Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 103-107)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } . أي ما أكثر الناس بمؤمنين ؛ ولو حرصت يا محمد أن يكونوا مؤمنين ؛ كقوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] كان النبي صلى الله عليه وسلم بلغ من شفقته ورحمته على الخلق ؛ ورغبته في إيمانهم ؛ حتى كادت نفسه تهلك في ذلك ؛ حيث قال : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ … } الآية [ الشعراء : 3 ] وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ } [ فاطر : 8 ] { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } [ النحل : 127 ] كان حرصه على إيمانهم بلغ ما ذكر ؛ حتى خفف ذلك عليه بهذه الآيات . وقال بعض أهل التأويل : قوله - تعالى - : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ } يعني أهل مكة ، { وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } وهم كذلك ؛ كانوا أكثرهم غير مؤمنين ، وأهل مكة وغيرهم سواء كلهم ؛ كذلك كانوا . وقوله - عز وجل - : { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي : [ على ] ما تبلغ إليهم وتدعوهم إلى طاعة الله ؛ وجعل العبادة له ؛ وتوجيه الشكر إليه ؛ لا تسألهم على ذلك أجراً ؛ فما الذي يمنعهم عن الإجابة لك فيما تدعوهم ؛ والائتمار بأمرك ؟ ! هذا يدل أنه لا يجوز أخذ الأجر على الطاعات والعبادات ؛ حيث نهى وأخبر أنه لا يسألهم على ما يبلغ إليهم أجراً ، وهو لم يتولَّ تبليغ جميع ما أمر بتبليغه بنفسه إلى الخلق كافة ، بقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ … } الآية [ سبأ : 28 ] ولكنه ولى بعضه غيره ؛ كقوله : " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " ؛ فإذا لم يجز له أخذ الأجر فيما يبلغ هو ؛ فالذي كان مأموراً أن يبلغ عنه أيضاً لا يجوز أن يأخذ الأجر على ما يبلغ . وفي قوله : { وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } وجهان : أحدهما : أنه ليس يسألهم على الذي يبلغه إليهم ويدعوهم أجراً ؛ حتى يمنع بذل ذلك وثقله عن الإجابة . والثاني : إخبار أن ليس له أن يأخذ ؛ وأن يجمع من الدنيا شيئاً ؛ كقوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ … } الآية [ طه : 131 ] ومعلوم أنه لا يمد عينيه إلى ما لا يحل ؛ فيكون النهي عن أخذ المباح . وقوله - عز وجل - : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } . أي هذا القرآن الذي تبلغهم ليس إلا ذكرى ؛ وموعظة للعالمين ، أو هو نفسه عظة وذكرى للعالمين ؛ أعني : النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أي شرف وذكرى لمن اتبعه وقام به ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } [ ق : 37 ] ، وقوله : { آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 15 ] أي منفعته تكون لمن اتبعه ؛ فعلى ذلك هذا . وقوله - عز وجل - : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ … } الآية . أي كم من آية في السماوات والأرض . قال بعض أهل التأويل : الآيات التي في السماء مثل : الشمس والقمر والنجوم والسحاب ؛ وأمثاله ، والآيات التي في الأرض : من نحو : الجبال والأنهار والبحار والمدائن ؛ ونحوها ، لكن السماء نفسها آية ، والأرض نفسها آية ؛ وما يخرج منها من النبات آية . { يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } . أي : هم عنها معرضون عما جعلت من آيات ؛ لأنها إنما جعلت آيات لوحدانية الله وألوهيته ؛ فهم عما جعلت من آيات معرضون . وبالله الهداية والعصمة . وقال بعضهم في قوله : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ } أي : كم من آية دليل وعلامة على وحدانية الله ؛ في خلق السماوات والأرض ، وهو قريب مما ذكرنا . وقال بعضهم : آيات السماء ؛ ما ذكرنا من نحو الشمس والقمر والكواكب . وآيات الأرض ؛ فمثل آثار الأمم التي أهلكوا من قبل ؛ من نحو قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط ؛ وغيرهم ؛ ممن قد أهلكوا ؛ يمرون عليها ويرونها ولا يتعظون بهم . والوجه فيه ما ذكرنا : أنهم معرضون عما جعلت تلك آيات ؛ وإنما جعلت آيات لوحدانية الله وألوهيته ، أو معرضون عن التفكر فيها والنظر إعراض معاندة ومكابرة . ثم يحتمل الإعراض وجهين : أحدهما : أعرضوا : أي لم ينظروا فيها ؛ ولم يتفكروا ؛ ليدلهم على وحدانية الله وألوهيته ؛ فهو إعراض عنها . والثاني : نظروا وعرفوا أنها آيات [ لوحدانية الله ] ؛ لكنهم أعرضوا عنها مكابرين معاندين ، ليس في السماوات ولا في الأرض شيء - وإن لطف - إلا وفيه دلالة [ على ] وحدانية الله ، وآية ألوهيته . وقوله - عز وجل - : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } . يحتمل هذا وجهين : أحدهما : في الاعتقاد ؛ أي : وما يؤمن أكثرهم بالله بأنه الإله ؛ إلا وهم مشركون الأصنام والأوثان في التسمية ، وسموها آلهة ؛ كقوله - تعالى - : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . والثاني : إشراك في الفعل ؛ أي : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم عبدوا غيره ؛ من الأصنام والأوثان ، أو أن يكون { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ } بلسانهم { إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } بقلوبهم أو يقول : وما يؤمن أكثرهم بالله في النعمة أنها من الله تعالى ؛ إلا وهم مشركون في الشكر له تعالى . وقوله - عز وجل - : { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . أي : كيف أمنوا أن يأتيهم عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة ؛ وقد سمعوا إتيان العذاب بمن قبلهم وهلاكهم ، وقد جاء ما يخوفهم إتيان الساعة ؛ وخافوا عنها ؛ وإن لم يعلموا بذلك حقيقة ؛ لما تركوا العلم بها ترك معاندة ومكابرة ؛ لا ترك ما لم يبين لهم ؛ ومن لم يأت له التخويف والإعلام . و { غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ } : قال أبو عوسجة - رحمه الله - : أي مجللة تغشيهم ، ومنه قوله : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } [ الغاشية : 1 ] وهو ما يأتيهم العذاب من فوقهم . وقال غيره : غاشية من عذاب الله : أي عذاب من عذاب الله تعالى ؛ وهو كقوله : { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ } [ الأنبياء : 46 ] ؛ يجب أن يكون أهل الإسلام معتبرين بقوله : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا } ، وكذلك بقوله : { أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } وإن كانت الآيتان نزلتا فيهم ؛ لأنهم يمرون بما ذكر من الآيات ولا يعتبرون بما ذكر ، وكذلك يكون آمنين عن غاشية من عذاب الله تعالى .