Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 15-18)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ } : [ غيابة الجب ] قد ذكرناه . وقوله - عز وجل - : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . يحتمل قوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } : وحي نبوة ، أو وحي بشارة النجاة من ذلك الجب ، أو بشارة الملك له والعز . ثم قوله : { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . قال بعضهم : هو قول يوسف حيث قال لهم : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ … } الآية [ يوسف : 89 ] { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي } [ يوسف : 90 ] هذا الذي نبأهم يوسف وهم لا يشعرون بذلك . ويشبه أن يكون قوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ } أي : إلى يعقوب { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، ويكون قوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } هو ما قال لهم : { يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ … } الآية [ يوسف : 87 ] أمرهم أن يطلبوه ويتحسسوا من أمره ؛ كأنه علم أنه حي ؛ كقوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أنه حي ؛ ألا ترى أنه قال : { إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } [ يوسف : 94 ] ولهذا قال حين ألقى الثوب على وجهه فارتد بصيراً : { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وذلك تأويل قوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } إن كانت الآية في يعقوب ، وإن كانت في يوسف فهو ما ذكرنا ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } الآية . في الآية دلائل : أحدها : أن من ارتكب صغيرة فإنه يخاف عليه التعذيب ، ولا يصير كافراً ، ومن ارتكب كبيرة لم يخرج من الإيمان ؛ لأن إخوة يوسف همّوا بقتل يوسف ، أو طرحه في الجب ، والتغييب عن وجه أبيه ، وإخلائه عنه ، وذلك لا يخلو منهم : إما أن تكون صغيرة أو كبيرة : فإن كانت صغيرة فقد استغفروا عليها بقولهم : { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ … } الآية [ يوسف : 97 ] ؛ دل أنهم إنما استغفروا لما خافوا العذاب عليها . وإن كانت كبيرة فلم يخرجوا من الإيمان ؛ حيث صاروا أنبياء من بعد وصاروا قوماً صالحين ؛ حيث قالوا : { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } [ يوسف : 9 ] . دل ما ذكرنا على نقض قول المعتزلة في صاحب الصغيرة أن لا تعذيب عليه ، وصاحب الكبيرة أنه خرج من الإيمان ، ونقض قول الخوارج في قولهم : إنه إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة صار به كافراً مشركاً . وفيه نقض قول من يقول : إن من كذب متعمداً أو وعد فأخلف أو اؤتمن فخان يصير منافقاً ؛ لأن إخوة يوسف أؤتمنوا فخانوا ، ووعدوا فأخلفوا ، وحدثوا فكذبوا ، فلم يصيروا منافقين ؛ لأنهم قالوا : أكله الذئب ، [ ولم يأكله ] ، وهو كذب ، واؤتمنوا ، فخانوا حين ألقوه في الجبّ ، ووعدوا أنهم يحفظونه ، ولم يحفظوه . فإن قيل : روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث من علامات النفاق : من إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن [ خان ، وإذا وعد أخلف ] " فكيف يوفق بين الآية والخبر ؟ ! إذ هو لا يحتمل النسخ ؛ لأنه خبر ، والخبر لا يحتمل النسخ . قيل : يشبه أن يكون هذا في قوم خاص من الكفرة اؤتمنوا بما أودع في التوراة من نعت محمد ، فغيروه ، ووعدوا أن يبينوه ، فأخلفوا وكتموه ، وحدثوا أنهم بينوه ، فكذبوا ، أو يصير منافقاً بما ذكر ، إذا كان ذلك في أمر الدين ، وأما في غيره : فإنه لا يصير به منافقاً ، ولا يكون ذلك من أعلام المنافق ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } . هذا القول منهم له في الظاهر عظيم ؛ لأنهم قالوا : { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } ، ولا يحتمل أن يكونوا عنده صدقة ثم يكذبهم ، يكون نبي من الأنبياء يعلم صدق إنسان ثم لا يصدقه ؛ هذا بعيد ، لكن يحتمل قولهم : وما أنت بمؤمن لنا في هذا ولو كنا صادقين عندك من قبل في غير هذا . أو يكون قوله : { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } ، أي : تتهمنا ولا تصدقنا ؛ لأنه اتهمهم ؛ حيث قال : { إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } فاعترضت له التهمة ، وليس في الاتهام تكذيب ؛ إنما فيه الوقف ؛ لأن من ائتمن آخر في شيء ثم اتهمه فيه ، لا يكون في اتهامه إياه تكذيبه ؛ فعلى ذلك قولهم : { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } ، أي : تتهمنا لما سبقت من التهمة ولو كنا صادقين . على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية ، وإلا لم يجز أن يكون نبي من الأنبياء يكذب من يعلم أنه صادق في خبره وقوله . فإن قيل في قوله : { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } : كيف خاف ذلك وقد قال له يعقوب : { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ … } الآية [ يوسف : 6 ] ؛ أنبأه أنه يجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث ويتم [ عليه نعمته ] ، فكيف خاف عليه أكل الذئب والضياع ، وذلك لا يحتمل أن يقول له إلا بعلم من الله والوحي إليه ؟ قيل : يحتمل أن يكون ما ذكر على شرط الخوف أنه يخاف مما ذكر فيكون له ما قال من الاجتباء ، وتعليم الأحاديث ، وإتمام النعمة عليه . أو خاف ذلك على ما خافوا جميعاً على ما هم عليه من الدين وإن عصموا عما خافوا جميعاً ؛ حيث قال إبراهيم : { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] ، ومعلوم أن إبراهيم لا يعبد الأصنام ، وقال يوسف : { تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] وأمثاله ، وهو ما ذكرنا في غير موضع أن العصمة لا تزيل الخوف ، ولا تؤمن عن ارتكاب مضاداته ؛ بل يزيد الخوف على ذلك الأخيار والأبرار ؛ كان خوفهم وإشفاقهم على دينهم أكثر من غيرهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } . قال بعضهم : أي : نشتد إلى الصيد . وقال أبو عوسجة : { نَسْتَبِقُ } هذا من السباق ؛ أي : يعدون حتى ينظروا أيّهم يسبق ؛ أي : يتقدم من صاحبه ويغلبه في العدو . وقال القتبي : { نَسْتَبِقُ } ، أي : ننتضل ، يسابق بعضنا بعضا في الرمي ؛ يقال : سابقته فسبقته ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } . الدم لا يكون كذباً ، لكنه - والله أعلم - جاءوا على قميصه بدم قد كذبوا فيه أنه دم يوسف وأن الذئب أكله ، ولم يكن . وقال الفراء : { بِدَمٍ كَذِبٍ } : بدم مكذوب ، والعرب قد تستعمل المصدر في موضع المفعول . ثم قال : { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ } . أي : زينت لكم أنفسكم . والتسويل : هو التزيين في اللغة ؛ وتأويله - والله أعلم - أي : زينت لكم أنفسكم ودعتكم إلى أمر تفصلون وتفرقون به بيني وبين ابني . لكنا لا نعلم ما ذلك الأمر الذي زينت أنفسهم لهم ، ويشبه أن يكون ذلك قوله : { يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } يحتمل وجهين : يحتمل : صبر لا جزع فيه ، جميل نرضي بما ابتلينا به ؛ لأن الصبر هو كف النفس عن الجزع . والثاني : صبر جميل : كف النفس عن الجزع ، وجميل : لا مكافأة فيه ؛ لأنهم بما فعلوا بيوسف كانوا مستوجبين للمكافأة . فقال : { فَصَبْرٌ } كف النفس عن الجزع بذلك ، وجميل لا مكافأة فيه . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ … } الآية ؛ أي : وبالله أستعين على الصبر بما تصفون . أو يقول : إني به أستعين على ما تقولون من الكذب حين تزعمون أن الذئب أكله ونحوه .