو ذكر رجالا ؛ لأنه لم يبعث امرأة رسولا . وقوله - عز وجل - : { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } . أي : إنما أرسل الرسل جملة من أهل الأمصار والمدن ؛ لم يبعثوا من أهل البوادي وأهل البراري والقرى ؛ إنما يريد الأمصار والبنيان ، وقال الله - تعالى - : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } [ النحل : 112 ] قيل : هي مكة ، جميع ما ذكر في القرآن من القرية والقرى ؛ يريد به الأمصار والمدن ؛ وإنما بعث الرسل والأنبياء من الأمصار ؛ ولم يبعثهم من البوادي ومن أهل البراري - لوجهين - والله أعلم - : أحدهما : لأن لأهل الأمصار والمدن ؛ اختلاطاً بأصناف الناس ؛ وامتزاجاً بأنواع الخلق ، ويكون لهم تجارب بالخلق ؛ فهم أعقل وأحلم وأبصر من أهل البادية والبرية ، إذ اختلاطهم وامتزاجهم إنما يكون بالماشية وأنواع البهائم ؛ لذلك بعثوا من الأمصار دون البادية . وبعدُ فإن الرسل يكون لهم أسباب وأعلام تتقدم عن وقت الرسالة تحتاج إلى أن يظهر ذلك للخلق ؛ ليكون ذلك أسرع إلى الإجابة لهم ؛ وأدعى وأنفذ إلى القبول ، فإذا كانوا من أهل البوادي لا يظهر ذلك للخلق . والثاني : أنه يراد من الرسالة إظهارها في الخلق ؛ في الآفاق والأطراف والأمصار ، والمدن هي الأمكنة التي ينتاب الناس إليها في التجارات وأنواع الحوائج من الآفاق والأطراف ؛ فيظهر ذلك فيها . وفي أهل الآفاق وأما أهل البوادي والبراري ؛ ليس يدخلها ولا ينقلب إليها ؛ إلا الشاذة من الناس ؛ ولا يقضي فيها الحوائج ؛ فلا يظهر في الخلق الرسالة وما يراد بها . وقوله - عز وجل - : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } . أي : ألم ينظروا ويتفكروا ؛ فيمن هلك من قبلهم من الأمم ؛ بتكذيبهم الرسل أن كيف كان عاقبتهم بالتكذيب في الدنيا ؛ ليمتنعوا عن تكذيب رسولهم . وقوله : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ … } الآية ؛ يخرج على وجهين : أحدهما : أي قد ساروا ونظروا كيف كان عاقبة المكذبين ؛ لكنهم عاندوا ولم يعتبروا . والثاني : أي سيروا في الأرض ؛ وانظروا ، ولكن ليس على نفس السير في الأرض ؛ ولكن على السؤال عما نزل بأولئك . وقوله - عز وجل - : { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الشِّرك أو خِلافَ الله ورسوله . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أن ذلك أفضل وخير ؛ [ ممن لم يتق ذلك ] . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } و { كُذِبُواْ } ؛ كلاهما لغتان ، قال بعضهم : أيس الرسل عن إيمان قومهم وتصديقهم الرسل ، ثم يحتمل استيئاسهم عن إيمانهم ؛ لكثرة ما رأوا من اعتنادهم الآيات وتفريطهم في ردها ؛ أيسوا عن إيمانهم ، أو كان إياسهم بالخبر عن الله أنهم لا يؤمنون ؛ كقوله : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ … } الآية [ هود : 36 ] وأمثاله . وقوله : { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } قال بعضهم : وظن الرسل أن أتباعهم الضعفة قد كذبوهم ؛ لكن هذا إن كان من الرسل فهو ظن من الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ؛ [ لكثرة ما أصابهم من الشدائد ، وطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، فوقع عند الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم وإن كان من الأعداء فقد استيقن الرسل أنهم كذبوهم ] . وروي عن عروة بن الزبير : أنه سأل عائشة ؛ قال : فقلت : أرأيت قول الله : { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } أو { كُذِبُواْ } قال : فقالت : بل كذّبهم قومهم ، قال : فقلت : [ أرأيت قول الله { حَتَّىٰ } ] والله لقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ؛ وما هو بالظن ؛ فقالت : يا عروة لقد استيقنوا بذلك ، قال : قلت : فلعلهم ظنوا أن قد كُذِبوا ، قالت : معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها ، [ قال ] : وما هذه الآية ؟ قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ؛ وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر ؛ حتى إذا استيئست الرسل ممن كذبهم من قومهم ؛ وظنوا أن أتباعهم قد كذبوهم ؛ جاءهم نصر الله عند ذلك . وقال بعضهم : حتى إذا استيئس الرسل عن إيمان قومهم ؛ وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا فيما أوعدوا من العذاب أنه نازل بهم ؛ لما أبطأ عليهم العذاب . وقال بعضهم : وظنوا أنهم ؛ أي ظن قومهم ؛ أن رسلهم قد كذبوهم خبر السماء جاءهم نصرنا . فإن كان الآية في أتباع الرسل ؛ على ما ذكر بعضهم ؛ فهو كقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [ البقرة : 214 ] . فإن كانت في غيرهم من المكذبين ؛ فقد جاء الرسل نصر الله . وقوله : { فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ } من المؤمنين ؛ فهو في ظاهره خبر على المستقبل ؛ أي : ينجي من يشاء من هؤلاء المؤمنين . ويشبه أن يكون على الخبر في أولئك ؛ فإن كان على هذا ؛ فيجيء أن يكون نجينا من نشاء منهم ؛ وأهلكنا من نشاء منهم ، لكن يجوز هذا في اللغة ، أو يكون في الآخرة ننجي من نشاء . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } . أي لا يرد عذابنا إذا نزل عن المجرمين . وقوله - عز وجل - : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } . يحتمل قوله : { فِي قَصَصِهِمْ } قصة يوسف وإخوته وغيره ؛ عبرة لأولي الألباب . ويحتمل { قَصَصِهِمْ } : قصص الرسل والأمم السالفة جميعاً عبرة لأولى الألباب ، والاعتبار إنما يكون لأولي الألباب ؛ الذين ينتفعون بلبهم وعقلهم . وقوله - عز وجل - : { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } . يحتمل ؛ أي : ما حديث محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وما أخبر من القصص وأخبار الرسل والأمم السالفة ؛ بالذي افتري ؛ بل إنما أخبر ما كان في الكتب السالفة على غير تعلم منه ولا دراسة كتب . ويحتمل : ما كان هذا القرآن بالذي يقدر أن يفترى . { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } . أي : تصديق الذي نزل على رسول الله - الكتب التي كانت من قبل . { وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } . أي تفصيل ما للناس حاجة إليه . { وَهُدًى } من الضلالة لمن اهتدى . { وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وفيما ذكر من قصة يوسف وإخوته على رسول الله دلالة التصبير على [ أذى ] قريش ؛ يقول : إن إخوة يوسف - عليه السلام - مع موافقتهم إياه في الدين والنسب والموالاة - عملوا بيوسف ما عملوا من الكيد والمكر به ؛ فقومك - مع مخالفتهم إياك في الدين - أحرى أن تصبر على أذاهم . وبالله العصمة .